عفو ملكي يعكس نهج المغرب في المصالحة وإعادة تأهيل المدانين بالإرهاب

الإفراج عن بلعيرج بعد مراجعة دقيقة لملفه وتوجهاته الفكرية بنبذ التطرف.
الأربعاء 2025/04/02
العفو الملكي بادرة إنسانية

شمل العفو الذي أصدره العاهل المغربي الملك محمد السادس عددا من المدانين بالإرهاب الذين أعلنوا توبتهم وخضعوا لعملية إصلاح طويلة استمرت سنوات، ما اعتبره حقوقيون وناشطون خطوة إيجابية في مسار التصالح بين بعض المواطنين المدانين بجرائم ووطنهم وعودتهم إلى المجتمع واندماجهم فيه.

الرباط - أصدر العاهل المغربي الملك محمد السادس الأحد عفوا ملكيا عن 1533 شخصا بمناسبة عيد الفطر، بينهم 31 محكوما في قضايا “تطرف وإرهاب” بعد مراجعة مواقفهم وخضوعهم لتأهيل طويل الأمد، في بادرة إنسانية تشير إلى اعتماد المملكة سياسة معالجة التطرف وإعادة إدماج المحكومين في المجتمع.

وقال بيان لوزارة العدل إن “الملك محمد السادس أصدر عفوا على مجموعة من الأشخاص، منهم المعتقلون ومنهم الموجودون في حالة سراح المحكوم عليهم من طرف مختلف محاكم المملكة وعددهم 1533 شخصا”.

وبحسب البيان، فإن المستفيدين من العفو الملكي 1203 موجودون في حالة اعتقال، و299 شخصا كانوا في حالة إطلاق سراح. وشمل العفو مجموعة من المحكومين في قضايا التطرف والإرهاب، بعدما أعلنوا بشكل رسمي تشبثهم بثوابت الأمة ومقدساتها وبالمؤسسات الوطنية، وبعد مراجعة مواقفهم وتوجهاتهم الفكرية ونبذهم للتطرف والإرهاب وعددهم 31 شخصا.

ومن بين هؤلاء عبدالقادر بلعيرج الذي حكم عليه بالسجن المؤبد عام 2009 بتهمة قيادة شبكة إسلامية متطرفة. وذلك بعد قضائه 16 سنة في السجن. وقالت زوجته رشيدة حتّي إن “زوجي حصل على عفو ملكي وخرج من السجن” الأحد.

وأثار القرار الملكي اهتماما واسعا باعتباره قدم مثالا في العفو والتسامح والعدالة مع مراعاة المعايير الحقوقية والظروف الإنسانية للمحكومين وأسرهم، والحرص على إدماجهم في برامج إصلاحية وتدريبية وتأهيلية، ومنحهم فرصا جديدة لاستعادة دورهم الإيجابي كشركاء فاعلين في خدمة الوطن والتمسك بقيمه وثوابته والمواطنة الحقة.

الإفراج عن المحكومين يأتي في إطار إستراتيجية متكاملة لتأهيل السجناء ومنحهم فرصة في العودة إلى الحياة الطبيعية

وأوضح الباحث في الشؤون الإسلامية محمد عبدالوهاب رفيقي أن “أي مبادرة للعفو الملكي بغض النظر عن التهم لا يمكن إلا تثمينها واعتبارها خطوة إيجابية في مسار التصالح بين بعض المواطنين المدانين بجرائم ووطنهم، وهي بلا شك خطوة نحو عودة هؤلاء إلى المجتمع واندماجهم فيه.”

ولفت رفيقي المعتقل السابق على خلفية ملف يتعلق بالإرهاب، إلى أن بلعيرج مهما كانت درجة خطورته “قد يكون راجع توجهاته، إذ إن السلطات المعنية لا يمكنها الإقدام على هذه الخطوة إلا بعد دراسة الملف دراسة دقيقة، ورفع عدد من التقارير حول المستفيد من مبادرة العفو، والتأكد كليا من مراجعته أفكاره وتوجهاته واستعداده للعودة إلى المجتمع.”

وأفاد الباحث نفسه بأن “الأجهزة التي تشتغل على هذه الملفات لديها خبرة، نظرا لتعلقها بأمن واستقرار البلاد، ولا يمكنها الخطأ في قضايا حساسة مثل هذه.”

ونوه بأن “بعد 15 فوجا من برنامج ‘مصالحة’ لم تسجل أي حالة عود نهائيا، ما يعني أن هناك دقة كبيرة في اختيار العناصر المرشحة”، مشددا على أن “16 سنة مدة كافية قد يكون المعني راجع فيها أفكاره وأولوياته، ولا شك أنه كما جاء في البيان لم يستفد من هذه المبادرة هو أو غيره من الذين أفرج عنهم إلا بعد التأكد من تشبثهم بثوابت المملكة واقتناعهم بالسلمية والمواطنة الصالحة.”

وأوقف عبدالقادر بلعيرج عام 2008، وحكم عليه بالسجن المؤبد في العام التالي بعد اتهامه بتزعم شبكة من الإسلاميين المتطرفين وارتكاب ست جرائم قتل في بلجيكا في أواخر الثمانينات ومطلع التسعينات، وهو الأمر الذي نفاه بشكل قاطع. وفي عام 2010، تم تأكيد الحكم الصادر بحقه في الطور الاستئنافي.

وفي القضية نفسها، صدرت أحكام على 34 متهما آخر تتراوح بين السجن لمدة عام مع وقف التنفيذ، والسجن لمدة 30 عاما. ومن بينهم زعماء سياسيون لأحزاب إسلامية معتدلة تم العفو عنهم في عام 2011.

وقال ناشطون في مجال حقوق الإنسان إن المحاكمة الجماعية التي جرت عام 2009 شابتها “انتهاكات خطيرة” لحقوق المتهمين.

ويأتي الإفراج عن المحكومين في إطار إستراتيجية متكاملة لتأهيل السجناء ومنحهم فرصة في العودة إلى الحياة الطبيعية، وقد أطلقت المملكة برنامج “مصالحة” في مايو 2016، الذي يهدف إلى تأهيل معتقلين في قضايا إرهاب، ويتضمن إستراتيجية جديدة تتعلق بالمعتقلين وموظفي السجون، تهدف إلى ضمان أمن وسلامة النزلاء، وتشمل “أنسنة (جعلها إنسانية) ظروف الاعتقال” و”إعداد المعتقلين للاندماج الاجتماعي والاقتصادي”.

المبادرات المتتالية التي يصدرها العاهل المغربي تتضمن قيما حقوقية هامة تعكس نهجا إنسانيا يعكس اهتمامه الكبير بظروف المتابعين

وأوضح الصحافي طارق القاسمي في تعليق على قرار العفو، مشيرا إلى أن بلعيرج استفاد من التفاتة إنسانية السنة الماضية (2024) حيث سُمح له بمغادرة السجن من أجل حضور جنازة والدته في مؤشر على تقدير الدولة للعوامل الإنسانية حتى في أصعب القضايا.

وأضاف في تدوينة على حسابه في إكس “لقد سبق بلعيرج كثيرون ممن تورطوا في الإرهاب وأعلنوا توبتهم، سواء من أدينوا معه في قضيته ومن كانوا على صلة به في ملف ‘حركة المجاهدين في المغرب’، أو غيرهم من المتورطين في قضايا إرهابية أخرى، لكن ما جعلهم جزءا من الحل بدل أن يبقوا جزءا من المشكلة، هو شجاعتهم في الاعتراف، وحرصهم على الإدلاء بشهادات للتاريخ، حتى تُفهم الظاهرة من جذورها، ولا يتكرر المسار نفسه مع آخرين”.

وخلّف العفو الملكي ارتياحا لدى الأوساط السياسية والحقوقية والإعلامية في البلاد، وأشاد متابعون بمشروع المصالحة الذي يأتي في سياقه هذا الإفراج باعتباره مشروعا مهما تبنته الدولة المغربية لإدماج المحكومين على اختلاف تهمهم في الحياة، خاصة في الجانب الاقتصادي، ومساعدتهم على تطوير وصقل مهاراتهم.

وأضافوا أنها فرصة للتصدي لأسباب مد الفكر المتطرف التي على رأسها الفساد والتهميش والحرمان من فرص العيش الكريم.

وتنسجم قرارات العفو الملكية، مع خطة المغرب لإعادة إدماج السجناء من خلال تنفيذ برنامج الإدماج الاقتصادي لصالح نزيلات ونزلاء سابقين بالمؤسسات السجنية.

وأكد بيان مؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء أن تنفيذ البرنامج يهدف إلى “النهوض ببرنامج العمل الطموح لتأهيل وإعادة إدماج نزيلات ونزلاء سابقين بالمؤسسات السجنية في المجتمع، وتستكمل المؤسسة برعاية لاحقة بعد الإفراج، خاصة الفئة الهشة منهم”.

وتحرص المؤسسة على تعزيز الحماية الاجتماعية والإدماج الاقتصادي لهذه الفئة في النسيج الوطني للمملكة من خلال برامج متعددة ومندمجة، تتناسب وحاجياتها من تأهيل وتوفير التكوين المهني وإعادة الإدماج وكذلك برامج التمكين الاقتصادي.

وأجمع المتابعون على أن المبادرات المتتالية التي يصدرها العاهل المغربي تتضمن قيما حقوقية هامة تعكس نهجا إنسانيا يعكس اهتمامه الكبير بظروف المتابعين سواء الحقوقية أو الاجتماعية أو الاقتصادية، وحرصه الشديد على تحسين أوضاع حقوق الإنسان بالمملكة.

4