"عصفور جنة" كوميديا ساخرة تدعو إلى التسامح بين الأديان

تونس - في أحدث أفلامه الذي عنونه بـ”عصفور جنة”، يأخذ المخرج السينمائي التونسي مراد بن الشيخ جمهور الفن السابع نحو موضوع شائك انتشرت الكثير من النقاشات حوله في السنوات الأخيرة، ألا وهو زواج المسلمة بغير المسلم. "عصفور جنة"، الفيلم الروائي الطويل، هو عمل من سيناريو وإخراج مراد بن الشيخ وإنتاج الحبيب عطية ومقتبس عن رواية "La marmite d’Ayoub" للكاتب محمد رضا بن حمودة التي صدرت سنة 2018 عن دار الجنوب للنشر.
هذا الفيلم الذي سيخرج إلى قاعات السينما التونسية بداية من 25 سبتمبر الجاري، هو أول روائي طويل لمراد بن الشيخ، مدته تسعون دقيقة، وهو أيضا أول عمل كوميدي في رصيده، ويطرح من خلاله مسألة زواج المسلمة بغير المسلم في تونس بطريقة تدمج بين النقد الساخر للعادات والتقاليد والدعوة إلى التسامح بين الأديان وقبول الاختلاف.
ويروي العمل قصة بدرة، وهي شابة في الثامنة والعشرين من عمرها، وأماديوس، وهو تاجر تحف قديمة إيطالي يبلغ من العمر 45 عاما، حبيبان يسعيان إلى الزواج ليجدا نفسيهما أمام تحديات ثقافية ودينية متعلقة بإشهار إسلام الرجل أساسا وما تضمنه من مراحل من ضمنها ضرورة إجرائه عملية ختان، وهي الحادثة التي بنيت على أساسها كوميديا هذا العمل.
الفيلم الذي حصل على دعم من مهرجان أيام قرطاج السينمائية قدم له المخرج بالقول “أماديوس شاب إيطالي مترف، أحب فتاة تونسية تدعى بيتي. استغل والداها الوضع واشترطا عليه شروطا. أماديوس تخلى عن مسيحيته ولكنه رفض الختان فقامت بيتي برشوة الإمام من أجل الحصول على فتوى تنقذه. وعند سؤاله من طرف المفتي عن يسوع المسيح أجاب أماديوس: ‘ابن الله’. فتمّ تأجيل اعتناقه للإسلام لمدّة أسبوع ووجد أماديوس نفسه بلا إله، إلى أن أنقذ إلغاء المنشور، الذي يمنع زواج المرأة التونسية بغير المسلمين، الزوجين”.
وحول اختياره اعتماد الكوميديا لتقديم هذا الموضوع الذي يحمل في طياته امتدادا اجتماعيا، أوضح مراد بن الشيخ في تصريح لوكالة تونس أفريقيا للأنباء (وات) أن هذا العمل “يشبهه”؛ فهو يتمتع بحس فكاهي انعكس على كتابته لسيناريو العمل الذي يرى أنه تعرف على شخصياته واخترق عالمها من خلال رواية محمد رضا بن حمودة.
وتحدث المخرج عن تجربته التمثيلية في هذا العمل الذي يضم مجموعة من الفنانين، فبين أنها ليست المرة الأولى التي يمثل فيها إذ سبق أن شارك في إحدى حلقات سلسلة “كان يا ماكانش” للمخرج عبدالحميد بوشناق، الذي حل بدوره ضيف شرف على فيلم “عصفور جنة”، ولكنها التجربة الأولى له أمام الكاميرا وخلفها في نفس الوقت وقد اضطر إلى ذلك لقلة عدد الممثلين التونسيين الذين يجيدون اللغة الإيطالية بطلاقة، على حد تعبيره.
ويلعب دور البطولة في هذا الفيلم كل من الشابة أمل مناعي والممثل الإيطالي نيكولا نوشيلا إضافة إلى كوكبة من الممثلين، منهم جمال المداني وسليم الذيب وأديب حمدي ويحيى فايدي ورياض حمدي ومنيرة الزكراوي وشاكرة رماح ومراد الغرسلي وإشراق مطر وفاطمة الفالحي ويونس الفارحي وصلاح مصدق.
وهذا العمل هو التجربة الأولى في رصيد البطلة آمال المناعي التي عبرت في تصريح لوات عن سعادتها بدخول عالم التمثيل من خلال بطولة فيلم طويل لمخرج لديه رصيد محترم من الأعمال، وبينت أنها سبق أن اشتغلت معه ضمن الفريق التقني في عدد من أعماله.
وأشارت بطلة العمل إلى أهمية موضوع الفيلم بالنسبة إليها خاصة وأنها عاشت في إيطاليا ولها العديد من الصديقات اللاتي هاجرن بطريقة غير نظامية وعانين الأمرين قبل التمكن من الحصول على الوثائق الرسمية، إذ أن موضوع “الحرقة” (الهجرة غير النظامية) وحلم الهجرة إلى ايطاليا لدى عدد من الشباب التونسيين كان من بين المواضيع التي تناولها أيضا العمل فبطلته بدرة هي مهاجرة غير نظامية.
وتجدر الإشارة إلى أن موضوع زواج المسلمة بغير المسلم مازال محل جدل في بعض الأوساط الاجتماعية رغم أنه تم منذ سنة 2017، وبأمر من رئيس الجمهورية الراحل الباجي قائد السبسي، إيقاف العمل بالمنشور عدد 216 المتعلق بمنع زواج المرأة التونسية المسلمة بغير المسلم والمؤرخ في 5 نوفمبر 1973.
هذا الأمر يعد محرما لدى المجتمعات المسلمة، ورغم ذلك نجد العديد من النساء المسلمات اللواتي يتحدين الأعراف ويتزوجن بغير المسلمين، مستندات إلى آراء فقهية تحلل زواج المرأة المسلمة بأصحاب الديانات التوحيدية الأخرى. ورغم إيقاف العمل بالمنشور الذي يمنع زواج المرأة التونسية المسلمة بغير المسلم، إلا أن بعض عدول الإشهاد يرفضون الإشراف على عقود القران ويلزمون الراغبات في الزواج بغير المسلم على الالتزام بالقانون القديم، وبالتالي إشهار إسلام الزوج وحصوله على وثيقة تثبت ذلك من هيئة الإفتاء، إلى جانب إجرائه عملية الختان.
وللتذكير فإن مخرج العمل مراد بن الشيخ من مواليد 1964 وقد درس الفنون الجميلة في تونس كما درس في جامعة بولونيا في إيطاليا. ويحمل في رصيده العديد من الأفلام السينمائية والمسلسلات التلفزيونية وأخرج سنة 2011 أول وثائقي له وهو “لا خوف بعد اليوم”، ومن أشهر أعماله أيضا مسلسل “يوميات امرأة” الذي عرض في رمضان سنة 2013 ومسلسل “أولاد الغول” الذي تابعه الجمهور أيضا في شهر رمضان من سنة 2021.