عقبات تعترض خطط المغرب لإنعاش قطاع الإسكان

تعترض خطط المغرب في مساعيه المستمرة لتحريك عجلة قطاع الإسكان مجموعة من العقبات يرى خبراء أنها ستكون محل اختبار للمسؤولين لكي يجسدوا أفكارهم واقعيا خاصة وأن هذا المجال يعد أحد أبرز محركات النمو إلى جانب الصناعة والزراعة.
الرباط - تراقب الأوساط العقارية المغربية بكثير من الاهتمام ترجمة الحكومة لإستراتيجيتها التي أقرتها مؤخرا من أجل إعادة ضبط إيقاع سوق الإسكان سواء من حيث الصفقات أو من حيث عدد المشاريع الجديدة.
وأعلنت السلطات مؤخرا عن عزمها استبدال الإعفاءات الضريبية للمطوّرين، المعمول بها حاليا، بمنح دعم مالي مباشر للأُسر العازمة على شراء مسكن بدءا من العام المقبل كأحد الأدوات لتنمية هذا القطاع الحيوي.
وتطرح الفجوة السكنية تحديات كبيرة أمام المسؤولين حتى مع تعديل مقاربتهم لإنعاش القطاع حيث تعاني العديد من الأسر من انعدام السكن اللائق في ظل وضعياتها الاقتصادية الهشة.
ويرى خبراء أن المبادرة الأحدث للحكومة تواجه مجموعة من العراقيل والتي تتطلب التغلب عليها لبلوغ الأهداف التي تحديدها.
وتتمثل تلك التحديات في عدم اتفاق الحكومة والشركات حتى الآن على مواصفات وأسعار الوحدات السكنية، وندرة الأراضي المؤهلة لإقامة المباني عليها داخل المدن، وارتفاع تكلفة البناء.
ويبدو العامل الأكثر أهمية هو ضعف القدرة الشرائية لدى المواطنين بفعل التضخم الذي وصل إلى مستويات قياسية بعدما بلغ في أول تسعة أشهر من هذا العام 8.3 في المئة وهو الأعلى منذ 1995.
واشترط مشروع ميزانية 2023 للاستفادة من الدعم المزمع على الراغبين بالحصول على التمويل أن تكون الوحدة موضع الشراء مسكنا رئيسيا، وأن توثّق بالسجل العقاري مع وجود ضمان للدولة على أن تُمنح الأولوية للأسر الجديدة والشباب المقبلين على الزواج.
واعتبر رئيس الحكومة عزيز أخنوش خلال كلمة أمام البرلمان مؤخراً أن الإعفاءات الضريبية الممنوحة للقطاع العقاري “يصعب تقييم أثرها الاقتصادي والاجتماعي، لذلك جرى اعتماد صيغة الدعم المالي المباشر للأسر”.
وبحسب البيانات الرسمية، بلغت قيمة الدعم في هذا الباب 6.5 مليار درهم (نحو 600 مليون دولار).
وحتى تنجح مبادرتها، تعتزم الحكومة دعم مُنتجَيْن جديدين للسكن، الأول بقيمة 600 ألف درهم (نحو 56 ألف دولار) بالنسبة إلى الطبقة المتوسطة، وسيكون نصف هذا المبلغ للفئة الثانية وهم الأسر الفقيرة.
لكن بحسب رئيس الفيدرالية الوطنية للمطوّرين العقاريين توفيق كميل فإن المفاوضات مع شركات القطاع “لم تسفر لحدّ الآن عن اتفاق نهائي يحدد شروط البناء والجودة والسعر وهامش الربح، مما يأخذ بالاعتبار ارتفاع مواد البناء”.
وقال رئيس الاتحاد، الذي يضم كبرى الشركات العقارية بالبلاد، لتلفزيون بلومبرغ الشرق إن ارتفاع أسعار مواد البناء “سيؤثر بشكل كبير على المشاريع الجديدة”.
وهذا ليس كل شيء، حيث يرى كميل أن توفير السكن الجديد للطبقة المتوسطة يواجه مشكلة ندرة الأراضي الصالحة لتشييد المباني السكنية في المدن.
وتقوم المقاربة العقارية الجديدة للحكومة على تشجيع الطلب كبديل عن العرض، وإقرار أسعار فائدة أقل على القروض بعد الاتفاق مع البنوك التي لطالما كانت موضوع انتقاد بسبب تقصيرها في معاضدة جهود التنمية.
ولم تفصح الحكومة عن تفاصيل أكثر حول هذا الملف، لاسيما في ظل رفع البنك المركزي لسعر الفائدة إلى اثنين في المئة، وتخوّف القطاع المصرفي من ارتفاع نسبة الديون المتعثرة، خاصة ما يتعلق منها بالقروض السكنية.
وعانى قطاع العقارات منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا في أواخر فبراير من ارتفاع كبير في الأسعار، الأمر الذي دفع المطورين إلى إثقال المشترين بأعباء إضافية وسط عزوف الكثير عن الشراء بسبب التكلفة الباهظة للاقتراض.
ويرى الخبير في القطاع أمين مرنيسي أن إمكانية رفع المطوّرين لأسعار السكن العام المقبل “غير متاح من قِبل السوق، بالنظر إلى ركود السوق وتدهور القدرة الشرائية للمستهلكين”.
وقال مرنيسي إن “رفع أسعار العقارات سيكون غير منطقي أمام الطلب الضعيف بسبب تضرّر القدرة الشرائية للمواطنين منذ أزمة كورونا وصولاً إلى تداعيات التضخم”.
أبرز التحديات
● عدم اتفاق الحكومة والشركات على الأسعار
● ندرة الأراضي المؤهلة لإقامة المباني عليها بالمدن
● ارتفاع تكلفة البناء ومدخلات عمليات التطوير
● ضعف القدرة الشرائية للمواطنين بفعل التضخم
وأضاف “نتيجة لذلك رجحت شريحة من المطورين العقاريين عدم الانخراط في عملية بناء المساكن المدعومة من قِبل الدولة”.
وتظهر المعطيات الرسمية أنَ العجز السكني انخفض من 1.2 مليون وحدة عام 2002 إلى 368 ألف وحدة نهاية العام الماضي، لكن الترجيحات تصب في أن يرتفع الرقم مجددا مع تسارع التوسع الحضري للمدن الكبرى.
ويتوقع المغرب أن يصل عدد سكان المدن الكبرى إلى عشرة ملايين نسمة بحلول نهاية العقد الحالي على أن يتراوح المتوسط بين 25 ألفا و250 ألف نسمة.
وتشير توقُّعات النمو الديمغرافي إلى أنَّ خمُس المدن المتوسطة سيتخطى عتبة ربع مليون نسمة لتصبح مدنا كبرى.
ويطرح معظم المطورين مشكلة غياب الرؤية حول هامش الربح المتاح للوحدات السكنية الذي تقترحه الحكومة مع ارتفاع التكاليف المرتبطة بالبناء، وعودة الضرائب التي كانوا معفيين منها في السابق، مما سيزيد في السعر النهائي ليتجاوز السقف المحدد.
وقال كميل إن “عدم إفصاح الحكومة بعد عن شروط البناء في ما يخص المساكن المدعومة أربك الاستثمار بمشاريع التطوير العقاري، ودفع القطاع إلى حالة الترقب”.
ولفت إلى أن الوحدات السكنية المدعومة في السابق لفائدة الأسر الفقيرة تُباع بنحو 250 ألف درهم (23.3 ألف دولار)، كونها معفاة من ضرائب تمثل 20 في المئة من سعرها.
وأوضح أن رفع الأسعار سيكون مبررا لو كنا نعيش انتعاشاً في الطلب، لكن الحال أن شراء المسكن ليس أولوية لدى المواطنين الذين يكابدون لتأمين احتياجاتهم اليومية.