عصر الصحوات في مصر

القاهرة – يتجه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى توزيع مهمة حفظ الأمن على جهات عدة بالرهان على قوات مناطقية تابعة للقبائل وعلى نفوذ البعض ممن كانوا يوصفون بالبلطجية في فترات سابقة، في خطوة توحي بالاستفادة من فكرة الصحوات التي شهدتها بعض الدول العربية مثل العراق وسوريا والسودان، والتي تقوم على إنشاء قوات غير حكومية أو شركات أمنية خاصة وتقديم التسهيلات لها لتقوم بأدوار تخفف العبء عن مؤسستي الأمن والجيش من ناحية، وتحد من نفوذهما من ناحية ثانية.
وغطت وسائل الإعلام المحلية حفلا شبه رسمي في الأول من مايو، مع الإعلان عن إنشاء اتحاد القبائل العربية الذي يضم خمس قبائل من جميع أنحاء البلاد. ويترأس هذا الاتحاد إبراهيم العرجاني، وهو زعيم قبلي في سيناء وحليف وثيق للأجهزة الأمنية. وكان أحد قادة تجمع قبلي شارك في الحملة على مسلحي داعش في شمال سيناء.
ويكمن هدف اتحاد القبائل العربية المعلن في “دعم الدولة المصرية ومحاربة الفتنة في جميع أنحاء البلاد”. لكنه يحمل دلالات أخرى منها أن الرئيس المصري يكافئ القبائل على دورها في الحرب على الإرهاب، وفي نفس الوقت يهيئها لمرحلة جديدة تقوم على منع تسلل الفلسطينيين إلى سيناء ومواجهة فكرة التوطين.
السيسي يكسب حليفا قويا لضمان الأمن على قاعدة المصالح المشتركة بدلا من الاعتماد كليا على قوات الأمن أو الجيش
والحفاوة الرسمية بتأسيس القوات القبلية هدفها تأكيد الحاجة المتبادلة إلى التحالف بين الطرفين. فالقبائل ستحصل على التسهيلات الكافية لخدمة مصالحها وإطلاق يدها في تأمين ما يتسلل إلى غزة وما لا يتسلل ومنع حوادث التوتر مع إسرائيل لاعتبارات شخصية أو دينية كما حصل في مرات سابقة.
ويكسب الرئيس السيسي بالمقابل حليفا قويا لضمان الأمن على قاعدة المصالح المشتركة بدلا من الاعتماد كليا على قوات الأمن أو الجيش التي قد لا يمتلك الجنود فيها الحوافز الكافية لخوض معارك أو تنفيذ حملات في مناطق جغرافية تحتاج إلى من يعرف تفاصيلها.
وتوجد مبررات واقعية تدفع السلطات إلى تجديد أدواتها الأمنية وعدم الاكتفاء بالرهان على الجيش الذي يتعرض لانتقادات بسبب تركيز قياداته على النفوذ الاقتصادي. كما أن تسليم جزء من المسؤولية الأمنية لقوات ناشئة يخفف العبء عن القوات الأمنية ويحد من الأعباء السياسية المترتبة على التجاوزات التي تحدث أحيانا وتنسب إليها، ما يحرج السلطة.
ويمكّن هذا التوجه قوات الأمن من الحفاظ على بعض القدرة على الإنكار، واعتماد حجة أن القوات المناطقية أو التي تنتسب إلى الشركة الأمنية كانت تتصرف بطريقة شبه مستقلة لحماية الدولة بحماسة وطنية مطلقة.
وستظل الأجهزة الرسمية هي المهيمن على السياسة المصرية بلا منازع. وليس للقوى الناشئة قاعدة اقتصادية أو سياسية مستقلة تسمح لها بتحدي النظام في المستقبل المنظور.
وفي سياق التحالف بين السلطة والقبائل، تم الإعلان عن “مدينة السيسي” الجديدة على الحدود المصرية – الإسرائيلية، وستكون في موقع العرجاء، وهي قرية ذكر العرجاني أنها كانت معقلا لدعم تنظيم داعش، ما يجعل المشروع بيانا رمزيا للإشارة إلى انتصار النظام على المتمردين. والمثال الآخر هو تسمية السيسي رئيسا فخريا لاتحاد القبائل العربية.
والعرجاني رجل أعمال مهمّ ومالك للعديد من الشركات. وتشمل أملاكه شركة “هلا” المكلفة بتنسيق منح تصاريح السفر للفلسطينيين من غزة مع جهاز الأمن المصري.
وحققت الشركة 180 مليون دولار منذ اندلاع الحرب في القطاع المجاور لمصر حيث فرضت على الفلسطينيين رسوم تنسيق تصل إلى حوالي 5 آلاف دولار بالنسبة إلى البالغين و2500 دولار لكل طفل. ويثير التحالف مخاوف المعارضة التي ترى في ظهور العرجاني و”الصحوات القبلية” معه جزءا من اتجاه مقلق.
الرهان على قوات مناطقية ويحيل إلى تجربة الصحوات في العراق التي تم تأسيسها لمواجهة تنظيم القاعدة ما بعد الغزو الأميركي في 2003
ويحيل الرهان على قوات مناطقية إلى تجربة الصحوات في العراق التي تم تأسيسها لمواجهة تنظيم القاعدة ما بعد الغزو الأميركي في 2003، وهي قوات عشائرية استفادت من المزايا والدعم المالي لتجعل مهمتها مواجهة العناصر المسلحة التي تستهدف القوات العراقية أو الأميركية سواء أكانت هذه العناصر من تنظيم القاعدة أم من المقاومة العراقية المناوئة للاحتلال.
ويرى ماجد مندور، في مقال له بموقع عرب دايجست، “أننا نشهد، في ما يبدو، تحولا نوعيا في السياسة يتجه نحو الاعتماد على الميليشيات المجازة رسميا التي تتمتع بإمكانية الوصول إلى الأسلحة العسكرية، وهو أمر لم تشهده مصر في تاريخها الحديث”.
وليس اتحاد القبائل العربية الوحيد على هذا المسار. فهناك تجربة صبري نخنوخ، وهو متهم سابق معروف حكم عليه بالسجن مدى الحياة في 2014 بتهم شملت حيازة أسلحة ومخدرات، وشمله عفو رئاسي في مايو 2018 وأطلِق سراحه فورا.
واشترى نخنوخ في سبتمبر 2023 مجموعة فالكون التي تعد أهم شركة أمنية خاصة في البلاد، والتي يعتبرها الكثيرون واجهة للمخابرات العسكرية.
وتوظف مجموعة فالكون 15 ألف شخص، وتتمتع بقوة انتشار سريع إلى جانب وزارة الداخلية. كما تعدّ مسؤولة عن تأمين الجامعات والقنصليات ومقار عدد من الشركات الكبرى. وهذا ما يجعلها قوة مساعدة قريبة من الأجهزة الأمنية ومسؤولة عن تأمين المباني الحيوية. وهي في وضع جيد لتكون مشاركا مباشرا في مواجهة أيّ احتجاجات ذات طابع سياسي أو اجتماعي إذا تطلب الأمر.