عراقيل تعترض فكرة بناء عاصمة جديدة في إيران

مشروع تطوير مدينة كرمان المثير للجدل يواجه تحديات مالية ولوجيستية واستثمارية هائلة.
الأربعاء 2025/02/19
تحويل الحلم إلى حقيقة مكلف للغاية

تصطدم فكرة إيران بنقل عاصمتها إلى الساحل الجنوبي، والتي تثير الكثير من الجدل منذ فترة، بعراقيل شاقة تتمثل أهمها في التمويل حيث يحتاج المشروع إلى المليارات من الدولارات، فضلا عن الصعوبات اللوجيستية والاستثمارية، والتي قد تبدد أي محاولة لتنفيذ هذه الخطة.

طهران - تدرس إيران نقل العاصمة إلى كرمان على ساحل خليج عمان في إطار سعيها لحلّ جذري لمشاكل كثيرة تواجه عاصمتها الحالية طهران، بما في ذلك الاختناقات المرورية وانخساف الأرض.

ورغم أنّ فكرة نقل العاصمة ظهرت في مناسبات مختلفة منذ قيام الجمهورية الإسلامية في العام 1979، إلّا أنّه تمّ تأجيل المقترحات بهذا الشأن مرارا، على اعتبار أنّها غير واقعية بسبب العقبات المالية واللوجيستية الهائلة.

واكتسبت الفكرة زخما خلال فترة رئاسة محمود أحمدي نجاد بسبب المخاوف من الزلازل بطهران، كما أُثيرت مجددا خلال رئاسة حسن روحاني الذي ركز على قضايا البيئة والنمو غير المنضبط للعاصمة.

بانافشه كينوش: اختيار قد يعكس طموحات إستراتيجية واسعة
بانافشه كينوش: اختيار قد يعكس طموحات إستراتيجية واسعة

لكنّ الرئيس الإصلاحي مسعود بزشكيان الذي تولّى منصبه في يوليو الماضي أعاد إحياء الفكرة مؤخرا، مشيرا إلى التحديات المتزايدة التي تواجهها طهران.

ومن بين هذه التحديات الاختناقات المرورية، وشحّ المياه، وسوء إدارة الموارد، والتلوّث الجوي الشديد، فضلا عن الانخساف التدريجي في الكتلة الأرضية إمّا بسبب العوامل الطبيعية أو جراء النشاط البشري.

وفي يناير الماضي، قالت المتحدّثة باسم الحكومة فاطمة موهاجراني إنّ “السلطات تدرس احتمال نقل العاصمة.” وأشارت إلى أنّه “تتمّ دراسة منطقة كرمان بجدية” لهذا الهدف، من دون أن تحدّد جدولا زمنيا.

وأعلنت الحكومة مطلع 2025 أنها قامت بتشكيل فريقين متخصصين لدراسة جدوى المشروع ووضع خطة اقتصادية تعتمد على اقتصاد البحر في منطقة كرمان.

وقالت حينها “نطلب الدعم من الأكاديميين والخبراء والمحترفين، بمن فيهم المهندسون وعلماء الاجتماع والاقتصاديون،” مؤكدة أن الخطة لا تزال في مراحلها الأولى وليست ذات أولوية ملحّة.

وكرمان منطقة ساحلية على خليج عمان تمتد عبر محافظة سيستان بلوشستان بجنوب إيران وجزء من محافظة هرمزغان المجاورة. وتمّ الترويج لها مرارا على أنّها الموقع الأوفر حظا ليحلّ مكان العاصمة طهران.

وقال وزير الخارجية عباس عراقجي في خطاب الأحد الماضي إنّ “الجنّة المفقودة في كرمان يجب أن تتحوّل إلى المركز الاقتصادي المستقبلي لإيران والمنطقة.”

وفي خطاب ألقاه في سبتمبر 2024، قال بزشكيان “ليس أمامنا خيار إلا نقل المركز السياسي والاقتصادي للبلاد إلى الجنوب وبالقرب من البحر.” وأكّد أنّ مشاكل طهران “تفاقمت مع استمرار السياسات القائمة.”

100

مليار دولار حجم الكلفة التقديرية لبناء عاصمة جديدة على الساحل الجنوبي للبلاد

وأدّت إعادة إحياء الخطط بشأن نقل العاصمة إلى إثارة جدل بشأن ضرورتها، إذ سلّط الكثيرون الضوء على أهمية طهران التاريخية والإستراتيجية.

وقال النائب علي خزاعي إنّه بغضّ النظر عن المدينة المستقبلية التي سيتم اختيارها، يجب أن تؤخذ في الاعتبار “الثقافة الغنية” التي تتمتّع بها البلاد.

وطهران التي اختارها محمد خان آخا قاجار عاصمة في العام 1786 تمثّل مركزا سياسيا وإداريا وثقافيا للبلاد منذ أكثر من قرنين.

وتضمّ محافظة طهران حاليا حوالي 18 مليون شخص، فضلا عن حوالي مليوني شخص يدخلونها خلال النهار، وفق المحافظ محمد صادق معتمديان.

وتقع هذه المدينة غير الساحلية على هضبة منحدرة عند سفح سلسلة جبال ألبرز المغطاة بالثلوج. وفي داخلها، تجتمع ناطحات سحاب عصرية مع قصور تاريخية وبازارات مكتظة وحدائق مورقة.

أما كرمان فتشتهر بقرى يعتاش معظم أهلها من صيد السمك وشواطئ رملية وتاريخ قديم يعود إلى عهد الإسكندر الأكبر.

ومع ذلك، لا يزال الكثيرون يعارضون نقل العاصمة. وقال كميار بابائي (28 عاما) وهو مهندس يقطن في طهران، لوكالة فرانس برس “ستكون هذه خطوة خاطئة تماما لأنّ طهران تمثّل إيران حقا.”

كرمان منطقة ساحلية على خليج عمان تمتد عبر محافظة سيستان بلوشستان بجنوب إيران وجزء من محافظة هرمزغان المجاورة

وأضاف أنّ “هذه المدينة ترمز لسلالة قاجار التاريخية… رمز للحداثة والحياة المتمدّنة.” ويشاركه الرأي أستاذ التخطيط المدني علي خاكسار رفسنجاني، الذي أشار إلى “موقع طهران الإستراتيجي”.

وقال رفسنجاني لصحيفة “اعتماد” الإصلاحية، إنّ المدينة “آمنة ومناسبة في حالات الطوارئ والحرب،” مشيرا من ناحية أخرى إلى أنّ كرمان ذات موقع “ضعيف للغاية” لأنّها تقع على خليج عمان.

من جانبه، أكّد رئيس بلدية طهران السابق بيروز حناجي أنّه “يمكن حلّ” مشاكل العاصمة، موضحا أنّ الأمر يتطلّب فقط “استثمارا” واتّخاذ تدابير لتطوير المدينة.

ولا توجد تقديرات رسمية بشأن الميزانية المطلوبة لمواجهة التحديات المرتبطة بطهران. لكن في أبريل 2024، قال وزير الداخلية السابق أحمد وحيدي إنّ نقل العاصمة قد يتطلّب ميزانية تبلغ “حوالي 100 مليار دولار،” بناء على ما ذكره موقع “همشهري” التابع لبلدية طهران.

وأجرت وكالة إيسنا للأنباء تقييما لإيجابيات وسلبيات نقل العاصمة إلى كرمان، لافتة إلى أنّ المنطقة تتمتّع “بالقدرة على أن تصبح مركزا تجاريا واقتصاديا مهمّا.”

لكنّ التقييم لفت كذلك إلى أنّ نقل العاصمة قد يزيد من الأعباء المالية الثقيلة التي ترزح تحتها إيران، والناتجة بشكل رئيسي عن عقود من العقوبات الدولية.

كذلك، نشرت صحيفة “اعتماد” المحلية إيجابيات وسلبيات نقل العاصمة إلى كرمان، مشيرة إلى “تنمية إقليمية ووصولا إلى المياه المفتوحة وخطر أقل للتعرّض للزلازل” مقارنة بطهران المعرّضة للنشاط الزلزالي.

Thumbnail

لكنّ الصحيفة ذكرت أيضا الأكلاف المرتفعة والاضطرابات التي ستشهدها حياة الناس، موضحة أنّ هذه الخطوة من شأنها أن تفرض تحدّيات لوجيستية هائلة.

بدوره، أشار موقع خبر أونلاين إلى تعرض منطقة كرمان للتغيّر المناخي. ونقل الموقع عن الخبير البيئي حسين مرادي قوله إنّ “التغييرات المناخية ونقص الموارد المائية في منطقة كرمان، بالتوازي مع ارتفاع درجات الحرارة وتراجع هطول الأمطار، خلقت ظروفا بيئية هشّة للغاية تحدّ من إمكانات التنمية الواسعة.”

وبالنسبة إلى بانافشه كينوش الخبيرة في المعهد الدولي للدراسات الإيرانية، فإنّ اختيار كرمان قد يعكس طموحات إستراتيجية واسعة.

وقالت في منشور على منصة إكس إنّ “من خلال اختيار كرمان لتكون العاصمة المحتملة المقبلة، تهدف إيران إلى التنافس مع موانئ بحرية مثل دبي في الإمارات وجوادر في باكستان المجاورتين.”

وأضافت أن “هذا الأمر من شأنه أن يعطي دفعة قوية لمدينة تشابهار الساحلية القريبة “على الرغم من العقوبات،” والأهمّ من ذلك أن “يعيد التأكيد على دور (إيران) في الممر المائي للخليج.”

10