عطلة آلام الطمث، ولِمَ لا؟

أطالب جميع المنشآت حول العالم باعتبار فترة الدورة الشهرية فترة استثنائية بامتياز في حياة الأنثى، ومنحها عطلة لمدة يوم أو يومين لتخطيها، والعودة بعدها بمزاج رائق ونفسية قوية، قادرة على الإنتاج.
الاثنين 2019/04/08
ألم نفسي وجسدي

كمدينة تمددت في فضاء فسيح بلا حدود، مدت الموظفة الحديثة قدميها، ثم قلصت من وضعهما ثانية، وتلوّت في حركات لولبية، سريعة خاطفة، حين تدفق ذلك السائل الوردي الدافئ، الدافق، قبل أن تتناول قرص المسكن لاستعادة نشاطها واستكمال عملها المكتبي، بأريحية مصطنعة بفعل الدواء.

عبرت الشابة الصغيرة بعفوية، وببراءة عن وجعها النسوي المحض، ذلك الهمّ الذي تتقاسمه نساء العالم أجمع، لائذات بالصمت الرهيب.

لا تنجو فتاة ولا سيدة من آلام فترة الطمث، فمنذ ظهور علامات الأنوثة على بنات حواء، يعلمن أنهن على موعد شهري لا يتخلف مع هذا الألم الثقيل، المتكرر، لا يَخطأنه، وبالطبع هو أيضا لا يُخطئهن، يعكر صفو مزاجهن الرائق بكدر، ويتسبب في إعاقتهن عن القيام بمهامهن اليومية.

اللافت أن موقف رئيسها المباشر، قدم نموذجا يحتذى لرجل يسعى لحل المشكلة بتفكير منطقي، بعيدا عن نمطية الفكر الإقصائي، الاستعلائي، المذيل باقتراح إجازة مقتطعة الأجر باعتبار أن الأمر ليس مرضا عارضا بل هو متكرر، وهذا هو السيناريو المعتاد لمدراء يتعاملون مع المرأة كآلة منزوعة الشعور.

والمثير للاحترام أن المدير الشاب لم يقم بتلك الحركات العابثة التي يخفي بها بعض المدراء الضعفاء عوراتهم الفكرية، ولم يسطح الأمر، فبالرغم من عدم شعوره بعمق الآلام التي تتعرض لها النساء في هذه الفترة الحرجة، إلا أنه كان له موقف رائع انحاز فيه للأنثى وفرض للنساء للمرة الأولى من نوعها عطلة لأيام الطمث، مؤازرة لهن، ومراعاة لطبيعتهن النفسية والجسدية أثناء فترات الحيض، وأطلق عليها “إجازة الفترة المرهقة”.

العجيب أن الأحوال العمالية في مصر تزداد سوءا كل يوم عمّا قبله، يستجدي موظفو القطاع الخاص حقوقهم المسلوبة، خاصة النساء، فكثيرا من المنشآت تعزف عن تشغيلهن، عكس ما حدث مع هذه المؤسسة الصغيرة. لأول مرة في مصر تفرض مؤسسة خاصة على نفسها عطلة مدفوعة للعاملات أثناء فترة الحيض، ولرفع الحرج عنهن، مداراة للخجل فإن بعض النساء يتواصلن مع مسؤولة التنمية البشرية ليتم الأمر في تكتم شديد بعيدا عن تلصص العين الذكورية بالمؤسسة.

وتعمل الشركة التي أقرت بأحقية النساء العاملات فيها بالحصول على راحة خلال فترة الدورة الشهرية، في مجال التسويق الإلكتروني والعام.

تأتي هذه اللفتة السخية استجابة لدعوات حقوقية من عدد من الجمعيات النسائية في مصر تعمل وفق ركائز من أنسنة القرارات، بضرورة إعطاء المرأة إجازة خلال فترة الطمث، وما تمر به النساء من ألم نفسي وجسدي خلال تلك الأيام الصعبة، في لقطة لافتة من محمد نعيم، صاحب الشركة.

وكان الطرح الأولي للفكرة قد تم عرضه خلال تدريب الجندر داخل غرف الأخبار لبعض النساء، والذي أقامه الاتحاد الدولي للصحافيين بمصر.

تسلح نعيم بقراءات لمقالات صحية، ونفسية، عن الآثار البدنية والنفسية لتلك الفترة الصعبة التي تمر بها النساء، قبل إقرار العطلة، تقديرا للألم النفسي والجسدي الذي تمر به في تلك الفترة.

العمل بأريحية هو رأس المال الحقيقي لأي منشأة، فله العديد من العوائد والمردودات النفسية والجسدية وقبلها المردود الاقتصادي على العمل ذاته، ممّا ينعكس بإيجابية على حجم المنجزات.

تعكير المزاج والصداع، العزوف عن الانخراط في بعض الأنشطة اليومية، ألم الشقيقة، آلام أسفل البطن والظهر، تقلصات المعدة، انعدام الشهية للطعام، اضطرابات المعدة، التقيؤ والدوار، التعرق والشعور بالوهن، الاستثارة النفسية وتهيج الأعصاب، كلها بنود مرهقة في فاتورة باهظة التكلفة تتحملها النساء في تلك الفترة.

من المرجح علميا وطبيا أن الرحم في هذه الفترة تنتابه تقلصات قوية لطرد الكميات الكبيرة من الدم والأنسجة الرخوة التي يكون لزاما على الجسد التخلص منها بضغط هرمون البروستاغلاندين.

أثمن تلك التجربة المستحقة بجدارة للحذو حذوها، وأراها من أهم مكتسبات النساء العاملات، وأطالب جميع المنشآت حول العالم باعتبار فترة الدورة الشهرية فترة استثنائية بامتياز في حياة الأنثى، ومنحها عطلة لمدة يوم أو يومين لتخطيها، والعودة بعدها بمزاج رائق ونفسية قوية، قادرة على الإنتاج، ولتكن تحت مسمى “عطلة آلام الطمث”. قد يتحقق هذا يوما؟ ربما، ولِمَ لا؟

21