عفو جزئي عن سجناء الرأي لم يحقق انتظارات الانفتاح السياسي في الجزائر

الجزائر - لم يرق إجراء العفو عن 14 سجينا ممن يعرفون بسجناء الرأي في الجزائر إلى مستوى آمال دعاة الانفتاح السياسي في البلاد، الطامحين إلى جرأة سياسية من طرف السلطة تنهي حالة الانسداد السياسي في البلاد، وتجنبها سيناريو الاهتزازات الذي يلف المنطقة، حتى ولو حمل بيان رئاسة الجمهورية مفردة “التهدئة” لأول مرة في مخاطبة الرأي العام، بالموازاة مع دعوات متصاعدة لفتح حوار سياسي شامل، بهدف تكريس جبهة داخلية متماسكة قادرة على مواجهة التحديات.
وترددت معلومات في الجزائر عن إطلاق سراح عدد من معتقلي الرأي، عقب قرار العفو الصادر عن الرئيس عبدالمجيد تبون، بموجب صلاحياته الدستورية، بوصفه القاضي الأول للبلاد، وجاء من بين هؤلاء الناشطة السياسية والفنانة القبائلية جميلة طويس، التي تم توقيفها ومتابعتها أمام القضاء على خلفية أغنية لها انتقدت فيها النظام السياسي القائم في البلاد، وعبرت عن تأييدها لمطالب الحراك الشعبي عام 2019.
وأوحت مفردة “تدابير تهدئة” الواردة في بيان الرئاسة الجزائرية، لما تحدث عن إطلاق سراح 14 من المحكوم عليهم بالسجن، وثمانية آخرين تحت التحقيق، بأن السلطة بصدد توسيع الإجراء تلبية لمطالب سياسية ألحت طيلة السنوات الأخيرة على ضرورة المبادرة بانفتاح سياسي وإعلامي ووقف سياسة المتابعات القضائية والتضييقات الأمنية ضد الناشطين السياسيين المعارضين، خاصة المحسوبين على تيار الحراك الشعبي.
غير أن دوائر سياسية وحقوقية مهتمة بشأن الحريات الأساسية في البلاد ظلت في حالة ترقب، ولم تبد أي تفاؤل حيال الخطوة والمفردة المذكورة، بسبب ما تراه من تجارب مماثلة في وقت سابق، حيث قامت السلطة بإجراءات عفو جزئية فقط، وتجاهلت العشرات الآخرين، كما أبقت على نفس السياسة، إذ واصلت عملية التوقيفات التي طالت في بعض الأحيان ناشطين أفرج عنهم، كما هو الشأن بالنسبة إلى محمد تاجديت الذي سجن عدة مرات منذ عام 2019.
وعلق الناشط السياسي المعارض إسلام بن عطية قائلا “نحن أمام إرادات غير منسجمة وازدواجية في اتخاذ القرار، بين من يدفع إلى التهدئة وبين من يصر على المقاربات الأمنية، وأمام أيادٍ مرتعشة ليست لديها الرغبة الكافية والتصور الواضح للمرحلة، المشهد ضبابي، لكننا نتطلع إلى أن تكون هناك قراءة واعية للمتغيرات الداخلية والدولية.”
وبين الفارق في وصف “الرأفة” و”التهدئة” يعلق حقوقيون جزائريون، على غرار محامي معتقلي الرأي عبدالغني بادي، آمالا على إمكانية مراجعة السلطة سياستها ومواقفها تجاه المعارضة السياسية في البلاد، خاصة وأن التوترات والتحولات الإقليمية والجوارية باتت تفرض -حسبه- الذهاب إلى حوار سياسي شامل، يفضي إلى بناء جبهة داخلية متماسكة وقادرة على مواجهة التحديات القائمة، وسد المنافذ التي قد تستغل من طرف الدوائر المتربصة.
هوية المعنيين بالتهدئة لم يتم الإفصاح عنها، سواء منهم الـ14 المحكوم عليهم بالسجن أو الـ8 الموجودون قيد التحقيق
ولم يفصح بيان الرئاسة الجزائرية عن هوية المعنيين بإجراء التهدئة، سواء الـ14 المحكوم عليهم بالسجن، أو الثمانية الموجودون قيد التحقيق، لكن معلومات متداولة ذكرت إطلاق سراح كل من سفيان حمدات وأيوب عزاوي وسليمان صولي وجميلة طويس.
وذهب متابعون للشأن الجزائري إلى أن مرسوم العفو الرئاسي الذي لم يقترن بأي مناسبة هذه المرة، كونه صدر أياما قليلة قبل السنة الميلادية الجديدة، سيطال الكاتب الفرنسي – الجزائري المثير للجدل بوعلام صنصال، كونه يتواجد في السجن على ذمة التحقيق، وأنه سيكون فرصة لخروج السلطة الجزائرية من المأزق الذي وجدت فيه نفسها منذ توقيف الكاتب المذكور في مطار الجزائر، ودخولها في أزمة سياسية مع السلطة الفرنسية، التي لم تتوان في المطالبة بإطلاق سراح الرجل.
وكان الكاتب المدعوم من طرف اليمين الفرنسي قد أطلق تصريحات مقلقة للجزائريين، خاصة ما تعلق منها بتشبيهه لثوار الحرب التحريرية (1954 – 1962) بـ"منتسبي التنظيمات الجهادية كالقاعدة وداعش"، ثم الزعم بـ"مغربية الإقليم الغربي الجزائري بداية من وهران وسيدي بلعباس إلى غاية الحدود المشتركة حاليا"، الأمر الذي اعتبر استفزازا وتطاولا على السيادة الوطنية، وتم إدراجه ضمن ما يعرف بالبند 87 مكرر من قانون العقوبات الذي يعالج "قضايا الإرهاب والمساس بالأمن والسيادة الوطنييْن".
وفيما لم يصدر أي تعليق إلى حد الآن من فريق الدفاع عن الكاتب الموقوف، ولم تتسرب معلومات لعائلة الكاتب حول إمكانية إدراجه ضمن مرسوم العفو المذكور، لم يتسن الوصول إلى معلومات أو معطيات إضافية، إلا تلك المتداولة لدى بعض الدوائر المغلقة حول استغلال المرسوم لتسوية أزمة بوعلام صنصال، وطي جزء من صفحة الأزمة المتصاعدة مع الفرنسيين.
ويرى المحامي ورئس حزب اتحاد القوى الديمقراطية عبدالرحمن صالح أن “الخطوة التي اتخذها الرئيس تبون، في إطار التهدئة، ليست الأولى من نوعها، بما فيها الإعفاء عن محبوسين على ذمة التحقيق في تهم موجهة لهم، لكن تزامنها مع خطاب مهم ومرتقب أمام البرلمان، قد يدفع إلى ترقب خطوات أخرى في السياق السياسي نفسه ما يجعل الصورة أوضح.”
وقال بيان الرئاسة الجزائرية بأن “تدابير تهدئة تخص إفادة 14 محبوسا بإجراءات عفو كلي لباقي العقوبة المحكوم بها عليهم نهائيا في جرائم تتعلق بالنظام العام، بالإضافة إلى العفو عن ثمانية محبوسين على ذمة التحقيق وإجراءات المحاكم عن جرائم النظام العام.”
وشمل العفو أكثر من 2400 سجين في مختلف القضايا، لكنه لم يتضح مصير بعضهم الموقوف بسبب مواقفه السياسية، على غرار قيادات من جبهة الإنقاذ الإسلامية المنحلة، ومرشح انتخابات 2018، الجنرال المتقاعد علي غديري، ومن يوصفون بسجناء التسعينات، في ظل الحديث عن أن العفو أو تخفيض العقوبة مسا من تصل عقوبتهم إلى 30 عاما.