عشر سنوات سعادة
عام 1975 اختفى نبيل فوزي في بيروت. في خضم الحرب الأهلية التي بدأت هناك بعد حادثة البوسطة الشهيرة قُتل أناس واختفى آخرون، ومَن كان لديه حدس قوي لاذ بالفرار بعد أن تأكد أن هذه الحرب سيطول زمنها.
ولأنني لا أصدق أن صديقي يُمكن أن يُقتل أو يتعرض للاختطاف بسبب قوته الأسطورية وقدرته على الإفلات من خصومه، فقد رجحت أنه هاجر وأخفى شخصيته ليعيش بعيدا عن لبنان باسم جديد، ويرتبط بامرأة أجنبية ويتكلم بلغة غير العربية من أجل إخفاء شخصيته.
لست وحدي من أحب ذلك الرجل الخارق. هناك الملايين من البشر ممن ارتبطت أحلامهم ببطولاته حتى أن البعض حاول أن يقلده ففشل، وكانت العاقبة مؤلمة.
وبالرغم من أن اسمه يشير إلى هويته العربية غير أنه في الحقيقة النسخة العربية من “كلارك كنت” الذي عاش في مدينة أميركية متخيلة.
هناك طبعا نسخ منه في مختلف بقاع الأرض وبكل اللغات. وعلى الرغم من أن صديقي يشبه سكان الأرض، غير أنه في حقيقته كائن قادم من الفضاء الخارجي.
حين كان طفلا وضعه أبوه في صاروخ وأطلقه في اتجاه الأرض بعد أن أوشك كوكبهم “كريبتون” على الانفجار.
حين كبر نبيل فوزي عمل صحافيا ليغطي على مهمته في تعقب الأشرار والقضاء عليهم.
ما بين 1965 و1975 عاش نبيل فوزي في بيروت وكانت أخباره المصورة تصلني.
كان هناك يوم في الأسبوع مخصصا له. كل أخباره كانت تسرّ بل وتجعل المرء يشعر بالنشوة.
لا تزال البشرية بخير. غالبا ما كنت أصطحب أخباره إلى أحلامي فيمتزج خياله بخيالي. كبرت وظل نبيل فوزي في طفولتي. لم أنسه.
أنا على يقين من أن كل مَن تعرف عليه لا بد أن يبقيه حيا في ذاكرته. شيء منه يظل مُلهما. القوة الخارقة التي تخدم الخير. غير أن اختفاءه كان مدعاة للتشاؤم. وهو ما كان شعورا صادقا.
فالطفل الذي صار فتى ومن ثم انتقل إلى مرحلة الرجولة منتشيا بحياته الأرضية في بيروت (بنسخته العربية) اختفى بعد أن أخذ معه أشياء كثيرة كنا نظنها لن تزول.
فبعده صار الأشرار يتجولون في شوارع المدينة مطمئنين إلى أن أحداً لن يقف في طريقهم.
غير أن الأهم من كل ذلك أن أطفالا ولدوا بعدنا لن يلتفتوا إلى بيروت باعتبارها المدينة التي يقيم فيها بطلهم المحبوب وتأتي منها أخباره.
قد يروي لهم آباؤهم مغامرات الرجل الذي لم تتمكن الجاذبية الأرضية من الإمساك به وتقييد حركته فكان يطير مبشرا بنهاية عصر الجريمة.
فجأة انتهت حقبة سوبرمان، الرجل الذي اتخذ له اسما عربيا هو نبيل فوزي فبدأ عصر جديد للجريمة.
