عقبات اقتصادية تضع مزارعي السودان أمام شتاء قاس

مزارعو السودان وجدوا أنفسهم محاطين بعدد من المشكلات الرئيسية التي تحدّ من زيادة إنتاج المحاصيل وخاصة القمح والشعير.
الخميس 2022/12/15
الأرض متعطشة إلى الماء والنهر بجانبك!

الخرطوم – ينظر خبراء برؤى مختلفة تجاه السودان الزاخر بالموارد الطبيعية، والتي من شأنها أن تسدّ الفجوة الغذائية المحتدمة، حيث لم تتمكن الخرطوم من استغلالها لإدارة عجلة القطاع الزراعي على النحو الأمثل.

ولم تمل الحكومات المتعاقبة من تكرار الدعوة إلى الاستثمار في القطاع، لتحقيق الأمن الغذائي العربي، الذي تقدّر فجوته بنحو 35 مليار دولار حتى العام 2020.

لكن الظروف الاقتصادية والسياسية التي يعاني منها البلد، والذي لطالما شكل لسنوات سلة غذاء المنطقة، تجعل من عملية ضخ رؤوس الأموال مهمة صعبة وقاسية على المستثمرين.

وتُجمع أوساط المزارعين على أن القطاع يواجه اليوم تحديات شاقة أكثر من أي وقت مضى للتأقلم مع مناخ أعمال متذبذب زاد من تكبيله شح التمويلات والتكاليف الباهظة لمدخلات هذا النشاط الحيوي.

ورغم امتلاك البلد مقومات هي الأكبر في المنطقة العربية بواقع 175 مليون فدّان صالحة للزراعة، إلا أن المساحات المستغلة منها في القطاع لا تتعدى نسبتها 45 في المئة.

45

في المئة نسبة المساحات الزراعية المستغلة في البلاد من أصل 175 مليون فدان

ويجد مزارعو السودان أنفسهم محاطين بعدد من المشكلات الرئيسية التي تحدّ من زيادة إنتاج المحاصيل وخاصة القمح والشعير.

ومع تعاقب المواسم الزراعية تتجدد معوّقات الإنتاج في البلاد، والتي تشمل ارتفاع التكاليف جراء استيراد التضخم تزامنا مع عدم استقرار قيمة الجنيه مقابل العملات الأجنبية.

‎وإضافة إلى ذلك يعاني السودان من أزمات متجددة في الخبز والطحين والوقود وغاز الطهي، فضلا عن الإصلاحات المتفق عليها مع صندوق النقد الدولي العام الماضي، بما فيها رفع الدعم عن الوقود وتعويم الجنيه.

ويرى عمر محمد الحاج، المدير العام لشركة تالا الزراعية والذي يستثمر في شمال السودان، أن مشاكل القطاع تتطابق في كلّ المواسم ولا تخرج عن النقص العام في إيرادات الدولة الذي يؤثر بدوره على القطاع بشكل مباشر.

وقال لوكالة الأناضول إن “من أبرز الصعوبات التي تواجه الموسم الشتوي عدم قدرة الدولة ماليا على دعم البنية الأساسية التي تتمثل في تطهير القنوات وصيانة المضخّات والتحضير المبكر لاستيراد البذور والتقاوي (الشتلات النباتية) والأسمدة”.

وأشار إلى أن “الأسمدة والتقاوي التي لا تصل في مواعيدها، بالإضافة إلى عدم تمويل المزارعين في التحضيرات وعدم توفير الحاصدات وجولات الحصاد، تسهم في احتداد مشكلات القطاع بصورة كبيرة”.

ويتفق مع عمر المزارع بولاية الجزيرة وسط السودان، منصور عبدالرازق، في رؤية قصور الجهود الحكومية لدعم القطاع، ويبدي استغرابه من دعوة الحكومة بصورة دورية إلى الاستثمار في القطاع “المنهار”.

وقال للأناضول “هل من المنطقي أن يأتي المستثمر ليخسر أمواله ويذهب إلى قطاع لا تتوفر له أدنى مقوّمات البنى التحتية؟”. ولم تكن الأوضاع السياسية بعيدة عمّا آل إليه حال القطاع الزراعي في السودان من جمود وتأخر.

السودان

وزادت الحرب في أوكرانيا من تعقيد المشكلة؛ حيث تسببت في ارتفاع أسعار مدخلات الزراعة، مثل الوقود والأسمدة، إلى مستويات قياسية.

وهذا يعرّض محاصيل الموسم الحالي والمواسم القادمة للخطر في بلد تدهورت فيه معيشة الناس وليس من الواضح كيف ستتمكن الحكومة من استيراد السلع الغذائية المكلفة من الخارج، لكن وزارة المالية تقول إنها تبذل جهودا لتوفير المال اللازم.

ووفق عبدالرازق “ألقت الأوضاع السياسية بظلال سلبية على الزراعة، في ظل توقف المنح والمعونات الدولية عقب إجراءات أكتوبر الماضي”.

وتضمّنت إجراءات قائد الجيش عبدالفتاح البرهان حينها حلّ مجلسَي الوزراء والسيادة الانتقاليين، وإقالة الولاة، واعتقال مسؤولين وسياسيين، وإعلان حالة الطوارئ.

وتعرضت جهود الحكومة الانتقالية لانتكاسة بعد تجميد مهامها، ما أعطى للمحللين انطباع أن الطريق أمام البلد لا يزال طويلا لجذب الاستثمارات أو حتى إغراء المغتربين بإقامة مشاريع لهم في البلاد.

الظروف الاقتصادية والسياسية التي يعاني منها البلد، تجعل من عملية ضخ رؤوس الأموال مهمة صعبة وقاسية على المستثمرين

وتعود مشكلات المزارعين إلى سنوات، فهي ترتبط بأزمة اقتصادية بدأت في عهد الرئيس المخلوع عمر البشير وبإصلاحات في نظام الدعم انتهجتها الحكومة الانتقالية وبضغوط عالمية على التكاليف بدأت أثناء انتشار وباء كورونا.

وانتشرت مظاهر تخلي المزارعين في السودان عن استغلال مساحات من أراضيهم جراء قلة الدعم وارتفاع أسعار المواد الأولية التي تدخل في عمليات الإنتاج، مما زاد المخاوف المتعلقة بالأمن الغذائي.

ويؤكد إدريس آدم، المزارع من ولاية غرب دارفور، أن “مشاكل الموسم الشتوي تتلخص في ارتفاع كلفة التمويل المصرفي للزراعة”. وقال إن “نسبة التمويل المخصص للزراعة متدنية مقارنة بالنسب الممنوحة للقطاعات الأخرى”.

ويعيب آدم على “دولة تمتلك مثل هذه المقومات الزراعية التي لا تتوفر في الدول الأخرى، عدم تمكنها من استغلال هذه الموارد بسبب سوء إدارتها”.

وأشار إلى أن السلطات تمنح المستثمرين في القطاع الزراعي تسهيلات تبخل بها على المزارعين، مما يسبّب حالة حنق واستياء في أوساطهم.

وطالب آدم بجلوس الدولة مع المزارعين لحلّ الإشكاليات حتى يستطيع السودان تحقيق مبادرة الأمن الغذائي العربي، التي دعت إليها القمة العربية بالجزائر في فبراير الماضي.

10