عز الدين المدني وتزوير التاريخ
ليلة السبت الموافق للثلاثين من شهر أبريل من العام الحالي، تّم تكريم كلّ من الدكتور هشام جعيط والكاتب عزالدين المدني في قصر المؤتمرات بشارع محمد الخامس بالعاصمة التونسية وذلك ضمن الاحتفالية السنوية التي تمنح خلالها جوائز لأهمّ الروايات المكتوبة بالعربية والفرنسية. وبصعوبة صعد عزالدين المدني، الذي يحتفل هذا العام ببلوغه سنّ الثمانين، إلى المنصة الكبيرة ليقول بأنّ من أكبر وأهم إنجازات الثورة التونسية أنها أتاحت له حرية التعبير عن أفكاره وآرائه من دون أن يخشى الرقابة أو القمع.
وكان من المشروع أن يتفوّه الدكتور هشام جعيط بمثل هذا الكلام، فقد عرف خلال فترة حكم زين العابدين بن علي أشكالا من الإقصاء والإهمال. بل أنه تعرض إلى هجمة شرسة من قبل وسائل الإعلام الرسمية لما تجرأ على انتقاد البعض من المظاهر السلبية في بدايات الحكم المذكور.
أما عزالدين المدني فلا أعتقد أنه محق فيما قال. ومسيرته تدل على أنه لم يكن معارضا في أيّ يوم من الأيام لا لنظام بورقيبة ولا لنظام بن علي، بل إنه كان رمزا من رموز الثقافة الرسمية في العهدين المذكورين. وقد بدأت هذه المسيرة في منتصف ستينات القرن الماضي عندما كلّف عزالدين المدني بإدارة الملحق الأدبي لجريدة العمل الناطقة باسم الحزب الحاكم آنذاك (الحزب الاشتراكي الدستوري)، والذي كان يهيمن هيمنة مطلقة على الحياة السياسية والثقافية في البلاد. ونحن لا ننكر أن عزالدين المدني أحسن إدارة الملحق المذكور، وفتح صفحاته للطليعة الأدبية التي برزت في ذلك الوقت، ونشر قصصا وأشعارا ودراسات نقدية أشاعت الحيوية في الحياة الثقافية في البلاد.
وعندما شعر النظام البورقيبي أنه لم يعد قادرا على السيطرة على موجة الطليعة الأدبية الجديدة، قام بتعطيل الملحق، غير أن عز الدين المدني لم يتعرض لأيّ سوء، بل زاد نفوذه الثقافي اتساعا بعد أن أخرج المنصف السويسي مسرحيته الأولى “ثورة الزنج”، والبعض من مسرحياته الأخرى. وفي نهاية سبعينات القرن العشرين، ترأّس تحرير مجلة “الحياة الثقافية” التي أسسها الكاتب الكبير محمود المسعدي الذي كان وزيرا للثقافة في تلك الفترة.
وفي مطلع ثمانيات القرن الماضي كان عزالدين المدني من أكبر المستفيدين من حكومة محمد مزالي. فقد تمّ تعيينه مستشارا دائما في وزارة الثقافة، وعيّن مديرا للمركز الثقافي الدولي بالحمامات فأداره بحسب رغباته ومصالحه فاتحا بابه لمن يريد ومغلقا إيّاه في وجه من لا يريد.
وفي فترة حكم بن علي احتفظ عزالدين المدني بجميع الامتيازات المادية والمعنوية التي كان يتمتع بها في عهد نظام بورقيبة. فعيّن مديرا لأيام قرطاج المسرحية، وأدار أيضا مهرجان قرطاج الصيفي. وكان رئيسا لعدة لجان مشرفة على الجوائز.
وتم تكريمه أكثر من مرة من قبل أعلى السلطات، ونال جائزة الآداب، وكتب في الجرائد الرسمية، ولم يعرف أبدا أيّ شكل من أشكال الإقصاء، بل مارس هذه الأشكال، وبطرق شيطانية ضد خصومه الفكريين الذين كانوا يعيبون عليه أنانيته المفرطة، وحبه للسلطة، وهبوط مستواه في مجال الكتابة، وقلة إنتاجه إذ أنه لم يصدر منذ بداية ثمانينات القرن الماضي ما يمكن أن يثير انتباه النقاد أو القراء، مفضلا أن يعيش على حساب ماضيه.
والكتاب الذي تضمن فصولا من سيرة طفولته في الجزء العتيق من العاصمة، والصادر ضمن السلسلة الشهرية لجريدة الحرية الناطقة باسم الحزب الحاكم، جاء في صورة سيئة للغاية على مستوى السرد واللغة والأسلوب. لذلك لم يلق أيّ صدى حتى لدى من يعتبرهم من أخلص أصدقائه، ومن أكثرهم وفاء له.
وعلى أيّ حال، نحن لسنا ضد تكريم عزالدين المدني، فهو كاتب له مكانة في تاريخ الثقافة التونسية المعاصرة. ولكننا ضد تزييف الحقائق، وضد من ينسبون إلى أنفسهم أدوارا وبطولات لم تكن لهم في أيّ يوم من الأيام.
كاتب من تونس