عقارات دبي تظهر مؤشرات على خفوت بريقها

توقعات بتباطؤ نمو القطاع في 2024 وشح المعروض يسهم في تفادي التراجع الحاد.
السبت 2024/01/27
فورة التطوير بحاجة إلى تعديل الأوتار

تبدد علامات انطفاء طفرة العقارات في دبي مع تراجع الصفقات وارتفاع الأسعار بشكل جنوني الكثير من التفاؤل بشأن القدرة على الحفاظ على بريق القطاع، خاصة وأن ثمة قلقا من المجازفة بالاستثمار فيه حاليا إلى أن تنقشع غيوم الأزمات العالمية الراهنة.

دبي - بدأت تظهر في الأفق دلائل على أن الازدهار العقاري في دبي يتلاشى مع تناثر الرافعات في الإمارة وتداول المنازل الفخمة بأسعار قياسية.

ويتساءل المطورون والمستثمرون والوسطاء في أحاديث خاصة عن مدى السرعة التي يمكن أن تتحول بها واحدة من أهم أسواق العقارات في العالم، وما إذا كان من الممكن استبعاد حدوث تصحيح مؤلم يشبه الركود الذي هز الإمارة في عام 2008.

واتبعت دبي منذ ذلك الحين مسارا لإعادة إنعاش الاقتصاد يرتكز على أملها في أن يحقق نموا مستداما. ويشمل ذلك خطة مدتها 10 سنوات تعرف باسم “دي 33” لمضاعفة الإنتاج وكي تصبح أحد أكبر أربعة مراكز مالية في العالم.

ومع ذلك يظل قطاع العقارات مقياسا رئيسيا لنجاحها لأنه يمثل حوالي 8.9 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للإمارة.

وقال رونان هانان، مدير شركة بروفن بارتنرز الاستشارية، لرويترز “كون دبي عرضة للتصحيح يكمن في اعتمادها على رأس المال الأجنبي، خاصة القادم من الصين وروسيا”.

رونان هانان: الاعتماد على الاستثمار الأجنبي سوف يصحح السوق
رونان هانان: الاعتماد على الاستثمار الأجنبي سوف يصحح السوق

وأدى الإنفاق الضخم على البنية التحتية وسياسات ضريبة الدخل السخية ونهج “الباب المفتوح” للهجرة المعزز بعد جائحة كورونا إلى جذب الآلاف من الأجانب.

وكان الروس أكبر مشترين غير مقيمين للمنازل في الربع الأول من 2023، لكنهم تراجعوا إلى المركز الثالث بحلول نهاية العام، وفقا لأبحاث شركة بِتر هومز، وسجل المشترون من الهند وبريطانيا معظم المعاملات خلال العام.

وأكدت هومز أن “عدد المشترين من مصر ولبنان وباكستان وتركيا ارتفع ارتفاعا ملحوظا، ما يؤكد الدور المزدوج للمدينة باعتبارها ملاذا آمنا ونقطة جذب للأثرياء”.

وقال حكيم عبدالجواد العضو المنتدب في شركة كرول للخدمات الاستشارية في التقييم إنه “رغم تراجع التدفقات الروسية والصينية ببطء، قد يبقي الاهتمام المتزايد من المستثمرين الهنود أي تراجع عابرا وبسيطا”.

وكشف بحث لوكالة نايت فرانك للعقارات أنه تم بيع رقم قياسي من المنازل بلغ 431 منزلا بأكثر من 10 ملايين دولار في 2023، أي بما يقترب من ضعف مبيعات العام السابق، ويجعل الإمارة أكبر سوق من هذا النوع في العالم.

ومع ذلك، يتوقع ارتفاع الأسعار في ثلاث مناطق سكنية راقية، وهي نخلة جميرا وتلال الإمارات وجزيرة جميرا باي، بنحو 5 في المئة هذا العام بعد إضافة زيادة بواقع 15.9 في المئة على مدار العام المنتهي في سبتمبر الماضي.

ووفق فرانك قفزت الأسعار خارج تلك المناطق الراقية بنحو 19 في المئة على مدار العام الماضي حتى سبتمبر، ويتوقع أن تنمو بنسبة 3.5 في المئة في 2024.

وقال ناصر الشيخ، المدير العام السابق للدائرة المالية في دبي، لرويترز “ما يقلقني هو حالة الاقتصاد العالمي… نحن منفتحون على العالم وكل ما يحدث في أماكن أخرى يؤثر علينا”.

ناصر الشيخ: كل ما يحدث في أماكن أخرى من العالم يؤثر على دبي
ناصر الشيخ: كل ما يحدث في أماكن أخرى من العالم يؤثر على دبي

لكنه أوضح أنه طالما أن الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية تنفذان خططا تنموية أوسع نطاقا، سيستوعب السكان الجدد المعروض من المساكن في المستقبل.

وبدا آخرون أقل تفاؤلا. وقال مصدر بارز من إحدى كبريات شركات التطوير العقاري في دبي إن “أسعار المنازل قد تنخفض بما بين 10 و15 في المئة خلال السنوات القليلة المقبلة”.

وذكر مصدر آخر مطلع على الأمر أن مالكا محليا كبيرا واحدا على الأقل يسعى لبيع العديد من العقارات الفندقية، ومن بينها عقار في منطقة نخلة جميرا الراقية للتخلص من المخاطر في محفظته.

وذكرت ميراي عزام، رئيسة قسم الاستشارات الإستراتيجية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في جي.أل.أل، “سيزيد العرض على الطلب إلى حد ما خلال عامين أو ثلاثة خاصة في الشرائح الفاخرة، لذلك من الطبيعي أن يتسبب هذا في شكل من أشكال التباطؤ”.

وقالت لرويترز إن “بعض السكان ينتظرون ليروا ما إذا كانت الأسعار ستنخفض لتصبح في المتناول قبل الانتقال إلى مكان آخر”.

ولا تزال ذكريات الانهيار العقاري في دبي قبل 16 عاما، والذي أدى في النهاية إلى تقديم أبوظبي خطة إنقاذ بقيمة 20 مليار دولار، تلوح في الأفق.

لكن المحللين يقولون إن المؤسسات والشركات تعلمت من الدروس المستفادة وإن خطر تفشي أي انكماش يبدو أقل.

وقال عبدالجواد “تعلمت المؤسسات المالية وشركات التطوير الرئيسية في المنطقة من الأزمات الماضية وباتت مستعدة جيدا، إذ يتحول تركيز السوق أكثر نحو الإسكان والبنية التحتية”.

ميراي عزام: زيادة العرض خلال عامين أو ثلاثة ستتسبب في التباطؤ
ميراي عزام: زيادة العرض خلال عامين أو ثلاثة ستتسبب في التباطؤ

وتبدو المؤشرات الاقتصادية قوية، إذ سجل مسح لوكالة ستاندرد آند بورز غلوبال لمؤشر مديري المشتريات لشهر ديسمبر الماضي أعلى قراءة له منذ 16 شهرا، ما يعكس توسع الشركات غير النفطية في دبي بقوة.

وتوقع فيصل دوراني، الشريك ورئيس قسم أبحاث الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في نايت فرانك، أن تسلم دبي 13 ألف منزل فقط سنويا على مدى السنوات الست المقبلة.

وقال إن الرقم “أقل بكثير من معدل السنوات الخمس عشرة الماضية والبالغ 30 ألف منزل، مما يشير إلى نقص قد يعزز الطلب”.

وحسب شركة ألفاريز آند مارسال الاستشارية انخفض انكشاف أكبر 10 بنوك إماراتية على العقارات، والذي يقدره محللون بأكثر من 30 في المئة خلال الأزمة المالية، للربع التاسع على التوالي.

وتراجع انكشاف البنوك إلى 16.2 في المئة في الربع الثالث من العام الماضي مقارنة مع 22.3 في المئة في نهاية عام 2020.

ورغم تقليل البنوك والمطورين حجم مخاطرهم تحذر مصادر من أن الآلاف من الجهات الفاعلة الأخرى في القطاع أكثر عرضة لتباطؤ ممتد.

ومن بين هذه الجهات شركات السمسرة في دبي، التي ارتفع عددها إلى حوالي 4 آلاف من 1200 في 2020، حسب ما أشار إليه ريتشارد ويند الرئيس التنفيذي لشركة بِتر هومز.

وأكدت مصادر لرويترز أن أكبر التهديدات التي يواجهها القطاع هي زيادة التضخم بشكل غير متوقع والسياسة العالمية بشأن أسعار الفائدة، والتي لا يمكن التنبؤ بها، واتساع رقعة الحرب الدائرة في غزة.

ولم يتضح بعد التأثير المحتمل لتعطل طرق الشحن الرئيسية في البحر الأحمر. لكن الحرب في أوكرانيا عادت بالنفع على الإمارة في السنوات القليلة الماضية، ويتوقع البعض أن يستمر ذلك.

وقال مصدر بشركة التطوير العقاري لرويترز “ستستفيد دبي دائما عندما تكون هناك فوضى”.

11