عدم رضا سعودي مكتوم عن سلوك حماس في غرة

سلوك الحركة نسف جهود التهدئة في المنطقة وهيّأ الأرضية لموجة جديدة من التشدد.
الجمعة 2023/12/22
للموقف السعودي ظاهر وباطن

سكوت السعودية عن توجيه انتقادات صريحة لحركة حماس الفلسطينية وتحميلها مسؤولية التصعيد في المنطقة لا يعدو كونه مجاراة لتيار التعاطف العربي والإسلامي الكبير مع قطاع غزّة وتكتّما على الموقف الحقيقي من الحركة التي ألحقت أضرارا مباشرة بالمملكة، حيث نسفت الجهود الكبيرة التي بذلتها لبسط التهدئة والاستقرار في المنطقة، وأوجدت بيئة جديدة للتشدّد الديني الذي قطعت المملكة أشواطا في تفكيك بؤره.

الرياض - لا تعكس صرامة المملكة العربية السعودية في مطالبتها بوقف الحرب في غزّة وإدانتها للعنف الإسرائيلي الدموي ضدّ سكان القطاع، سوى جانب من الموقف الحقيقي للمملكة من الأحداث الجارية منذ السابع من أكتوبر الماضي، الذي يتوقّع مراقبون أنه يشمل أيضا حالة من عدم الرضا عن سلوك حركة حماس تتكتّم عليها الرياض مسايرة للرأي العام  المحلّي والعربي – الإسلامي.

ولا تقتصر تبعات التصعيد الذي فجّرته الحركة في التاريخ المذكور على نسف جهود التهدئة التي سعت السعودية لبسطها في المنطقة وأقدمت في سبيل ذلك على التصالح مع غريمتها إيران والجلوس إلى طاولة التفاوض المباشر مع الحوثيين الذين جعلوا من اليمن بؤرة لعدم الاستقرار على الحدود الجنوبية للمملكة.

بل تمتدّ إلى خلق أرضية جديدة للتشدّد الديني الذي جعل ولي العهد الأمير محمّد بن سلمان تفكيكَ بنيته داخل المملكة ضمن أولويات سياسته، وذلك بفعل الحالة العاطفية التي خلقتها أحداث غزّة لدى الملايين من الشبان العرب والمسلمين بمن فيهم السعوديون، ما يمثل أرضية مناسبة لتعبئة الشباب وشحنهم على غرار ما جرى في حروب وأحداث سابقة شهدتها المنطقة من بينها حربا الخليج، وحرب لبنان 2006 والانتفاضتان الفلسطينيتان.

ويقول مراقبون إنّ الموقف السعودي الحالي الذي يبدو منحازا بشكل مبدئي إلى الصف الفلسطيني لا يعني انزياحا نهائيا سعوديا عن قيادة المعسكر الواقعي في التعاطي مع القضية الفلسطينية، في مقابل المعسكر “الثوري” الذي تقوده إيران وتشترك فيه تركيا عبر إثارة العواطف لاستثمار القضية والاستفادة منها أكثر من بذل الأموال والقيام بأفعال لخدمتها.

تراجع مكانة الأردن ومصر فتح الباب أمام تركيا وإيران للتدخل في الملف الفلسطيني وإحداث الكثير من الفوضى فيه

وعلى هذا الأساس يؤكّد المراقبون أنّ للسعودية دورا كبيرا ستلعبه في مرحلة ما بعد حرب غزّة ضمن عملية البحث عن حلّ مستدام للقضية الفلسطينية خصوصا وأنّ المملكة هي قائدة المبادرة العربية التي تقدّم طرحا واقعيا يتضمّن اعترافا بإسرائيل في مقابل تمكين الفلسطينيين من دولتهم المستقلّة على حدود سنة 1967.

ووصف تقرير نشره موقع ناشيونال إنترست تحت عنوان “هل تستطيع السعودية تحقيق السلام بين إسرائيل وفلسطين؟”، مواقف الخارجية السعودية بأنّها كانت قاسية في بعض الأحيان تجاه إسرائيل بسبب ما تفعله في غزّة، مستدركا بأن حكومة المملكة تجنبت في المقابل اتّخاذ أي إجراءات أخرى مثل التهديد بوقف تصدير النفط على غرار ما حدث سنة 1973.

كذلك لم توقف السعودية أيا من مناسباتها ذات الطابع الاحتفالي وواصلت تنظيم المهرجانات والحفلات الفنية والتظاهرات الترفيهية واحتفلت أيضا بفوزها بتنظيم معرض إكسبو 2030.

لكنّ ملامح عدم الرضا السعودي عن حماس غير المصرّح به رسميا وما أقدمت عليه في السابع من أكتوبر الماضي بشنّها هجمات مباغتة داخل المناطق الإسرائيلية المتاخمة لغزّة، بدت واضحة من خلال تغطية وسائل الإعلام السعودية للحرب في القطاع.

وقال هيثم حسنين محرّر التقرير المذكور إنّ التغطية الإخبارية السعودية للحرب كانت أكثر تحفظا بكثير من وسائل الإعلام القطرية. وعندما ظهر زعيم حماس خالد مشعل على قناة العربية التابعة للمملكة تعرض لوقت عصيب على الهواء.

وفي مقابلة حظيت بمتابعة واسعة النطاق سئل مشعل “هل تعتذر عما حدث للمدنيين الإسرائيليين في السابع من أكتوبر”، وعندما تردد قال المذيع “أنت تقول إن هذه مقاومة مشروعة في نظرك، لكن ما شاهده الناس على شاشات التلفزيون الغربية هو تجاوزات من حماس ضد المدنيين”.

حالة من عدم الرضا عن سلوك حركة حماس تتكتّم عليها الرياض مسايرة للرأي العام المحلّي والعربي – الإسلامي

ولتبرير الخسائر الهائلة في صفوف المدنيين الفلسطينيين الناجمة عن الحرب قال مشعل إن الدول لا تتحرر بسهولة، مذكّرا بأنّ الروس ضحوا بـثلاثين مليون شخص في الحرب العالمية الثانية ضد الألمان، وضحى الفيتناميون بثلاثة ملايين ونصف المليون لهزْم الأميركيين.

ومن الواضح، وفق التقرير ذاته، أن المثقفين السعوديين المؤيدين للنظام يلقون اللوم على حماس. وهم يخشون موجة جديدة من التطرف يمكن أن تجتاح المنطقة كما حدث بعد الانتفاضة الفلسطينية الثانية.

وحذر الصحافي المخضرم عبدالرحمن الراشد الفلسطينيين بالقول “إنّهم (الثوريين) يسرقون أطفالكم للمرة العاشرة”. وقال إن الكثير من الشباب العرب هذه الأيام ممتلئون بـ”التعاطف الأعمى”، وهو ما قد يكرر ما حدث في أفغانستان وسوريا والعراق، حيث ذهب العديد من الجهاديين استجابة للتعبئة الناجمة عن التغطية الإعلامية الملتهبة للصراعات الإقليمية.

وفي خطوة معاكسة لتوجّه التغطية الإعلامية العربية والإسلامية السائدة لأحداث غزّة والموجّهة صوب مساندة حماس والتعاطف معها بثت قناة العربية مقاطع فيديو لمدنيين فلسطينيين غاضبين مما آلت إليه أوضاعهم، ملقين باللوم على حماس في مقتل أهاليهم وأقربائهم. وجاء ذلك بينما تبث قناة الجزيرة القطرية مقاطع لفلسطينيين يهللون لموت ذويهم باعتبار ذلك استشهادا في سبيل الدين والوطن.

ويعتبر هذا الاختلاف في التغطية الإعلامية صدى للفجوة العميقة بين معسكرين إقليميين مختلفين؛ معسكر يسعى إلى تأجيج الجماهير وتعبئتها عاطفيا، ومعسكر واقعي يتجاوز الطروح الثورية القديمة وينتهج نهجا براغماتيا يراعي تبدّل الأوضاع وتغيّر الحقائق على الأرض. ويرى هيثم حسنين أنّ المعسكر الثاني هو الذي يتعيّن على الولايات المتّحدة أن تتعامل معه في تعاطيها مع قضايا المنطقة.

واعتمدت السياسة الأميركية لعقود طويلة على مصر والأردن كمحاورين رئيسيين في أي محادثات فلسطينية إسرائيلية. لكن في السنوات الأخيرة، يقول محرّر التقرير، فقدت العاصمتان مكانتهما ما فتح الباب أمام جهات فاعلة أخرى مثل تركيا وإيران للتدخل في الملف وإحداث الكثير من الفوضى فيه.

ومن هذا المنطلق سيتعيّن على واشنطن التواصل مع السعودية التي تحتفظ بعلاقات جيدة مع القاهرة وعمّان مقارنة بأنقرة وطهران. وسيستفيد السعوديون من الخبرة المصرية والأردنية في غزة والضفة الغربية. وفي الوقت نفسه ستجذب القوة المالية السعودية الموالين الفلسطينيين الذين اعتادوا على تجاوز مصر والأردن الفقيرتين للحصول على أموال من قطر.

 

اقرأ أيضاً: 

      • غياب السعودية عن قوة عمل البحر الأحمر يثير التساؤلات

3