عرقلة أردوغان لتوسع الناتو تجلب المتاعب لتركيا

أردوغان يميل إلى إطلاق النار أولا وطرح الأسئلة لاحقا فبعد سنوات من الإدانة للعديد من دول الشرق الأوسط بدأ مؤخرا جهود المصالحة معها معترفا بأن الخطب اللاذعة التي وجهها ضدها لم تحقق الكثير.
الثلاثاء 2022/05/24
على خلاف متزايد مع حلفائه التقليديين

أثار غزو فلاديمير بوتين لأوكرانيا قلق فنلندا والسويد بما يكفي لدفعهما إلى اتخاذ قرار تعكسان فيه سياستهما التي التزمتا بها على مدى عقود طويلة. تقدمت الدولتان بطلب للحصول على عضوية فورية في الناتو منهيتين ترددا طويلا. وسرعان ما رأى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مشاكل في الخطوة، بينما بدت للتحالف خطوة طبيعية لا تحتاج إلى تفكير أو التأويل.

مشكلة أردوغان هي علاقة البلدين مع الأكراد، واستشهد لتأكيد مخاوفه بالخلافات السياسية مع البلدين اللذين يعتبرهما متسامحين بشكل مفرط مع جماعات وأفراد من المعارضة الكردية التركية. واستنكر أردوغان عدم مبادرة هلسنكي وستوكهولم إرسال ممثلين عنهما إلى أنقرة لمناقشة القضية. وهذا ما دفع به لاتخاذ القرار بعدم الموافقة على طلب انضمامهما للحلف.

ومعلوم أن قبول دول جديدة في عضوية الحلف يتطلب موافقة أعضاء الناتو بالإجماع. وتركيا ليست عضوا عاديا في الناتو. حيث ساهم موقعها في جنوب روسيا وسيطرتها على سبل الوصول إلى البحر الأسود وحدودها مع سوريا والعراق وإيران وساحلها الطويل على البحر المتوسط في تعزيز أهميتها للتحالف. وطالما نجحت في استغلال موقعها الاستراتيجي هذا في مواقف تطلبت المساومة لتجبر حلفاءها وواشنطن على التراجع عن قرارات حاولوا تطبيقها، وتجاهل تجاوزاتها في الداخل والخارج.

لكن أردوغان وجد نفسه مؤخرا على خلاف متزايد مع حلفائه التقليديين الذين يقاومون سياساته ومطالبه. وتعرض لانتقادات طالت ممارسات استبدادية تشهدها تركيا في ظل حكمه الفردي حيث يزج بخصومه في السجون بعد محاكمات صورية متسرعة. بينما في المقابل وجّه أعضاء في الحكومة التركية اتّهامات إلى واشنطن تزعم تورطها في محاولة الانقلاب الفاشلة التي حدثت في يوليو 2016، وهو ما قوّض أهم علاقة لأنقرة.

ورغم كل ذلك، يبقى الحدث الأبرز الذي هز العلاقة بين واشنطن وأنقرة هو القرار التركي شراء نظام الصواريخ الروسي إس – 400. وأصر أردوغان على مواصلة صفقة الشراء على الرغم من تحذيرات عديدة بأن قراره هذا سيقوض فرصة حصول تركيا على الطائرة المقاتلة من طراز إف – 35. وفضل أردوغان تجاهل مطالب أميركية بهذا الخصوص نقلت إليه عبر مصادر رفيعة المستوى معتقدا أن واشنطن سترضخ وتتنازل كالمعتاد في النهاية. وكانت الصدمة حين ألغت واشنطن بيع إف – 35 لبلاده وأغلقت مراكز تصنيع الطائرة فيها، بل وفرض الكونغرس عقوبات على أنقرة.

وليست هذه هي القضايا الوحيدة التي تزعزع العلاقات الثنائية بين البلدين. حيث تجري محاكمة أميركية لبنك خلق التركي الحكومي بتهمة التهرب من العقوبات المفروضة على إيران. وطلب أردوغان مرارا وتكرارا من البيت الأبيض رفض القضية. ولا يبدو أن أردوغان يفهم أن السلطات التنفيذية في الولايات المتحدة لا يمكن لها التدخل في السلطات القضائية، على عكس ما يجري في تركيا حيث غالبا ما يمنح الرئيس التركي لنفسه التدخل بالقضايا القانونية وتوجيه المدعين العامين والقضاة.

ستحصل السويد وفنلندا في النهاية على عضوية الناتو. فقط السؤال الوحيد المتبقي هو متى. وستجد تركيا أن مطالبها رُفضت

ولا بد أن أردوغان كان يشعر بالمرارة إزاء حفل الاستقبال الذي أقيم لرئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس في واشنطن، بالتزامن مع تقديم طلب انضمام السويد وفنلندا إلى حلف الناتو وطرحه على جدول أعمال الحلف. واستقبل الرئيس جو بايدن ميتسوتاكيس في البيت الأبيض، حيث ألقى رئيس الوزراء اليوناني كلمة أمام جلسة مشتركة للكونغرس استقبلت بتصفيق حار، في حين لم توجّه إدارة بايدن حتى الآن دعوة إلى أردوغان لزيارة واشنطن. وحتى لو قررت ذلك، لن يتضمن جدول الزيارة فرصة تتيح له مخاطبة الكونغرس بسبب حجم الغضب من أنقرة المرتبط بالقضايا المذكورة، ولسلوكها العدواني في شرق البحر المتوسط، وتنمرها على اليونان وقبرص، وتدخلاتها ضد الأكراد الذين تحالفوا مع الولايات المتحدة في الحملة ضد داعش في سوريا، والعديد من نقاط الخلاف الأخرى. ويعتقد كثيرون في الكونغرس والبيت الأبيض أن الأكراد السوريين هم الذين ساعدوا أخيرا في هزيمة داعش.

وربما ساعدت اعتراضات أردوغان الزعيم الروسي بوتين الذي كان يرفض بشدّة في تصريحاته توسع الناتو منذ البداية. وخفف من حدة احتجاجاته عندما ظهر أردوغان لدعمه. وهذا ما سيلحق الضرر بموقف أنقرة في واشنطن. وقدّم بايدن في المقابل دعمه الكامل لفنلندا والسويد في طلبهما الانضمام إلى الناتو.

ومن المفارقات أن إدارة بايدن كانت تتحرك، على الرغم من معارضة الكونغرس، للموافقة على بيع طائرات إف – 16 جديدة إلى تركيا. فمع إلغاء برنامج إف – 35، تحتاج تركيا بشدة إلى تطوير أسطولها الحالي من الطائرات المقاتلة. ومن المحتمل أن يؤدي تفجر غضب أردوغان على السويد وفنلندا إلى تقويض أي قرار بالموافقة يمكن أن يتخذه الكونغرس.

ويميل أردوغان إلى إطلاق النار أولا وطرح الأسئلة في وقت لاحق. فبعد سنوات من الإدانة الشديدة للعديد من دول الشرق الأوسط، بدءا من الإمارات إلى مصر وإسرائيل، بدأ أردوغان مؤخرا جهود المصالحة المشتركة معها. واعترف بشكل غير مباشر أن الخطب اللاذعة التي وجهها ضدها لم تحقق الكثير. ليجد نفسه معزولا في النهاية.

من الواضح أن الرئيس التركي يرتكب الخطأ نفسه، هذه المرة في قضية توسيع الناتو. فقد اختار التعبير عن انزعاجه علنا عوضا عن تقديم اعتراضاته ومطالبه بهدوء خلف الأبواب المغلقة. وهذا ما يقوّض قدرته على استغلال نفوذه ويلحق الضرر بصورة أنقرة في وقت تحتاج فيه تركيا إلى الاستثمار الأجنبي وتنتظر أفواج السياح.

ستحصل السويد وفنلندا في النهاية على عضوية الناتو. فقط السؤال الوحيد المتبقي هو متى. وستجد تركيا أن مطالبها رُفضت. ولن تنجح في استرجاع أي “إرهابيين” (أي لاجئين سياسيين أكراد أتراك) قسرا، ولن تتوقف المساعدات المالية التي تقدمها السويد للأكراد السوريين، خاصة وأن الولايات المتحدة تفعل الشيء نفسه وأكثر. وسيجد أردوغان مرة أخرى أن نفوذه قد تضاءل بشكل كبير ولن يجد من يوجه اللوم له سوى نفسه.

8