عشرة آلاف عدد: يوم رديف صفاته الأولى

الجمعة 2015/08/07

عندما يصل هذا العدد يد القارئ، تكون جريدة “العرب” قد توصلت إلى نشر العدد 10,000 منذ ولادتها في يوليو 1977، على يد عميد الصحافة العربية المرحوم أحمد الصالحين الهوني. الرقم الذي يختزل مسيرة عقود، لا يعني مجرد تراكم أعداد من الصدور، بل يرمز إلى حياة ضاجّة بالدلالات لكل من أسهم في ولادة المشروع وترعرعه ونضجه، من مؤسس ورواد ومسؤولين وصحفيين وكتاب وقراء.

أسعفتني الأيام بأن أساهم مع الزملاء في ولادة ألف عدد ونيف. مساهمة متواضعة، كميا ونوعيا، مقارنة بمسيرة شاقة امتدت وتمتد لعقود. لفهم رمزية الجمع (العدد 10,000) ينبغي تمثل المفرد منه، والمفرد عدد ينجز يوميا من قبل زمرة من الزميلات والزملاء، في أصقاع شتى من الدنيا، تباعدهم الجغرافيا ويوحدهم الانتماء إلى مشروع فكري تنويري أسند له مؤسسه وسم “العرب” وواصل البقية على الدرب: اسما وفكرة وتصورا.

كل عدد من تلك الآلاف التي وصلت الأسواق، يعني يوم عمل لا يخلو من الأحاسيس والأفكار والأدرينالين. “السكايب” المثبت في كل كمبيوتر وفي كل المكاتب، هو أداة التواصل ومحرار العمل وشاشة للتقييم. يبدأ اليوم صباحا بتشغيل السكايب وتدشين التواصل (إرسالا وتقبلا). تحية مفتاحية إلى الأستاذ علي قاسم (مدير التحرير الحريص على ابتسامته الدائمة) وتواصلا مع راسم الكاريكاتير ياسر أحمد في تركيا لبحث فكرة لوحة اليوم.

تواصل مع رئيس التحرير الدكتور هيثم الزبيدي، الذي قد يتصل من مطار أو قطار ليقول سأرسل لك نصا فرابط في انتظاره وأعدّ له ما تيسّر من حيز لينشر. نقاش مع مدير التحرير (الأستاذ كرم نعمة أو الأستاذ مختار الدبابي) حول برنامج عمل اليوم قد لا يخلو من دعابة لا تخلو من لوم حول هنة لاحظها في عدد سابق. هنا يسود إحساس أن العدد الماضي لا يصبح ماضيا (ويتحول إلى بعد مادي جامد) بل هو متواصل طالما أن تقييمه قد يستمر أياما والتي تعني في عرف العمل أعدادا.

نسق العمل يرتفع ويرتفع معه نسق ورود الرسائل على “سكايب”، قد لا يتصور قارئ أن يتحول برنامج إلكتروني إلى حمّال وشائج وانفعالات: شكر أو تشجيع أو لوم أو تذكير كلها تعابير صادرة من هذا المحمل، ومترتبة عن العمل محررا في جريدة “العرب” يساهم اليوم، (كل يوم) في نحت عدد يصدر غدا (كل غد).

العدد من جريدة “العرب” يفترض التفاعل مع طائفة من الزملاء، وفي كل ذلك يكون التواصل الإلكتروني مشتغلا بأقصى درجاته إرسالا واستلاما وغضبا من تأخر أو استياء من سهو. لكن التواصل الافتراضي لا يلغي ضرورة الجري بين الطوابق لمواكبة التنفيذ أو لسحب نسخة من الصفحة، أو للتدخين بوصفه ضربا من الفاصل بين مهمتين أو أكثر.

المشاركة في صدور عدد من جريدة “العرب”، بصفحتين أو أكثر من الصفحات الأربع والعشرين التي تصدر كل صباح حاملة الأخبار والأفكار والمشروع، هي عينة من الحياة التي نقضيها في المكتب بكل ما يغمرها من عواطف وأحاسيس.

أن تنجح في إنهاء العمل متقنا وفي وقت مبكر يضفي على كل من شارك شعورا بالارتياح مصحوبا بتوجس من التغيير الذي يعني مواكبة ما قد يستجد في اليمن أو في ليبيا أو في تونس، وهو احتمال وارد كل يوم، هنا يحضر الأدرينالين والتوتر: التوفيق بين إنجاز العمل بسرعة وبصورة تليق بالصفحة ومحررها وبـ“العرب”.

العدد 10,000 هو إحساسنا الجماعي بأننا نقوم بهذا العمل يوميا معا. هو تتويج لمهام جزئية تتراكم بتقدم الوقت لتنتج صفحة ما، تجتمع مع أخواتها لتصنع عددا من الآلاف العشرة التي وصلت إلى الأسواق.

في هذا العدد نستحضر ذكرياتنا كلها لحظة لحظة. نستذكر يومنا الأول في المكتب. في هذا العدد نتذكر كل من مروا من هنا. نستحضر رجالا رحلوا وظلت أسماؤهم باقية فينا وإن لم نلتقيهم. نتذكر نصوصا وأسماء قرأناها بصفتنا قراء وزملاء: بطاقة سواح لمحمد محفوظ التي رابطت لسنوات في الصفحة الأخيرة، والنصوص المشاغبة لعبدالدائم السلامي في صفحات الثقافة. هذا العدد هو مسيرة اختطها زملاء وزميلات، كتّاب وكاتبات، هو حياة كاملة الأوصاف، هو حب متبادل يعلن يوميا على صفحات “العرب”.

كاتب صحفي تونسي

7