عقود رعاية الأبناء.. فكرة تثير جدالا واسعا بين الأزواج

بعض الآباء البريطانيين توصلوا إلى اقتراح فكرة تقوم على اعتماد الزوجين اتفاقا يبرم في شكل عقد لرعاية الرضع لضمان المشاركة في العناية بهم على قدم المساواة.
السبت 2019/05/04
متعة رعاية الأبناء

تربك ولادة الطفل خاصة الأول حياة الآباء الجدد، ويتوصل بعضهم إلى حلول ونمط معيشة متوازن يجعلهم لا يتخلون عن هواياتهم وعن حياتهم الاجتماعية، فيما لا يصل بعض الأزواج إلى حلول تضمن لهم رعاية الأطفال والقيام بالواجبات المنزلية دون التخلي عن نمط معيشتهم الاجتماعي والصحي، وفي المجتمعات العربية غالبا ما تواجه الأم مشكلات التقسيم غير المتوازن للأدوار مع الزوج فتكرس حياتها لأطفالها وبيتها وتهمل حياتها الخاصة ونفسها.

 لندن- يتوصل بعض الأزواج عبر الحوار والنقاش إلى اتفاقات حول التعاون في ما يهم رعاية الأطفال والواجبات المنزلية بشكل لا يتحمل من خلاله أحدهما العبء وترتبك حياته وقد لا يجد الوقت لعلاقته الخاصة ولممارسة الرياضة أو الراحة في حين يتمتع الآخر بمواصلة حياة عادية دون أعباء ولا مسؤوليات جديدة، وهو ما يقف وراء مناداة الأزواج وفي أغلب الحالات الزوجات بالمساواة في رعاية الأطفال والواجبات المنزلية.

توصل بعض الآباء البريطانيين الجدد إلى اقتراح فكرة تقوم على اعتماد الزوجين اتفاقا يبرم في شكل عقد لرعاية الرضع لضمان المشاركة في العناية بهم على قدم المساواة. واكتسبت الفكرة زخما على وسائل التواصل الاجتماعي في الأشهر الأخيرة، وتصاعد الجدل حولها أكثر بعد أن نشر مقال عنها في مجلة “بريد” الأميركية. وتنطوي الفكرة على توقيع عقد لتقسيم الأعمال المنزلية ومهام رعاية الرضيع عدلا بين الوالدين قبل ولادة الطفل، وكذلك الاتفاق على الحضانة في حال انفصل الزوجان.

ويقول بعض مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي إن العقود علامة على “عدم النضج”، مؤكدين أنها لن تكون ملزمة قانونا. وكتب أحد المستخدمين بحسب ما نقلت صحيفة ديلي ميل البريطانية “إذا وجدت نفسك بحاجة إلى إعداد عقد لرعاية رضيعك، فقد لا يكون الوقت مناسبا لتنجب طفلا. تتجاوز مسؤوليات الوالدين ما يمكن أن يحدده عقد بسيط”.

ويبرر أحد المؤيدين فكرة عقد الرعاية قائلا “إذا كان لديك أطفال، فهناك قواعد محددة وحضانة متفق عليها في حالة عدم استمرار الزواج”. وقابلت مجلة باريد زوجين، هما جولي هوشيزر إلكوفيتش ودانييل إلكوفيتش اللذان عقدا سلسلة من الاجتماعات قبل ولادة ابنتهما لرسم مستقبلهما.

وتحدثا عن تجربتهما وقالا إنهما اختارا الأنشطة التي أرادا الحفاظ عليها في حياتهما (الخروج لتناول عشاء رومانسي، ممارسة الرياضة في القاعة المخصصة…) وكيف ينسقان جداول أعمالهما، بما في ذلك المتعلقة بالأعمال المنزلية، وزيارات طبيب الأطفال لتلقيح الرضيع، والتسوق وغيرها. ونسق العقد أنشطة الزوجين على مدى عامين.

المرأة تخسر ساعة من نومها يوميا خلال السنوات الست الأولى من حياة طفلها
المرأة تخسر ساعة من نومها يوميا خلال السنوات الست الأولى من حياة طفلها

وسارع البعض إلى التعليق إنها تبدو “فكرة رائعة”، بينما قال البعض الآخر إنها فكرة جيدة من الناحية النظرية، إلا أنها غير فعالة على أرض الواقع. وعلّق آخر قائلا “تبدو الفكرة جيدة من الناحية النظرية، ولكن يمكن أن تتغير الظروف أو قد يحصل الطلاق”.

وذكر أحدهم “لن تبقى اتفاقيات الحضانة التي تم إبرامها في وقت معين مناسبة لسنوات طويلة”. في الوقت نفسه، أكد آخرون أن الأبوة والأمومة يجب أن تتمّا على قدم المساواة دون الحاجة إلى عقد يحدد الشروط، وأنه لا ينبغي أن تكون هناك وثيقة لتقسيم المسؤوليات.

وأشار البعض الآخر إلى أن الطفل لا يجب أن يصور كواجب، ويجب ألا يعامل مثل مشروع عمل. وكتب أحدهم “إذا كنت بحاجة إلى مستند مكتوب لتربية طفلك مع شريكك، فأنت غير ناضج بما يكفي لتربية الأطفال”. واعتبر غيره أن “تربية الأطفال في الحقيقة ليست بهذه الصعوبة إذا كنت متمكنا منها”، فيما سارع آباء آخرون إلى الإشارة إلى أن العقد ضروري لعدم تكافؤ المسؤوليات في بعض الأحيان.

وقال أحدهم “لن تعرفا حقّا كيفية التخطيط قبل الولادة. التزما فقط بحب بعضكما البعض وتغلبا على التحديات معا”. وأفاد أحدهم بقوله “عندما يتزوج الناس، لا ينبغي أن يفكروا في الانفصال، يجب أن يكونوا على استعداد لمواجهة الأسوأ معا”.

واعتبر كثيرون أن هذه الفكرة الطريفة لقيت معارضة بما يؤكد أنه لا يوجد لدى الآباء والأمهات الجدد استعداد ولا معرفة بكيفية إبرام العقد، وبالرغم من اختلاف الآراء حولها إلا أن بعض الأزواج قد يحتاجون إلى فكرة تقسيم الأدوار في البيت على قدم المساواة وقد يساعدهم ذلك على الاستمتاع بحياتهم وتوفير الرعاية اللازمة لأطفالهم دون خلافات ولا نزاعات حول توزيع الأدوار، وهي خلافات تقف وراء العديد من حالات الطلاق في الأسر العربية.

وتؤكد العديد من الدراسات الاجتماعية أن ما يجعل رعاية الرضع والأبناء عموما بجانب الواجبات المنزلية والأسرية مسألة خلافية في العديد من الأسر العربية هو غياب الاتفاق والنقاش حول تقسيم الأدوار وتوزيع المهام، بل إنه رغم ما يتداول عن تغير نمط العيش والحداثة في المجتمعات العربية إلا أن بعض الرجال يرفضون مناقشة هذه المسألة أصلا ويعتبرون مبدئيا وبحسب العادات والتقاليد أن رعاية الأبناء والواجبات المنزلية منوطتان بعهدة الزوجة حتى وإن كانت تعمل. في السياق ذاته تؤكد بحوث علمية حديثة أن أعباء رعاية الأبناء -خاصة منهم الرضع- تتطلب تعاون الزوجين لأنها تتم في مرحلة حساسة وتنطوي على الكثير من المسؤوليات وعلى عناية فائقة بالمولود ما يجعل اهتمام الأم وحدها به يؤثر سلبا على حياتها وصحتها وحالتها النفسية وبالتالي يؤثر على الأداء المثالي لهذه المهام.

وتشير أبحاث جديدة إلى أن المرأة تخسر ساعة من نومها يوميا خلال السنوات الست الأولى من حياة طفلها، أما الرجل فيخسر 15 دقيقة فقط، لكن نوم الآباء لمدة أطول يحرمهم من فرصة بناء علاقة سليمة مع الأبناء. وبينت الدراسة التي قام بها باحثون من جامعة بنسلفانيا أن الآباء الجدد الذين لا ينامون لمدة طويلة يتمتعون بعلاقة أقوى مع شريكاتهم وأطفالهم.

ويعتقد الباحثون أن الأمهات الجديدات هن أكثر حساسية لتأثيرات النقص في ساعات النوم بسبب الإجهاد الشديد. ويعتبرون أن الآباء الذين ينامون لمدة طويلة يجدون صعوبة في النهوض من الفراش بسبب الاكتئاب الذي ينجر عن قلة نشاطهم.

ويشير الباحثون إلى أن مستويات الإجهاد والتوتر وخطر الاكتئاب تزداد لدى الزوجين خلال الأيام الأولى بعد ولادة الرضيع، وفي المقابل تنخفض علامات التوافق والراحة. وكتب الباحثون في مجلة الدراسات الخاصة بجمعية البحوث في مجال نمو الطفل “تتزامن فترة الضغط المرتفعة لدى الوالدين مع فترة ضعف الصغار.. لأن توفر البيئة العائلية الدافئة لديه تأثير أكبر على نمو الطفل وصحته على المدى البعيد”.

رعاية الرضع والأبناء عموما بجانب الواجبات المنزلية والأسرية مسألة خلافية في العديد من الأسر العربية 

وشملت الدراسة 143 امرأة و140 رجلا بعد عشرة أشهر من ولادة طفلهم. وقابل الباحثون الآباء والأمهات كل ليلة لمدة ثمانية أيام متتالية لتحليل الساعات الأربع والعشرين الماضية. ويشمل هذا التحليل الوقت الذي يقضونه في النوم، والعمل، وممارسة الأعمال المنزلية.

وسئل الوالدان أيضا عن شعورهما بالتوتر أو الرفاهية. واستجوبا بشأن علاقتهما ببعضهما البعض وبأطفالهما. وكشفت النتائج أن الأمهات والآباء الجدد يختلفون في طريقة استجابتهم لعدد ساعات النوم.

وكتب الباحثون “يقضي الآباء المصابون بالاكتئاب وقتا أطول في النوم، بينما لا تجد الأمهات المكتئبات فرصة لقضاء المزيد من الوقت في السرير في الصباح”. كما أن حالاتهم النفسية تكون مختلفة.

ويقول الدكتور فاينبرغ أستاذ التنمية البشرية المشارك في الدراسة “قد يشعر الآباء بالاستياء عندما تقضي الأمهات وقتا أطول في تلبية احتياجاتهن الخاصة، مما يتركهن عالقات أمام مسؤولية جسيمة. ويؤدي هذا إلى المشاجرات والصدامات”.

ومن المحتمل أن يكون الوقت الإضافي الذي يقضيه الأب مع طفله مرهقا، مما يجعله أكثر غضبا، ويؤكد الباحثون على الحاجة إلى إجراء دراسات أكبر لتحديد مدى اختلاف رفاهية الرجال والنساء خلال المراحل المبكرة من الأبوة والأمومة.

21