عشائر عراقية تصفي حساباتها مع وسائل الإعلام بطريقتها الخاصة

محاصرة أبناء عشيرة النائب السابق علي العلاق لقناة آسيا الفضائية إثر انتقادها النائب في أحد البرامج، هي واحدة من ضمن تهديدات عديدة تتعرض لها وسائل الإعلام العراقية منذ سنوات، دفعت صحافيين إلى ممارسة الرقابة الذاتية أو ترك المهنة فيما تبدو الدولة عاجزة عن القيام بواجبها في حماية الصحافيين ووسائل الإعلام.
بغداد - قالت جمعية الدفاع عن حرية الصحافة في العراق إن العشرات من أبناء إحدى العشائر يحاصرون مبنى قناة آسيا الفضائية احتجاجا على انتقاد برنامج تلفزيوني لنائب سابق.
وقالت الجمعية في بيان الثلاثاء “يحاصر في هذه الأثناء العشرات من أبناء عشيرة النائب السابق علي العلاق قناة آسيا الفضائية وذكر الصحافيون في القناة أن أكثر من 100 شخص من أبناء عشيرة النائب يحاصرون المبنى احتجاجا على تناول انتقاد أحد برامج القناة للعلاق”.
وأضاف البيان “أن المتظاهرين يمنعون الموظفين من الخروج، وأنهم يشعرون بالقلق إزاء هذا التجمهر أمام المبنى، الذي أربك عملهم”.
والحادثة ليست الأولى من نوعها ولن تكون الأخيرة، إذ تحولت الضغوط التي يتعرض لها صحافيون وإعلاميون من جهات عشائرية وقبلية إلى ظاهرة خطيرة تهدد حياة الصحافيين، إلى جانب الضغوط الحكومية والحزبية والفصائل المسلحة والمجموعات الإرهابية.
ولم يقتصر الأمر على الصحافيين بل امتد إلى الفنانين الذين أبدوا آراءهم في بعض الأعمال الفنية، عندما احتجت عشيرة الفنان عزيز خيون على الرأي الذي قاله الفنان جواد الشكرجي بشأن تاريخ وأعمال زميله خيون في حوار تلفزيوني.
وأصدرت عشيرة خيون بيانا محملا بلغة التهديد تندد فيه بتصريحات الشكرجي، مع أن الفنانين عملا معا في أكثر من عمل مسرحي وتلفزيوني مشترك.
وعزا باحث عراقي في علم الاجتماع تصاعد سطوة العشيرة إلى انعدام القانون في البلاد منذ عام 2003، معتبرا أن العشيرة في العراق عادت إلى قيم التخلف التي كانت سائدة في عهود غابرة.
كما تعد التهديدات العشائرية سببا في ممارسة الصحافيين للرقابة الذاتية، في ظل إفلات الجناة من العقاب.
التهديدات العشائرية تعد سببا لممارسة الصحافيين الرقابة الذاتية في ظل إفلات الجناة من العقاب في العراق
ووفق البيان، دعت جمعية الدفاع عن حرية الصحافة، رئيس مجلس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي إلى التدخل الفوري في قضية محاصرة عشيرة النائب السابق علي العلاق لقناة آسيا، و”تبديد وإنهاء مهزلة مهاجمة وسائل الإعلام، لاسيما وأن ذلك يؤشر إلى حالة من الفوضى القانونية، وعملية تعزيز عدم إيمان الناس بالدولة”.
وقالت إن هذا الإجراء من قبل عشيرة العلاق “خرق فاضح للدستور الكافل لحرية العمل الصحافي، واستغربت الجمعية عدم لجوء العلاق أو ذويه إلى القضاء بدلا من إرسال أبناء عشيرته لمحاصرة مبنى الفضائية”.
لكن الصحافيين العراقيين لا يتوقعون أن يتغير هذا الواقع الذي لا يزال مستمرا منذ سنوات وزاد من صعوبة العمل الصحافي في البلاد. ووفق ما أكد تقرير رصد لبيت الإعلام العراقي، يرفض غالبية الصحافيين اللجوء إلى عشائرهم لمواجهة عشائر خصومهم فيما اختار بعضهم ترك العمل الصحافي بسبب تقصير السلطات الحكومية في توفير الحماية لهم في مؤشر خطير إلى تراجع حرية الصحافة في البلاد.
وأحصى التقرير حالات عدة لتعرض صحافيين إلى تهديدات عشائرية خلال السنوات الماضية شملت تهديدات مباشرة بالقتل وإجبار صحافيين ومؤسسات إعلامية على دفع أموال إلى عشائر بما يعرف “الدية العشائرية”، والاحتجاز من قبل مجموعات عشائرية. ففي عام 2017 تعرضت قناة “هنا بغداد” لتهديد عشائري إثر ورود اسم زعيم قبلي متوفى في أحد مشاهد برنامج “ولاية بطيخ”، وقال عاملون في القناة إنهم حاولوا سلوك الطرق العرفية العشائرية لحل الخلاف، إلا أن الموقف تصاعد بقيام مجموعة مسلحة بإطلاق النار على منزل مدير عام القناة ومخرج البرنامج الإعلامي علي فاضل وقيل إن ذلك أتى ضمن ضغوط لتقديم اعتذار إلى القبيلة ودفع مبلغ مالي قدره 250 مليون دينار عراقي كتعويض.
وكانت لغالبية التهديدات التي تعرض لها صحافيون ومؤسسات إعلامية من جهات عشائرية، خلفيات حزبية وسياسية تتعلق بصفقات فساد إداري ومالي وانتقاد قرارات صادرة عن مسؤولين في الدولة العراقية
وتعود بعض حالات التهديد العشائري إلى خسارة مسؤولين في الدولة دعاوى قضائية أقاموها ضد صحافيين الذين بدورهم كسبوا الدعاوى بموجب القوانين النافذة، وهذا مؤشر خطير إلى لجوء المسؤولين للإجراءات العشائرية التي تتم خارج سلطة الدولة، وفي أغلب الحالات تعجز السلطات الحكومية عن منعها وتنأى عن التدخل فيها في تخل واضح عن مسؤوليتها بفرض القانون.
وبدا واضحا أن العديد من المسؤولين يتجاهلون اتباع الطرق القانونية عبر المحاكم واختاروا اللجوء إلى الأعراف العشائرية مباشرة ضد صحافيين ومؤسسات إعلامية مستغلين ضعف الدولة ومؤسساتها الأمنية في فرض القانون المدني كما هو الحال مع النائب السابق علي العلاق.