عفو ترامب عن عناصر بلاك ووتر يفجر غضبا في العراق

بغداد - اجتاحت الأوساط السياسية والشعبية في العراق حالة من الغضب الشديد والاستنكار الواسع بعد قرار الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب العفو عن أربعة حراس أمن أميركيين أدينوا بقتل مدنيين عراقيين في بغداد عام 2007.
وأصدر ترامب الثلاثاء قرارا بالعفو عن أربعة عناصر من "بلاك ووتر" والذين كانوا يقضون أحكاما طويلة بالسجن بعد إدانتهم بارتكاب مجزرة ساحة النسور.
وأعلنت وزارة الخارجيّة العراقيّة رفضها قرار ترامب، وقالت في بيان "القرار لم يأخذ بالاعتبار خطورة الجريمة المرتكبة ولا ينسجم مع التزام الإدارة الأميركية المعلن بقيم حقوق الإنسان والعدالة وحكم القانون".
وأكدت أن قرار ترامب "يتجاهل بشكل مؤسف كرامة الضحايا ومشاعر وحقوق ذويهم".
وأوضحت أنها "ستعمل على متابعة الأمر مع حكومة الولايات المتحدة الأميركية عبر القنوات الدبلوماسية لحثها على إعادة النظر في هذا القرار".
ولم يتوقف داعمو عناصر "بلاك ووتر" عن الضغط من أجل إطلاق سراحهم، إذ كان الأربعة يقضون عقوبات طويلة في السجن.
يذكر أن "مذبحة النسور" حدثت في 16 سبتمبر 2007، عندما فتح حراس الأمن الأربعة، المعفو عنهم، أثناء مرافقتهم لوفد دبلوماسي أميركي، النار بصورة عشوائية على مجموعة من المدنيين العراقيين.
وخلفت المذبحة أكثر من 14 قتيلا من المدنيين العراقيين، وجرح عدد آخر بينهم أطفال ونساء، وتسببت في ضجة دولية وغضب شعبي عارم في العراق.
وادعى أفراد فريق بلاك ووتر، الذين كانوا يتولون بموجب عقد حماية موظفي وزارة الخارجية الأميركية العاملين في بغداد، أنهم ردوا على نيران أطلقها مسلحون لدى مرورهم في ساحة النسور.
وقال العميد فارس سعدي، ضابط شرطة ترأس التحقيق في ما حصل، "أشعر باليأس من زمان".
وتابع "كان رميا عشوائيا بالكامل، أخذت ضحايا إلى المستشفى ولكنني كنت أعرف أننا لن نصل إلى العدالة".
وكان سعدي محققا رئيسيا من قبل الشرطة في ذلك الحادث المأسوي، وتولى التنسيق مع فريق مكتب التحقيقات الفدرالي الذي أُرسل إلى بغداد حتى الإدلاء بشهادات الشهود في المحكمة الأميركية.
وأدين ثلاثة حراس هم بول سلاو وإيفان ليبرتي ودستن هيرد بالقتل العمد ومحاولة القتل العمد إضافة إلى استخدام أسلحة نارية، وحُكم على كل منهم بالسجن ثلاثين عاما. وحكم على رابع هو نيكولاس سلاتن بالسجن مدى الحياة باعتبار أنه أول من أطلق النار.
كما صدر حكم مماثل بحق سلاتن لدى إعادة محاكمته أغسطس 2019، وبعد شهر خفضت عقوبة سلاو وإيفان وهيرد إلى النصف أو دون ذلك.
وأضاف سعدي "كنت أتابع كل شيء، رأيت تخفيف الأحكام تدريجيا بالمحاكم وعرفت أنه لن تكون هناك محاسبة. لذلك لم أفاجأ" بالقرار الأخير.
وجاء عفو ترامب بعد أسابيع قليلة من إغلاق المحكمة الجنائية الدولية تحقيقا أوليا في جرائم حرب مزعومة ارتكبتها القوات البريطانية في العراق بعد غزوه عام 2003.
وبعدما أعلنت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية عام 2017 أن هناك "أساسا معقولا" لمثل هذه الجرائم، قالت هذا الشهر إنها لم تجد دليلا على أن بريطانيا قامت بحماية جنودها من الملاحقة القضائية.
واعتبر عضو مفوضية حقوق الإنسان العراقية علي البياتي أن القرارين المتتاليين يظهران أن هناك احتراما قليلا لحقوق الإنسان في الخارج.
وقال "هذا الأمر يؤكد مخالفة هذه الدول لمعايير حقوق الإنسان والقانون الدولي. إنها توفر الحصانة لجنودها مع أنها تدعي حماية حقوق الإنسان".
ولم يشهد العراق أي محاكمة في قضية ساحة النسور بسبب ظروف الصراع الطائفي التي كانت تضرب البلاد.
وأعلنت بغداد آنذاك رفضها تجديد رخصة عمل شركة "بلاك ووتر" كما رفضت وزارة الخارجية الأميركية تجديد عقدها مع الشركة للعمل هناك.
ودفع ما حصل هذه الشركة إلى تغيير اسمها مرات عدة، وأدمجت لاحقا بشركات أخرى لتشكل "مجموعة كونستيليس".
وحاليا، تعمل "مجموعة أوليف"، إحدى أصغر شركات مجموعة كونستيليس، في العراق.
وخلصت المحكمة الأميركية إلى أن أيا من المدنيين الـ14 الذين قتلوا في ساحة النسور كان مسلحا، وأن العديد منهم كانوا داخل سياراتهم التي رشقت برصاص أسلحة رشاشة، علما أن طفلا واحدا على الأقل قضى في المجزرة.
وقال محام أصيب بجروح إن جميع عائلات الضحايا، عدا واحدة فقط، تلقت تعويضات من "بلاك ووتر".
وعرض على كل من عائلات القتلى تعويضا قدره 100 ألف دولار فيما تسلم المصابون حوالي 50 ألف دولار.
والوحيد الذي رفض التعويض كان هيثم الربيعي الذي فقد نجله أحمد وزوجته محاسن.
وقالت زميلة دراسة سابقة لأحمد رفضت كشف اسمها إنه كان طالبا في كلية الطب عمره عشرون عاما.
وأضافت "كنا جميعا محطمين ومكسورين بعد تلقي خبر مقتله. كانت أوقاتا صعبة فعلا وسماع خبر مقتله ومقتل والدته زاد شعورنا باليأس. في أي حال هذا ليس مفاجئا، الأميركيون لا يتعاملون معنا كبشر، دماؤنا أرخص من الماء بنظرهم، ومطالبتنا بالعدالة والمحاسبة مجرد إزعاج" لهم.