عشر دقائق من التمارين تحدث فارقا في اللياقة

يوصي مدربو اللياقة بضرورة تعويد الجسم على الحركة والنشاط وانتهاز الفرص للقيام بأي نوع من النشاط خلال اليوم، حتى وإن كان ذلك لبضع دقائق فقط. فلا يتطلب الأمر الكثير من التحضير أو تخصيص وقت مطول للحفاظ على لياقة الجسم وتخليصه من حالة الخمول والشد.
نيويورك - يقضي أغلب الناس الشق الأكبر من أوقاتهم جالسين إما في مكاتبهم وإما في بيوتهم، أمام التلفزيون، أو في وسائل النقل. وقد تتواصل فترة الجلوس إلى تسع ساعاتٍ ونصف الساعة يوميا، وفق ما أفاد به بحث أجرته جمعية “بريتيش هارت فاوندايشن” المعنية بصحة القلب في بريطانيا. وهذا يعني أن إنسان العصر الحديث يقضي 75 في المئة من وقته دون نشاط حركي. وهو ما يراه الأخصائيون هدرا للعمر الذي تتتالى مراحله والجسم في حالة سكون وخمول.
وتأكد ذلك عبر نتائج دراسة صادرة عن وزارة الصحة والخدمات البشرية، أشارت إلى أن 80 بالمئة من الأميركيين لا يمارسون الرياضة بشكل كاف.
وتشهد مستويات الخمول البدني ارتفاعا في جميع البلدان المتقدمة والبلدان النامية تقريبا. ولا يمارس أكثر من نصف البالغين، في البلدان المتقدمة، النشاط البدني بقدر كاف،. بل إنّ المشكلة باتت أكبر في مدن العالم النامي الكبرى الآخذة في الاتساع.
يعتقد الكثيرون أن الجلوس في حد ذاته هو شكل من أشكال الاسترخاء، لا سيما في البيت، وأنه راحة مستحقة بعد عناء يوم مجهد. والحقيقة أن الجسم بحاجة كبيرة إلى التخلص من حالة الشد والضغط عبر ممارسة التمارين أكثر من الخلود إلى الراحة. ويمكن الاستدلال على ذلك بالمقارنة مع ما كان عليه الجسم البشري منذ نشأته، فقضاء الإنسان البدائي الساعات الطوال في الركض والقفز والقرفصاء والسباحة بحثا عن صيد يتغذى منه جعلت جسمه أكثر مرونة ولياقة وصحة مما نحن عليه اليوم.
فكلما زاد تطورنا وزاد اعتمادنا على الأجهزة الميكانيكية والإلكترونية وغيرها من الاختراعات تراجع نشاطنا وصرنا نميل أكثر إلى الجلوس والتحكم في كل شيء دون جهد يذكر.
ومع مرور الوقت، تلحق هذه العادات السيئة أضرارا كبيرة بالأنسجة الصلبة والرخوة، فالعضلات والعظام تتأثر سلبا أو إيجابا جراء زيادة العبء عليها أو التوقف عن استخدامها، لتصبح العظام أكثر كثافة أو هشاشة. ونظرا لزيادة انتشار ظاهرة الجلوس لساعات طويلة وتفاقم مخاطرها، يشدد الأطباء والأخصائيون في المجال الرياضي على الأهمية القصوى للنشاط والحركة ولو بمقدار صغير. كما شنت منظمة الصحة العالمية والهيئات الصحية حملات واسعة لحث جميع الأعمار على ممارسة الرياضة بكل أنواعها ودمجها ضمن الحياة اليومية للأفراد حتى تصبح نشاطا معتادا.
حمل الأغراض المنزلية أو الكتب أو الأطفال من الأنشطة البدنية التكميلية الجيدة، شأنها شأن صعود السلالم بدل المصاعد
وتقول المنظمة العالمية إنه يمكن ممارسة النشاط البدني في كل الأماكن تقريبا ولا يستوجب ذلك، بالضرورة، استخدام معدات معيّنة. وتعتبر أن حمل الأغراض المنزلية أو الحطب أو الكتب أو الأطفال من الأنشطة البدنية التكميلية الجيّدة، شأنها شأن صعود السلالم بدلا من استخدام المصاعد. ولا يجب على المرء، بالضرورة، التردّد على قاعات الرياضة أو المسابح أو غير ذلك من المرافق الرياضية الخاصة لممارسة النشاط البدني.
وأكد الباحثون أن ممارسة نشاط بدني بوتيرة معتدلة لمدة 30 دقيقة كل يوم وطيلة خمسة أيام في الأسبوع يكفي للحفاظ على الصحة وتحسينها.
وذلك لا يعني أنّه تجب، دائما، ممارسة النشاط البدني لمدة 30 دقيقة متتالية، حيث يمكن تجميع النشاط طيلة اليوم: المشي بسرعة لمدة عشر دقائق ثلاث مرّات في اليوم؛ أو تخصيص 20 دقيقة لذلك في الصباح ثمّ 10 دقائق في وقت لاحق من اليوم. ويمكن إدراج تلك الأنشطة في الأنشطة الروتينية اليومية؛ في مكان العمل أو المدرسة أو البيت أو مكان اللعب.
وهناك أنشطة بسيطة، مثل استخدام السلالم أو ركوب الدراجة للذهاب إلى العمل أو النزول من الحافلة قبل الوصول إلى الوجهة النهائية بموقفين اثنين وإكمال المسافة المتبقية مشيا، من الممارسات التي يمكنها التراكم على مدى اليوم وتشكيل جزء من أنشطتك اليومية المنتظمة. وقد أوضح تقرير نشره الموقع الأميركي، بيغ ثينك آدج، أن أخذ بعض الاستراحات القصيرة من العمل من الممكن أيضا أن يفيد. وقد أوصى الخبراء بالقيام ببعض الحركات البسيطة أثناء الاستراحات بدلا من الانتظار للقيام بالتمرينات الأطول في نهاية اليوم.
يقول الكاتب ديريك بيريس “إذا أعدت التفكير في مفهوم التمرين، فإن ذلك يمكن أن يساعدك في تحديد كيفية تحركك طوال اليوم”.
فممارسة التمرينات لا تتطلب التوجه إلى صالة الألعاب الرياضية، بينما تسهم الأنشطة البسيطة، مثل صعود الدرج (بدلا من أخذ المصعد)، وإيقاف السيارة بعيدا قليلا عن الوجهة المطلوبة، والاهتمام قليلا بأعمال الحديقة، في اتباع نظام جيد للحركة.
ولا تهتم وزارة الصحة والخدمات البشرية فقط بنصيحة الكثيرين بالتوجه إلى صالة الألعاب الرياضية لمدة ساعة يوميا، وإنما توصي أيضا بأخذ استراحة قصيرة كل نصف ساعة من الجلوس لمدة دقيقتين والقيام ببعض الحركات كبرنامج بداية أساسي، شريطة أن يتم تنفيذ هذه الحركات القصيرة بنفس الكثافة التي ستكون مطلوبة أثناء ممارسة التمارين الأطول والأكبر.
يقول بريت غيروار، مساعد وزيرة الصحة، “اجلس أقل، وتحرك أكثر”، ذلك أن كل حركة صغيرة يقوم بها الفرد، لها أهميتها بالنسبة إلى الجسم.
وفيما يلي مجموعة أفكار مختلفة للتمرينات الرياضية، نصفها يمكن القيام به في صالة الألعاب الرياضية والبقية أنشطة يومية تتطلب بذل بعض الجهد.
في عام 1996، أنشأ البروفيسور إيزومي تاباتا تمرينا تستغرق مدته أربع دقائق، يبدأ بعشرين ثانية من العمل عالي الكثافة تليها عشر ثوان من الراحة، ويتم تكراره ثماني مرات. من هنا، أصبح التمرين مشهورا بشكل كبير. ويمكن أيضا ممارسة تمرين السبع دقائق الذي يتطلب استخدام كرسي وجدار. تتم المناوبة بين القيام بتمارين قوة بشدة أقل وبين تمارين القلب والأوعية الدموية.
كما يعد تمرين ذو الستة تحركات الأفضل بالنسبة إلى هؤلاء الذين يجلسون طوال اليوم. يمكنك استخدام ثقل الجسم في التمرين وأداء تمارين الضغط والرفع.
أما روتين الصباح فيستغرق خمس دقائق وهو يعد لبداية نشطة لكامل اليوم. وتستطيع بعض الحركات البسيطة أن تحفز نشاط الدورة الدموية.
اليوغا السريعة أيضا تجدد النشاط وتخلص العضلات من الشد، وذلك عبر تعلم الحفاظ على توازن الذراع وجعل الجسم يتخذ شكل الكلب مع تحريكه مرات عديدة.
ويمكن للنساء وخاصة الأمهات الاستعانة بأطفالهن خلال التمرين واعتمادهن كحمولة مساعدة على أداء بعض التمرينات، لا سيما وأن حركاتهم ديناميكية، كما أن وزنهم يزداد مع تقدمهم في السن. كما أن استخدامهم بهذه الطريقة يضفي المزيد من المتعة والتحدي للتمرين.
يتساءل بيريس عن عدد المرات التي ننحني فيها لالتقاط شيء ما من الأرض أو لربط رباط الحذاء. ويرى أنه من غير المرجح أننا سنجلس القرفصاء من أجل فعل ذلك، على الرغم من أن ذلك سيكون أكثر فائدة. فالبشر يتجاهلون القيام بأنماط الحركة الأساسية، نحن دائما ندفع الأشياء، ولكن نادرا ما نسحبها؛ نقفز في الكثير من الأحيان، ولكن نادرا ما نجلس القرفصاء، على الرغم من أن الجلوس بهذه الطريقة مفيد جدا لصحة المفاصل.
ويوصي التقرير بالخروج وإيقاف السيارة بعيدا عن الوجهة الأساسية بدلا من البحث عن أفضل وأقرب مكان لها. فيفسح ذلك مجالا أكبر للمشي ولو لبضع دقائق معدودة.
المشاركة في تنظيف الحي الذي نسكنه يعد أيضا من بين الأنشطة الخفيفة، فقد اكتشف السويديون أن الركض والتقاط القمامة وسيلة للحفاظ على لياقة الجسم. إن التقاط القمامة حول الشوارع والشواطئ ومسارات المشي يعطي معنى جديدا لمصطلح “لياقة المجموعة”.
وأكدت دراسة نشرت في مجلة “ذو جورنال أوف هابيناس″ ونقلها الموقع الألماني “دويتشه فيله” أن ممارسة الأنشطة البدنية البسيطة مثل المشي السريع أو الاهتمام بحديقة المنزل تبعث على الشعور بالسعادة. وأوضح الباحثون في جامعة ميشيغان بالولايات المتحدة أن الأشخاص الذين يمارسون نشاطا بدنيا مرة واحدة في الأسبوع، أكثر سعادة من أولئك الذين لم يمارسوا أي نشاط بدني. كما وجدوا أن النشاط البدني يزيد من الصحة النفسية الإيجابية للناس، ويقلل في الوقت نفسه من المشاعر السلبية مثل الاكتئاب والقلق.
وكشف التحليل الإحصائي لـ15 دراسة قائمة على الملاحظة، أنه مقارنة بالأشخاص غير النشطين، كانت نسبة زيادة السعادة تتناسب مع نسبة النشاط الرياضي حيث تراوحت بين 20 و52 في المئة. فكلما ازداد النشاط البدني، ازدادت بالمقابل نسبة السعادة، وذلك بسبب إطلاق الجسم لهرمون الأندروفين، الذي يطلق عليه الأطباء اسم “هرمون السعادة”، والذي يفرزه الجسم أثناء ممارسة التمارين الرياضية.
وقال الباحثون من جامعة ميشيغان، حيث أجريت الدراسة، إن تحقيق الهدف الأسبوعي المتمثل في 150 دقيقة من النشاط البدني المعتدل إلى القوي كان مرتبطا بشكل كبير بمستوى أعلى من السعادة.