عقارات دبي تحت اختبار تفاعلات تقلب الاقتصاد العالمي

وجه المحللون أنظارهم إلى قطاع العقارات في دبي الذي سيكون تحت اختبار تفاعلات تقلب الاقتصاد العالمي بفعل حرب الرسوم الجمركية، لمعرفة مدى قدرته على تحمل المتغيرات الجديدة والحفاظ على زخم السوق التي تشهد ازدهارا غير مسبوق منذ ثلاث سنوات.
دبي - ارتفعت أسعار العقارات في دبي بنسبة 70 في المئة خلال السنوات الأربع الماضية، متفوقة في صعودها على كبرى مدن العالم، لكن هذه الطفرة القوية تواجه الآن أكبر تهديد لها منذ الوباء، وسط اضطرابات الأسواق الناجمة عن الرسوم الجمركية.
وتتراجع التوقعات الاقتصادية لدول الخليج المنتجة للنفط، مع هبوط سعر خام برنت إلى ما دون 65 دولاراً للبرميل نتيجة التوترات التجارية، وقرار تحالف أوبك+ بزيادة المعروض.
وفي ظل اتساع حالة عدم اليقين التي تضرب الأصول من الهند إلى الصين والمملكة المتحدة، ثمة مخاوف من أن يؤدي ذلك إلى عزوف المشترين الأجانب الأثرياء الذين دعموا سوق العقارات النشيط في الإمارة الخليجية.
وتأتي التهديدات الجديدة بعدما بدأت أسعار العقارات بالتباطؤ فعلاً خلال الأشهر الماضية، حيث سجلت ارتفاعاً بنسبة 16 في المئة العام الماضي مقارنة بنحو 20 في المئة قبل عام، وسط تردد المشترين أمام زيادات الأسعار.
وتتوقع وكالة ستاندرد آند بورز أن تستمر أسعار العقارات في دبي في الارتفاع، حيث قد تزيد بنسبة 8 في المئة خلال عام 2025.
ويقول محللون إن المخاطر التي تهدد بحدوث تباطؤ أوسع في السوق العقارية تتزايد، مما يولد بعض القلق من هذه السوق ستتعرض إلى ركود اضطراري لبعض الوقت.
ويرى محمد علي ياسين، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة أوراكل فاينانشيال كونسالتنسي آند إنفستمنت في تصريح لوكالة بلومبيرغ، أن تراجع أسعار النفط قد يؤدي إلى تقلص الوظائف المتاحة للوافدين الذين ساهموا في تنشيط القطاع العقاري.
كما أشار تيمور خان، رئيس قسم الأبحاث لمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا في شركة جي.أل.أل للخدمات العقارية، إلى أن المستويات المرتفعة للاستثمار الدولي في سوق عقارات دبي تجعلها عرضة لتراجع الأصول العالمية.
وقال لبلومبيرغ: “هناك شكوك حول ما إذا كانت المجموعات الدولية التي تواجه ضغوطاً في أسواقها المحلية ستواصل الاستثمار هنا.”
وترتبط حركة السوق العقارية في دبي منذ سنوات بأسعار النفط، حيث شهدت الأسعار تراجعاً في عامي 2014 و2020 تزامناً مع انهيارات الخام.
وتراجعت أسعار المنازل في دبي بنحو 33 في المئة بين عامي 2014 و2020 بعد انهيار أسعار النفط وتراجع الإيرادات الحكومية.
ورغم أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أعلن عن تعليق الرسوم التي أعلن عنها مطلع الشهر إلى حد كبير، فإنه فرض تعريفة بنسبة 145 في المئة على الواردات من الصين، وهي أكبر مستورد للنفط من الشرق الأوسط.
وحذر ياسين من أن الكثيرين يستخفون بتأثير تباطؤ النمو في الصين، وما يترتب عليه من تراجع في الطلب “على النفط في أسواقنا.”
وقال إن “الإنفاق الحكومي والمشاريع سيكونان الأكثر تأثراً إذا ظلت أسعار النفط قريبة من 60 دولاراً، ما سيؤثر سلباً على الوظائف والنشاط الاقتصادي على المدى الطويل.”
وكان بنك الاستثمار الأميركي غولدمان ساكس قد حذر من أن السعودية قد تشهد عجزاً في الميزانية يصل إلى 67 مليار دولار هذا العام، ما قد يؤدي إلى خفض الإنفاق على خطط التحول الاقتصادي الطموحة.
وتؤثر هذه التطورات على دبي، حيث تتخذ العديد من الشركات مقاراً لها، وتستخدمها كبوابة إلى السوق السعودية، ما يعني أن أي تخفيضات في مشاريع البناء في أكبر اقتصاد عربي قد تؤثر على فرص التوظيف في الإمارة أيضاً.
وقفزت أسعار العقارات السكنية في دبي بنسبة 69.8 في المئة بين نوفمبر 2020 وديسمبر 2024، وفقاً لبيانات شركة الاستشارات العقارية نايت فرانك، ومقرها لندن.
ووجاء ذلك الصعود بدعم من الإجراءات التي اتخذتها الحكومة خلال الأزمة الصحية العالمية، وسياسات التأشيرات المرنة، إلى جانب تدفق رؤوس الأموال من أثرياء روس ومستثمري العملات المشفرة.
ورغم التقلبات الأخيرة، قال محمد بن غاطي، رئيس مجلس إدارة شركة بن غاطي العقارية، إن شركته “نجحت في إتمام جميع عمليات البيع المخطط لها خلال الأسبوع الماضي.”
أما لويس هاردينغ، الرئيس التنفيذي لشركة بتر هومز فيعتقد أن تأثير أسعار النفط قد يكون أقل مما كان عليه سابقاً، بفضل إجراءات مثل التأشيرات الذهبية طويلة الأجل، التي تشجع المقيمين على البقاء خلال فترات التباطؤ.
وفي الوقت الراهن، يمثل ضعف الدولار الأميركي ميزة إضافية للمستثمرين الأجانب، نظراً لارتباط عملات الخليج بالعملة الأميركية. وهبط مؤشر بلومبيرغ لقوة الدولار بنسبة 2.4 في المئة الأسبوع الماضي، مسجلاً أدنى مستوى له منذ أكتوبر الماضي.
لكن الضغوط على كبرى شركات التطوير العقاري بدأت تظهر، حيث تراجعت أسهم إعمار بأكثر من 10 في المئة منذ الإعلان عن الرسوم مطلع أبريل، في حين فقدت أسهم الدار أكثر من 5 في المئة، رغم احتفاظ كلا السهمين بمكاسب تقارب 40 في المئة خلال العام الماضي.
ويؤكد خان أن “هناك الكثير من مصادر الخطر المحتملة،” محذراً من أن أي تخفيضات في عملات الدول التي تسعى لمعادلة أثر الرسوم قد تضع اقتصادات الخليج في موقف صعب.
ورغم ما تواجه سوق العقارات في دبي من تحديات نتيجة لتقلبات الاقتصاد العالمي، إلا أن المدينة أظهرت مرونة ملحوظة في مواجهة التحديات.
وفي عام 2024، سجلت الإمارة رقماً قياسياً في سوق العقارات، حيث بلغت قيمة المعاملات 142.1 مليار دولار، بزيادة قدرها 27 في المئة عن العام السابق.
وكان هذا النمو مدفوع بارتفاع الطلب على العقارات الجديدة، خاصة في السوق الأولية، حيث ارتفعت المبيعات بنسبة 30 في المئة، بالإضافة إلى زيادة في حجم المعاملات بنسبة 51 في المئة، مما يعكس ثقة المشترين ونشاط المطورين.
وعلى الرغم من التحديات الاقتصادية العالمية، تظل دبي محصنة نسبياً ضد هذه الضغوط، مما يعكس قوتها الاقتصادية المتنوعة.
وتعتزم الإمارة إضافة مجموعة جديدة من القصور الفاخرة ومنازل “بنتهاوس” فارهة، بعضها مزود بصالات سينما ومنتجعات صحية ومصاعد خاصة، مع استمرار المطورين في استقطاب الأثرياء من جميع أنحاء العالم.