عدم كفاءة الإنفاق الاجتماعي في الكويت موضع انتقاد أممي

مواءمة الإستراتيجية المالية للكويت مع أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة أمر بالغ الأهمية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي على المدى الطويل.
الخميس 2025/01/16
قطاعا التعليم والصحة أبرز نموذجين عن عدم ملاءمة النتائج لحجم الإنفاق

الكويت- بات الإنفاق الاجتماعي الكويتي بالغ السخاء تحت مجهر الملاحظة الأممية لجهة ما يرتّبه من أعباء كبيرة على الدولة دون أن يكون هناك ما يكافئه من نتائج على الأرض.

وكانت مسألة تقديم الدعوم والمساعدات الاجتماعية والخدمات المجانية للمواطنين وانعدام الضرائب قد برزت خلال السنوات الأخيرة بسبب مواجهة البلد الغني بموارد النفط لبعض الصعوبات المالية ما جعل التفكير يتّجه نحو إيجاد صيغة للمراجعة نحو تخفيف العبء الاجتماعي عن كاهل الدولة، لكن الإصلاحات في هذا المجال ما تزال بطيئة وتراوح مكانها في الكثير من الأحيان.

وسلّط تقرير أممي حديث الضوء على المسألة موجّها انتقادات لما اعتبره عامل عدم كفاءة في التصرف بموارد الدولة وإنفاقها بشكل غير مثمر.

◄ انتقاد التقرير الأممي لعدم كفاءة الإنفاق الاجتماعي الكويتي يشكّل دافعا إضافيا للإصلاح الحاضر بقوّة في الخطاب الرسمي الكويتي

ورأى التقرير الصادر عن لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا “إسكوا” بعنوان “الإنفاق الاجتماعي وكفاءة الإنفاق والاستدامة المالية: إستراتيجيات لإعادة التوازن إلى ميزانية الكويت” أن البلد يواجه تحديات جوهرية في الاستدامة المالية وكفاءة الإنفاق الاجتماعي معتبرا ذلك الإنفاق جزءا من المشكلة.

وأشار إلى أنّ الإنفاق العام للبلاد يمثل ما يعادل 50 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي وهو ما يفوق بكثير المتوسط ​​العالمي البالغ سبعة وثلاثين في المئة.

واستدرك نيرانجان سارانجي معد التقرير بأن إدارة هذا الإنفاق تفتقر إلى الكفاءة حيث سجلت الكويت 0.54 على مؤشر الكفاءة مقارنة بمتوسط ​​عالمي يبلغ 0.74، مشيرين إلى أن تحسين الكفاءة للوصول إلى هذا المتوسط ​​يمكن أن يحقق وفورات مالية تفوق 22 مليار دولار سنويا أو حوالي سبعة وعشرين في المئة من الإنفاق العام للدولة.

وفي ما يتعلق بالإنفاق الاجتماعي الذي يستهلك أربعا وأربعين في المئة من إجمالي الموازنة العامة أشار التقرير إلى تسجيل تراجع في حصة الفرد من هذا الإنفاق بنسبة اثني عشر في المئة منذ سنتي 2018 و2019.

وتوجد مشكلة أعمق متعلّقة بسخاء الإنفاق الاجتماعي ومرتبطة بعدم كفاءته في تحقيق النتائج المرجوّة منه والمتوافقة مع المبالغ الطائلة التي يستهلكها وهو ما يتجسّد في قطاع التعليم الذي يشكل اثني عشر في المئة من الموازنة العامة ولا يزال متخلفا عن المعايير الدولية على الرغم من الإنفاق الكبير الذي تم تخصيصه على مر السنين، وكذلك في قطاع الصحة الذي لم يساهم ارتفاع مستوى الإنفاق العام في معالجة التحديات التي يواجهها حيث يعاني حوالي ربع السكان في الكويت من مرض السكري، مما يشير إلى الحاجة الملحة لتحسين فعالية هذه النفقات.

نيرانجان سارانجي: على الكويت التحرك فورا.. الإصلاح ضرورة وليس خيارا
نيرانجان سارانجي: على الكويت التحرك فورا.. الإصلاح ضرورة وليس خيارا

وسلط التقرير الضوء أيضا على مشاكل في عدالة توزيع التحويلات الحكومية على الأفراد حيث تستفيد الأسر الأكثر ثراء بنسبة اثنين وعشرين في المئة من إجمالي التحويلات بسبب غياب آليات الاستهداف الفعالة، موصيا بترشيد التحويلات للأسر ذات الدخل المتوسط ​​والمنخفض، الأمر الذي من شأنه توفير موارد مالية كبيرة لإعادة توجيهها نحو قطاعات التنمية الأكثر احتياجا.

وتجاوز التقرير الأممي مجرّد التشخيص والتوصيف وتضمّن جانبا عمليا بدعوته إلى تنفيذ إصلاحات مالية شاملة لتعزيز الاقتصاد الكويتي أبرزها تنويع الاقتصاد من خلال تعزيز القطاعات غير النفطية ودعم القطاع الخاص، مشدّدا على ضرورة تحسين آليات تحصيل الإيرادات غير النفطية واعتماد الميزانيات القائمة على الأداء والمنصات الرقمية لتحسين الشفافية وتعزيز الكفاءة.

كما أكّد أيضا على أهمية تطوير الخدمات العامة والتركيز على الاستثمار في الرعاية الصحية الوقائية وتحديث البنية التحتية الطبية، وأوصى بتحسين التعليم من خلال تدريب المعلمين وتطوير المناهج بالإضافة إلى توسيع مبادرات البحث لدعم الأهداف الاقتصادية والاجتماعية طويلة الأجل.

وقال سارانجي في تقريره “إن الكويت في حاجة إلى التحرك فورا،” مضيفا أن “تنفيذ الإصلاحات المالية المستهدفة ليس خيارا بل ضرورة لحماية الاقتصاد وضمان رفاهية المواطنين”.

وأكّد أن مواءمة الإستراتيجية المالية للكويت مع أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة أمر بالغ الأهمية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي على المدى الطويل، مشيرا إلى إمكانية أن يؤدي تنفيذ هذه الإصلاحات إلى تحسين ترتيب الكويت في المؤشرات العالمية مثل مؤشر التنمية البشرية ومؤشر أهداف التنمية المستدامة ما يضع البلد في وضع أفضل لتحقيق تطلعاته الاقتصادية والتنموية.

ولا يمثّل انتقاد التقرير الأممي لعدم كفاءة الإنفاق الاجتماعي الكويتي عاملا سلبيا، بقدر ما يشكّل دافعا إضافيا للإصلاح الحاضر بقوّة في الخطاب الرسمي الكويتي، وسندا لصانع القرار في البلد في مواجهة الأصوات المعارضة للإصلاح بدعوى عدم المساس بمكتسبات المواطنين، مستندة إلى كون بعض الإصلاحات المطلوبة تمس درجة الرفاه العالية التي اعتاد عليها الكويتيون على مدى سنوات طويلة تميّزت بوفرة عائدات النفط وهو أمر لا يمكن استمراره إلى ما لانهاية.

3