تركيا هي أردوغان!

يمثّل فوز الرئيس رجب طيب أردوغان في الانتخابات الأخيرة حدثا حاسما في تاريخ تركيا الحديث. ليس هذا انتقالا إلى نظام رئاسي ديمقراطي، أو إلى دكتاتورية، بل إلى حكم ذاتي مطلق.
في ظل النظام الدستوري الجديد، لا تنحصر كل السلطات بالقصر الرئاسي فحسب، لكن الرئيس، بصفته رئيسا للدولة وزعيما لحزب سياسي، يتولى دورا مزدوجا فريدا من نوعه إلى حد كبير.
في المقام الأول، لا توجد تقريبا أي ضوابط وتوازنات رقابية تقيّدُ صلاحياته مع تقلص البرلمان إلى مجرد أداة للتصديق على القرارات بصورة روتينية، لا سيما وأن تحالفه يسيطر على أغلبية المقاعد. ومع ذلك، فإن معظم ما يحتاج القيام به يمكنه أن يفعله عن طريق إصدار المراسيم.
ثانيا، ستكون معظم أجهزة الدولة تابعة للرئيس لأنه يعين معظم مسؤوليها. ويشمل هؤلاء القضاة وضباط الجيش وقادة الجامعات وجميع الهيئات الموكلة بالإشراف على مؤسسات المجتمع المدني. في حين أن الرئيس لديه بالفعل بعض هذه السلطات، فإنّ الأمر المختلف هو درجة تمكّنه من تسييس التعيينات وتحاشي التوازنات المجتمعية.
ثالثا، يفرض أردوغان سيطرته الكاملة على حزب العدالة والتنمية، فلا توجد مراكز متنافسة على السلطة أو أفكار معارضة. وتقريبا كل المؤسسين الأصليين لحزب العدالة والتنمية، وعلى رأس هؤلاء أردوغان، إما جرى التخلص منهم وإما رحلوا. واليوم الرئيس محاط بمستشارين لا يجرؤ أحدهم على معارضته، ناهيك عن تحديه.
ومع ذلك فهذه ليست ثلاثينات القرن الماضي، فتركيا دولة مهمة تملك اقتصادا متقدّما. وتتطلب إدارة هذا الاقتصاد حلولا معقدة لعدد لا يحصى من المشكلات الصعبة.
على سبيل المثال، يعتقد أردوغان أن ارتفاع أسعار الفائدة يسبب التضخم وليس العكس، كما يقول خبراء الاقتصاد في كل مكان. وحتى الآن، بذل البنك المركزي التركي قصارى جهده للالتزام بإدارة الاقتصاد بالشكل السليم المعروف. هل سيقلب الآن أردوغان الجريء الأوضاع رأسا على عقب في البنك المركزي؟
أثبتت الحملة الانتخابية سلطة الرئاسة. امتلك أردوغان موجات الأثير ومُنعت أحزاب المعارضة من القنوات الخاصة والحكومية، والتي غطت حملة أردوغان وحزبه فقط.
من الناحية الاقتصادية، يسيطر أردوغان على الريع الاقتصادي إذ يوزعه على الجميع، من شركات المحسوبية الكبرى إلى المجتمعات المحلية. وستصبح هذه العلاقة أقوى بمرور الوقت. سيكون لدى الناس خيارات قليلة، باستثناء التزلّف إلى حزب العدالة والتنمية. ومن ثمّ يصبح التحدي بالنسبة للمعارضة أكثر صعوبة، لأنها لا تستطيع الوصول إلى أيّ من الموارد التي يمكن التنافس بها.
لا توجد تقريبا أي ضوابط وتوازنات رقابية تقيد صلاحيات أردوغان مع تقلص البرلمان إلى مجرد أداة للتصديق على القرارات بصورة روتينية، لا سيما وأن تحالفه يسيطر على أغلبية المقاعد
من ناحية أخرى، فإن نقطة ضعف حزب العدالة والتنمية هي افتقاره إلى الطابع المؤسسي واعتماده على أردوغان فقط، فهو سبب وجوده الوحيد.
يملك أردوغان الآن خيارا، فإما أن يتسم بالشهامة في نصره، وإما أن يشدّد سيطرته على المجتمع. ستتطلّب منه الشهامة محاولة توحيد البلاد وتخفيف الإجراءات القمعية التي أدت إلى سجن عدد كبير من الأبرياء بتهم زائفة.
لا يمكن إطلاق سراح السجناء الكبار فحسب، ولكنّ الكثيرين أيضا من الذين حبسوا في ملاحقات عبثية، مثل فتح حساب في بنك اعتبر في ما بعد محل اشتباه. علاوة على ذلك، بقدر ما يدّعي أردوغان أن المشكلة الكردية لم تعد موجودة، فإنه يستطيع إعادة بدء عملية السلام التي تخلّى عنها في العام 2015.
بدلا من ذلك، قد يكون إغراء السعي إلى الانتقام من جميع الذين عارضوه بتشجيع من حاشيته التي لا ولاء لها لغيره. والحقيقة هي أنه لا توجد قيود على صلاحيات أردوغان.
أما بالنسبة إلى القضية الكردية، فإنه يواجه مشكلة هيكلية، إذ أن شريكه الصغير في الائتلاف، وهو حزب الحركة القومية المنتمي إلى أقصى اليمين والذي يمنح الرئيس الأغلبية البرلمانية، يعارض بشدة أي اتفاق مع الأكراد.
كان حزب الحركة القومية الفائز المفاجئ في الانتخابات إذ حصل على 11 في المئة من الأصوات، بينما كانت التوقّعات تشير إلى أنه سيواجه صعوبات.
وما يجعل الأمور أكثر تعقيدا، حقيقة أن رابع أكبر حزب وهو الحزب الصالح المتحالف مع المعارضة هو أيضا حزب قومي مناهض للمطالب الكردية.
وحصد حزب الحركة القومية والحزب الصالح معا حوالي 20 في المئة من الأصوات في الانتخابات، وقد يحاولان حلّ بعض خلافاتهما في الأشهر المقبلة.
سيكون العامل الحاسم في الوضع هو حالة الاقتصاد. فقد تدفع الحاجة إلى التمويل الخارجي أردوغان إلى الاعتدال والسعي إلى المصالحة، لأن المستثمرين الأجانب يريدون وضع نهاية لحالة الاستقطاب.