عقوبات أوروبية بانتظار إيران حال نقضها الاتفاق النووي

يتجه الموقف الأوروبي من الملف النووي الإيراني إلى الاقتراب أكثر فأكثر من الموقف الأميركي المتشدد الذي بدا معزولا في أول المطاف، غداة تهديد طهران بنقض تعهداتها الدولية. ولمحت كبرى الدول الأوروبية الداعمة للاتفاق (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) إلى فرض المزيد من العقوبات على إيران ما لم تحترم التزاماتها، في خطوة تؤكد أن ما تبديه هاته الدول من دعم للملف النووي لا يحجب مخاوفها من أنشطة طهران المزعزعة لاستقرار المنطقة.
طهران - قوبل تهديد إيران بخرق بنود الاتفاق النووي عبر مواصلة تخصيب اليورانيوم بتشدد أوروبي غير مسبوق ينذر بنفاد صبر الحلفاء الأوروبيين تجاه أجندات طهران، فيما صرح وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو المتواجد في لندن الأربعاء أن واشنطن تتابع عن كثب التصعيد الإيراني قبل التحرك.
وعلى غير العادة واجهت كل من ألمانيا وبريطانيا وفرنسا التهديد بتهديد، فيما كانت مواقفها في السابق من التهديدات الإيرانية تأتي تباعا في شكل دعوات إلى ضبط النفس.
وأعلنت إيران الأربعاء أنها ستعلق بعض تعهداتها في الاتفاق النووي التاريخي المبرم عام 2015 مع الدول الكبرى ردا على انسحاب الولايات المتحدة منه قبل سنة.
وهددت أيضا بتعليق تعهدات أخرى في حال لم تتوصل الدول الأخرى الموقعة على الاتفاق إلى حل خلال ستين يوما لتخفيف آثار العقوبات الأميركية التي أعيد فرضها على البلاد وخصوصا في قطاعي النفط والمصارف.
واتهم وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الدول الأوروبية بعدم الوفاء بالتزاماتها الواردة في الاتفاق بعد انسحاب الولايات المتحدة منه. يأتي ذلك في أجواء من التوتر المتصاعد بين إيران والولايات المتحدة التي أعلنت الثلاثاء إرسال قاذفات بي-52 إلى الخليج، فيما اتهم وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو طهران خلال زيارة مفاجئة إلى بغداد الثلاثاء بالتحضير “لهجمات وشيكة” ضد القوات الأميركية.
وأعلن المجلس الأعلى للأمن القومي في بيان نشرته وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية أن إيران أوقفت اعتبارا الحد من مخزونها من المياه الثقيلة واليورانيوم المخصب والذي كانت تعهدت به بموجب الاتفاق النووي وفرض قيودا على أنشطتها النووية.
الاتفاق النووي الذي صادق عليه مجلس الأمن في قرار، أتاح لإيران الحصول على رفع جزئي للعقوبات الدولية المفروضة عليها. وفي المقابل وافقت إيران على الحد بشكل كبير من أنشطتها النووية وتعهدت بعدم السعي إلى امتلاك السلاح الذري، لكن الولايات المتحدة التي انسحبت من الاتفاق قبل سنة، أعادت فرض عقوبات على طهران ما أضر باقتصاد البلاد وبالعلاقات التجارية بين إيران والدول الأخرى الموقعة على الاتفاق.
وكانت طهران حدت في هذا الإطار مخزونها من المياه الثقيلة بـ130 طنا كحد أقصى واحتياطها من اليورانيوم المخصب بـ300 كلغ وعدلت عن تخصيب اليورانيوم بدرجات تفوق 3.67 بالمئة.
وأعلنت فرنسا أنها لا تستبعد فرض عقوبات على إيران، وذلك بعد إعلان الأخيرة خروجها جزئيا من الاتفاق النووي الدولي.
وقالت وزيرة الدفاع الفرنسية فلورانس بارلي، ردا على سؤال عن احتمال فرض أوروبا عقوبات على إيران في حالة عدم وفاء إيران بالتزاماتها “ربما كان ذلك أحد الأشياء التي ستناقش”.
وتابعت بارلي “ليست هناك في الوقت الحالي عقوبات من جانب أوروبا، لأن إيران التزمت حتى الآن بتعهداتها بشأن سماحها بمراقبة منشآتها النووية”، مضيفة “أي أنه في حالة عدم الوفاء بهذه الالتزامات فإن هذا السؤال (فرض العقوبات) سيطرح في أوروبا”.
وأكدت الوزيرة أن فرنسا تعتزم التمسك بالاتفاق مع إيران، وقالت إنه عند النظر لسياسة “استعراض القوة التي تقوم بها الولايات المتحدة، فلن يكون هناك شيء أسوأ من أن تدير إيران ظهرها للاتفاق”.
وحضت ألمانيا بدورها إيران على الالتزام بالاتفاق النووي، داعية إياها إلى عدم إثارة المشكلات.
وقال وزير الخارجية الألماني هايكو ماس إن الحكومة الألمانية قلقة من إعلان إيران أنها ستقلص القيود المفروضة على برنامجها النووي، مضيفا أنه يجب تجنب أي إجراء من شأنه تهديد استقرار المنطقة.
ولا تنتهك الخطوات التي أعلنتها إيران حتى الآن الاتفاق المبرم مع القوى العالمية، لكن طهران هددت باتخاذ خطوات أخرى إذا لم توفر لها الدول الموقعة على الاتفاق حماية من العقوبات الأميركية. وقال ماس “نشدد على موقفنا بأننا نريد الالتزام بالاتفاق وخصوصا لمنع إيران من امتلاك السلاح النووي”، مؤكدا أن الاتفاق مهم لأمن ألمانيا وأوروبا.
وعبر الوزير الألماني في المقابل عن قلقه من أنشطة إيران المزعزعة لاستقرار المنطقة بالقول “ترى أن البرنامج الصاروخي لطهران يتسم بدرجة عالية من الإشكالية”.
وأكدت بريطانيا أن إيران ستواجه عواقب إذا تراجعت عن اتفاقها النووي مع القوى العالمية المبرم عام 2015.
وقال مارك فيلد وزير الدولة بوزارة الخارجية أمام البرلمان البريطاني “إعلان طهران اليوم، خطوة غير مرحب بها”.
وأضاف “لا نتحدث في هذه المرحلة عن إعادة فرض العقوبات، ولكن يجب أن نتذكر أنه تم رفعها مقابل القيود النووية”.
وتأتي التحذيرات البريطانية في وقت وصل فيه وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إلى لندن لحشد دعمها في مواجهة تهديدات طهران المزعزعة لاستقرار المنطقة ولمصالح الولايات المتحدة وحلفائها في الشرق الأوسط.
واعتبر بومبيو من لندن أن إعلان إيران تعليق تنفيذ بعض تعهداتها في الاتفاق الدولي حول برنامجها النووي “ملتبس بشكل متعمد”، مضيفا “علينا أن ننتظر ماذا ستكون خطوات إيران الفعلية” قبل تحديد الرد الأميركي.
ورغم ما تبديه الدول الأوروبية من دعم للملف النووي الإيراني ومن تفهم متعلق بانفتاحها على السوق الإيرانية، إلا أن حساباتها تتجه للوقوف إلى جانب الولايات المتحدة بخصوص خطورة الأنشطة الباليستية الإيرانية.
