عقوبات أوروبية على فاغنر أم على الدول التي تؤويها

بروكسل- وصف مراقبون قرار الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات على مجموعة فاغنر الروسية بأنه أقرب إلى تسجيل احتجاج موجه أساسا إلى الدول التي تستعين بهذه المجموعة قبل أن يكون موجها إلى روسيا، وقللوا من جدوى هذه العقوبات في محاصرة المجموعة التي باتت تهدد نفوذ بعض دول الاتحاد وخاصة فرنسا.
وفرض الاتحاد الأوروبي الاثنين عقوبات على مجموعة فاغنر شبه العسكرية وعلى ثمانية أشخاص وثلاث شركات مرتبطين بها بسبب “أعمال مزعزعة للاستقرار” نفذت في أوكرانيا وفي عدة دول أفريقية.
وتتضمن العقوبات حظر إصدار تأشيرات للأشخاص المشمولين وتجميد أصولهم في الاتحاد الأوروبي، إنْ كانت لهم أصول.

طبيعة المجموعة المزدوجة، العسكرية والاقتصادية، ستجعلها أكثر ولاء والتزاما تجاه روسيا
وقال المراقبون إن هذه الإجراءات غير ذات قيمة، خاصة أن عناصر المجموعة ينشطون في مناطق بعيدة عن الاتحاد الأوروبي، ولا يستطيع الاتحاد أو أي دولة عضو فيه التأثير على نشاطهم، بما في ذلك فرنسا التي بدأت تطلق صيحات فزع تجاه توسع نفوذ روسيا ومزاحمة النفوذ الفرنسي في أفريقيا.
واعتبر دبلوماسي أوروبي أن هذه الخطوة الأوروبية هي بمثابة “رد عالمي على ممارسات الدول التي تؤوي المجموعة” وشدد على أن “هذه الشركة العسكرية الروسية الخاصة تُستخدم في أعمال مزعزعة للاستقرار في مناطق تنشط فيها داخل بلدان أوروبا ودول أخرى، وخصوصا في أفريقيا”، كما وافق الاتحاد على إطار قانوني يسمح بفرض “عقوبات على أولئك الذين يعرقلون العملية الانتقالية في مالي”.
ورُصد وجود شركة فاغنر في عدة دول في أفريقيا جنوب الصحراء حيث بات لروسيا حضور، ولاسيما في مالي وجمهورية أفريقيا الوسطى، لكنها تنشط أيضًا في ليبيا وسوريا وأوكرانيا، وفقًا لمصدر أوروبي.
ومن الواضح أن العقوبات تأتي كنوع من التضامن مع فرنسا من جهة، ومحاولة -من جهة ثانية- للضغط على روسيا في ملفات أخرى، سواء ما تعلق منها بأوكرانيا أو بموضوع تزويد أوروبا بالغاز الروسي، وسط مخاوف من أن تحول موسكو هذا الغاز إلى ورقة ضغط سياسي على الأوروبيين.
وتضغط فرنسا بكل ما لديها من جهد لمنع مجموعة فاغنر الروسية من الحصول على مواقع نفوذ لها في منطقة الساحل والصحراء. ورغم ذلك صارت القوة المتحكمة في الوضع بأفريقيا الوسطى، كما وجدت الطريق سالكا لدخول مالي كرد على موقف باريس السلبي من صعود المجلس العسكري إلى السلطة.
وفي الوقت الذي كانت فيه باريس تضغط على العسكريين في مالي حدثت مفاجأةُ إعلانِ باماكو أنها ستوقع اتفاقا مع المجموعة الروسية التي أصبحت تثير مخاوف الفرنسيين بعد أن تسللت إلى بلدان غنية بالمعادن. وتزامن هذا الظهور مع إعلان فرنسا عن تغيير استراتيجيتها في مواجهة الجماعات المتشددة ووضعها خطة لتكليف الجيوش المحلية بهذه المواجهة، وهو ما عُدّ انسحابا مقنّعا من باريس وترك دول الساحل والصحراء تواجه المهمة الصعبة وحدها.
ورغم أن فاغنر تظهر في الصورة كمجموعة أمنية خاصة مثل غيرها من المجموعات الأمنية المعروفة إلا أن طبيعتها المزدوجة، العسكرية والاقتصادية، ستجعلها أكثر ولاء والتزاما تجاه روسيا، وهذا سر مخاوف فرنسا التي تعتقد أن موسكو هي التي تضبط تحرك المجموعة من وراء الستار.
ويتيح التبرؤ الرسمي الروسي من المجموعة لقادة فاغنر وجنودها التحرك بحرية في غياب الضغوط الدبلوماسية على أنشطتها وكذلك غياب المساءلة القانونية على التهم الموجهة إليها من أكثر من جهة، بينها وزير خارجية تشاد الذي اتهمها بتدريب المقاتلين المعارضين الذين شاركوا في اغتيال الرئيس التشادي السابق إدريس ديبي إتنو في أبريل الماضي.

وعُرفت المجموعة بتمركزها في المناطق الاقتصادية الحيوية؛ ففي ليبيا تمركزت في الهلال النفطي، كما دعّمت قائد الجيش الوطني المشير خليفة حفتر لأنه نجح في ضم حقول النفط المختلفة إلى سلطته. وفي أفريقيا الوسطى سيطرت المجموعة على المناطق المنتجة للمعادن.
وفي يونيو الماضي أعلن وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان أن روسيا شرعت في “الاستيلاء على السلطة” في جمهورية أفريقيا الوسطى عبر مرتزقة مجموعة فاغنر، واستبعد تهديدًا مماثلاً في الساحل الأفريقي.
وقال “في جمهورية أفريقيا الوسطى، عبر المرتزقة الروس، ثمة نوع من أنواع الاستيلاء على السلطة، والسلطة العسكرية على وجه الخصوص. هذا ما نكافحه، وهذا ما دفعنا نحو اتخاذ تدابير لسحب عدد من أفرادنا العسكريين”.
وبحسب تقارير مختلفة “يتمركز مرتزقة فاغنر حاليا في عشر دول أفريقية، هي السودان وجمهورية أفريقيا الوسطى وليبيا وزيمبابوي وأنغولا ومدغشقر وغينيا وغينيا بيساو وموزمبيق وربما جمهورية الكونغو الديمقراطية”.