عربات التسوق الذكية تشكل مستقبل تجارة التجزئة

تختبر أكبر متاجر التجزئة في الولايات المتحدة عربات تسوق تتيح للمستخدمين إمكانية إنهاء عملية الشراء بالكامل دون التعامل مع أي شخص أو الانتظار في طوابير الدفع، حيث تزايدت ملامح تطور عربات التسوق في ظل منافسة كبيرة بين عمالقة تجارة التجزئة.
واشنطن - دخلت شركة البيع بالتجزئة الأميركية العملاقة كروجر سباق عربات التسوق الذكية، الآخذ في التنامي في الولايات المتحدة، بعدما أعلنت مؤخرا عن انطلاق البرنامج التجريبي لعربتها الجديدة التي أطلقت عليها اسم كروجو في متجرها بمدينة ماديرا بولاية أوهايو، وبالقرب من مقر الشركة الرئيسي بمدينة سينسيناتي.
والعربة الجديدة التي تم تطويرها بواسطة شركة ذكاء اصطناعي ناشئة في مدينة نيويورك تدعى كابر مزودة بشاشة مُدمجة تعمل باللمس، وماسح ضوئي يبدو أشبه بنسخة مصغرة من الماسحات الضوئية الموجودة في حارات الخروج من متاجر كروجر.
وأعلنت الشركة، في مقطع فيديو نشرته للترويج لتقنيتها الجديدة، أن كروجو يمكنها مسح بطاقات المكافآت الخاصة بالزبائن ضوئيا، ومسح الرموز الشريطية الملصقة على مشترياتهم، كما تحتوي على ميزان مُدمج يمكنه قياس وزن المشتريات التي تُباع حسب الوزن مباشرة.
كذلك تتيح العربة للزبون إمكانية إزالة المنتجات وإعادتها من خلال الشاشة، كما يمكنها تقديم توصيات للتسوق واطلاعه على آخر العروض الترويجية، وتوضح له سعر إجمالي العناصر التي أضافها إلى سلته حتى الآن، لمساعدته على البقاء ضمن حدود ميزانيته المتاحة.
وأخيرا، وبمجرد أن ينتهي الزبائن من التسوق، يمكنهم مسح بطاقات الدفع الإلكتروني ضوئيا من خلال العربة، ومغادرة المتجر دون الوقوف في طوابير الدفع النقدي. إلا أن كروجو لا تقبل، حتى الآن، التعامل باستخدام النقود العادية، ولا تبيع التبغ أو المواد الصيدلانية التي تكون متاحة أحيانا في المتاجر.
وتعتمد العربات على تقنيات رؤية حاسوبية وأجهزة استشعار مخصصة لمسح العناصر ضوئيا أثناء وضعها أو إخراجها من العربة، كما تدعم إحدى خوارزميات التعلم العميق قدرتها على التعرف على هذه العناصر بمرور الوقت، ما قد يؤدي في النهاية إلى تجنب الحاجة إلى إجراء عملية المسح الضوئي من الأساس. ولتشجيع المتسوقين على تجربة عربتها الجديدة، تقدم الشركة خصما يبلغ 5 في المئة على العناصر التي تحمل علامة كروجر التجارية التي تم شراؤها باستخدام كروجو.
وعلى الرغم من أن الشركة لم تعلن حتى الآن عن خططها الخاصة بنشر هذه التقنية على نطاق أوسع، إلا أن نجاح البرنامج التجريبي قد يعني نشرها في حوالي 2.757 متجر بقالة تابع للشركة، التي تمتلك ثاني أكبر سلسلة متاجر تجزئة في الولايات المتحدة بعد شركة وولمارت.
عربات أمازون
كانت شركة أمازون إحدى أولى الشركات التي طبقت تقنيات الذكاء الاصطناعي في متاجر التجزئة، عندما افتتحت في شهر يناير 2018 أول متاجر أمازون جو، التي استخدمت فيها أعدادا هائلة من الكاميرات ورموز الاستجابة السريعة المدعومة بتقنيات مثل الرؤية الحاسوبية والتعلم العميق، للسماح للمتسوقين حرفيا بإخراج مشترياتهم من المتاجر دون دفع الحساب وحتى دون وضعها في عربات تسوق، ثم خصم ثمنها تلقائيا من حساب أمازون الخاص بالمتسوق.
ثم كررت الشركة تجربتها بطريقة جديدة، العام الماضي، عندما أعلنت عن عربة داش الذكية، التي حصلت على تقييمات إيجابية واسعة من الزبائن الذين وجدوا فيها ضالتهم في عصر كورونا، بعدما أصبح تقليل الاحتكاك والتلامس البشري أمرا ضروريا.
غير أن أمازون زودت عربات داش، الموجودة حتى الآن حصريا في متاجر أمازون فريش بأجهزة استشعار أكثر تعقيدا من عربات كروجو؛ إذ تسمح للمتسوقين بوضع المشتريات في عرباتهم دون تمريرها على الماسح الضوئي. وبدلا من ذلك، تقرأ المستشعرات الرموز الشريطية للمشتريات تلقائيا عند وضعها في العربة. كما يمكنها أيضا الوصول إلى قوائم التسوق التي أعدها الزبائن مسبقا باستخدام مساعد أمازون الصوتي أليكسا، ثم الخروج من حارة مخصصة لعربات داش، وانتظار الفاتورة عبر البريد الإلكتروني. ودخلت عربات داش الخدمة فعليا في متاجر أمازون فريش.
قيس رضا الزبون
حاولت شركة البيع بالتجزئة العملاقة وولمارت الدخول مبكرا في سباق العربات الذكية ولكن بطريقة مختلفة؛ حيث تقدمت بطلب، في شهر أغسطس عام 2018، لتسجيل براءة اختراع لعربة تسوق يمكنها قياس معدل ضربات قلب المتسوق ودرجة حرارته وسرعته ومقدار القوة التي يطبق بها قبضته على مقبض العربة أثناء تجوله داخل المتجر.
ويُظهر طلب براءة اختراع وولمارت، التي تمتلك 11.510 متجر في 27 دولة، أن العربة ستقيس أولا القياسات الحيوية (البيومترية) الأساسية للزبون، ثم ستقارن البيانات المأخوذة في نقاط مختلفة أثناء زيارته للمتجر مع هذه القياسات الأولية. وبعد ذلك، سيتم نقل البيانات إلى خادم مركزي يمكنه أن يكتشف إذا كان المتسوق “غير راض” عن الأسعار أو الخدمة المقدمة من المتجر، ليرسل الخادم المركزي تنبيها إلى أحد الموظفين للتوجه إلى الزبون ومساعدته.
كما يمكن لعربة وولمارت المقترحة أيضا قياس “التأكسج النبضي”، وهي تقنية تستخدم لمعرفة نسبة تأكسد الدم بطريقة غير مباشرة، لاكتشاف ما إذا كان الزبون يوشك على الإغماء.
شركات البيع بالتجزئة تحولت إلى استخدام المنصات السحابية لتعزيز تنافسيتها في ميدان التجارة الإلكترونية
قد يكون العصر الذي كنا نتبادل فيه ابتسامة عابرة مع موظفي المتجر أو نعقد صداقة سريعة مع عامل الحسابات (الكاشير) قد مضى، وربما تدخل قريبا إلى متجر حقيقي لا يعمل فيه بشر، بل ربما ولا حتى روبوتات، كما كنا نتخيل المستقبل، وإنما فقط بعض عربات التسوق الذكية والكثير من بياناتك التي تجمعها المتاجر.
على مدار العقد الماضي، تحولت شركات البيع بالتجزئة تدريجيا إلى استخدام المنصات السحابية لتعزيز قدرتها على المنافسة في ميدان التجارة الإلكترونية المتزايد الأهمية. بيد أن الزخم الذي اكتسبه التسوق عبر الإنترنت خلال العام الماضي، بعد تفشي جائحة كورونا، فرض على هذه الشركات ضغوطا كبيرة لإدخال تحسينات تعزز رحلة تسوق المستهلك عبر الإنترنت بأكملها، مع ضمان زيادة المبيعات التي تحققها الشركات نفسها.
ومن هذا المنطلق، أعلنت منصة غوغل كلاود، في بيان نشرته على مدونتها الإلكترونية، عن إطلاق حزمة برمجيات جديدة تستخدم إمكانات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي لتقديم خدمات مُصممة بشكل خاص لمساعدة شركات البيع بالتجزئة على تعزيز قدراتها في مجال التجارة الإلكترونية، وتوفير تجارب ذات طابع شخصي للمستهلكين.
وقالت كاري ثارب، نائبة رئيس قسم تجارة التجزئة والمستهلكين في غوغل كلاود، عند الإعلان عن الحزمة الجديدة التي تُعرف باسم “برودكت ديسكوفري سوليشون فور ريتل”، والتي تعني نصا “حلول اكتشاف المنتجات لتجارة التجزئة”، إن “تجارب التسوق الأكثر ذكاء وتخصيصا ستصبح أكثر أهمية بالنسبة إلى شركات البيع بالتجزئة للتفوق على منافسيها”. وأضافت أن هذه الشركات “في حاجة ماسة إلى نماذج تشغيل مرنة مدعومة بالبنية التحتية السحابية وتقنيات مثل الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي لتلبية المتطلبات الحالية”.
وأوضحت غوغل كلاود أن إطلاق حزمة “برودكت ديسكوفري سوليشون فور ريتل” جاء نتيجة التعاون مع بعض شركات التجزئة الرائدة في العالم، والاستفادة من قدرة غوغل على الفهم الدلالي (القدرة على تفسير معنى وسياق المعلومات) لعمليات البحث على الإنترنت وغرض المستخدم.
توصيات الذكاء الاصطناعي
أولى الخدمات التي تتضمنها الحزمة الجديدة هي توصيات الذكاء الاصطناعي التي تتيح لشركات البيع بالتجزئة تقديم توصيات ذات طابع شخصي للغاية لمنتجاتها، على نطاق واسع وعبر كل القنوات.
وذكرت غوغل كلاود أن هذه الخدمة، التي تم إطلاقها كإصدار تجريبي في شهر يوليو الماضي وباتت الآن متاحة لجميع الشركات، “قادرة على تجميع تاريخ رحلة تسوق الزبون وتقديم توصيات بالمنتجات مصممة له بشكل خاص”.
وتعتمد خدمة توصيات الذكاء الاصطناعي على تجربة غوغل الطويلة في تقديم محتوى ذي طابع شخصي على مواقعها وخدماتها الرئيسية، مثل (إعلانات غوغل) وموقع يوتيوب. وتشير الشركة إلى أن التوصيات تستخدم أحدث قدرات التعلم الآلي التي توفرها غوغل كلاود، لتمكين شركات البيع بالتجزئة من التكيف بصورة ديناميكية مع سلوك المستخدم وتغيراته في الوقت الفعلي.
وتتضمن الحزمة أيضا إمكانية الوصول إلى خدمة “فيسيون أبي”، التي تساعد المتسوقين على البحث بسهولة عن المنتجات باستخدام الصور الموجودة على أجهزتهم المحمولة، والحصول على قائمة مرتبة بالعناصر المماثلة لها من الناحية المرئية والدلالية.
وتشير غوغل كلاود إلى أن هذه الخدمة، المتاحة بوجه عام لجميع الشركات، تستخدم تقنية التعرف على الأشياء والبحث عنها، لتقدم نتائج عن عناصر مماثلة أو تكميلية في الوقت الفعلي. بمعنى أنه عندما يستفسر المستخدم عن منتج معين باستخدام صورة، تستخدم خدمة (فيسبون أبي) تقنية التعلم الآلي لمقارنة صورة هذا المنتج بالصور الموجودة في مجموعة المنتجات المتوافرة لدى شركة البيع بالتجزئة، ثم تعرض قائمة مرتبة بالنتائج المماثلة من كتالوج منتجات الشركة.
البحث السحابي
آخر المنتجات التي تتضمنها الحزمة الجديدة هي خدمة (كلود سيرش)، التي تقول غوغل كلاود إنها تعتمد على فهمها العميق لغرض المستخدم وسياق البحث، لتزويد شركات البيع بالتجزئة بآلية بحث عالية الجودة عن المنتجات، يمكن تضمينها في مواقع الويب وتطبيقات الهواتف المحمولة الخاصة بهذه الشركات.
وتضيف أن هذه الخدمة تتيح للشركات القدرة على الاستفادة من إمكانات البحث المتقدمة في غوغل، لتوفير آليات بحث سهلة الاستخدام ويمكن تعديلها لتلبية الاحتياجات المحددة لكل شركة، الأمر الذي يُمكّن شركات التجزئة في النهاية من ضمان عثور المتسوق على ما يبحث عنه بالضبط في كل خطوة من خطوات التسوق.
بيد أن هذه الخدمة الأخيرة لا تزال حتى الآن في مرحلة التطوير؛ لذا، فإن غوغل كلاود لا تتيح استخدامها على نطاق واسع لكل الشركات، ولا يمكن اختبارها سوى من خلال المعاينة الخاصة.
العربات تعتمد على تقنية الحاسوب الذكي وعلى أجهزة استشعار مخصصة لمسح العناصر ضوئيا، كما تدعم إحدى خوارزميات التعلم العميق قدرتها على التعرف على هذه العناصر بمرور الوقت
وكانت أمازون قد أعلنت في فبراير العام الماضي أنها تستهدف توسعة تقنية المتاجر الخالية من صناديق الدفع لتشمل متاجر الخضار والفواكه.
وقالت أمازون التي تمتلك أكبر متجر إلكتروني في العالم إنها تعتزم افتتاح (أمازون جو جروسري)، وهو متجر في مدينة سياتل الأميركية مع مساحة تسوّق أكبر بأربعة أضعاف من أول متجر لها يدعم تقنية التسوق الحرّ، الذي افتُتح للعامة في شهر يناير 2018.
ويستهدف المتجر الجديد الزبائن في الأحياء السكنية بدلا من عمال المكاتب، الذين تخدمهم متاجر أمازون غو الصغيرة. ويعكس الشكل الجديد من المتاجر طموحات أمازون في الحصول على المزيد من الإنفاق الأسبوعي للمتسوقين من خلال محلات الخضار والفواكه، وزيادة المنافسة مع اللاعبين المحليين.
ويُشار إلى أنه منذ مدة طويلة بدأ الحديث عن أن أمازون التي بدأت تاريخها ببيع الكتب عبر الإنترنت، تسعى إلى إطلاق سلسلة جديدة من متاجر البقالة الفعلية التي من شأنها أن تلبي مجموعة متنوعة من الأذواق تتعدى ما تقدمه شركة هول فودز، التي استحوذت عليها عام 2017.
ويعتمد متجر الخضار والفواكه الجديد على نظام التسوق ذاته لمتجر أمازون غو الحالي، وهو لا يحتاج للدفع عند الخروج، ويسمح للمتسوقين بشراء ما يريدون بمساعدة تطبيق على الهاتف الذكي يقوم بتتبع كافة المشتريات لحظيا عن طريق كاميرات.
وفي النهاية يخصم ثمنها من رصيد بطاقة الائتمان المخزنة ضمن التطبيق. وإن أرجع المتسوق أي عنصر إلى مكانه، فإنه سيُحذف من الرصيد.
ولم تعد تقنيات أمازون مفاجئة، فقد بلغت التطورات التي تنجزها الشركة محض خيال علمي لا أكثر.