عدم اليقين العالمي يزيد مخاطر تفاقم الديون على الدول الفقيرة

حملت أحدث الإشارات الدولية في طياتها المزيد من التشاؤم بأن تواجه الدول الفقيرة مخاطر متزايدة تتعلق بتفاقم ديونها في ظل عدم اليقين العالمي سواء بسبب التوترات الجيوسياسية أو تغيرات أسعار الفائدة العالمية لتنضاف إلى تراكمات الصدمات الاقتصادية المنجرة عن الجائحة والحرب في أوكرانيا.
واشنطن - أكد رؤساء المائدة المستديرة العالمية حول الديون على ضرورة بذل المزيد من الجهود لتحسين عملية إعادة هيكلة الديون السيادية ومساعدة الدول التي تواجه تحديات متزايدة في خدمة الديون، وذلك في إطار إصدارهم دليلاً إرشادياً جديداً لدعم هذه الجهود.
واجتمعت المائدة، التي أُطلقت رسمياً في أواخر عام 2022 للمساعدة في تسريع التقدم في تأمين معالجة ديون الدول المتعثرة، الأربعاء خلال اجتماعات الربيع لصندوق النقد والبنك الدوليين.
وأشار المشاركون إلى بعض التقدم المحرز في جوانب عملية إعادة هيكلة الديون، بما في ذلك توضيح إمكانية طلب الدول المدينة التي تخضع لإعادة هيكلة، ولكنها ليست متأخرة عن سداد ديونها للدائنين الثنائيين الرسميين، تعليق مدفوعات خدمة ديونها.
وكانت الدول المدينة قد ضغطت للحصول على ضمانات بإمكانية توفير هذا الإعفاء من الديون. وحمل تقرير لمعهد التمويل الدولي في فبراير مؤشرات متشائمة حيال نسبة الدين العالمي إلى الناتج المحلي الإجمالي والذي زاد العام الماضي للمرة الأولى منذ 2020.
وسجل رصيد الدين العالمي مستوى قياسيا جديدا في نهاية العام 2024 بلغ 318 تريليون دولار في وقت يعاني فيه الاقتصاد العالمي من تباطؤ النمو، الأمر الذي يهدد الجهود الإنمائية في الدول ضعيفة الدخل.
وكان ارتفاع الدين العالمي 7 تريليونات دولار وهي زيادة أقل من نصف الزيادة التي حدثت في عام 2023، حين أدت توقعات خفض أسعار الفائدة من مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي (البنك المركزي) إلى موجة من الاقتراض.
واقتربت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، وهو مؤشر على القدرة على سداد الديون، من 328 في المئة بزيادة 1.5 نقطة مئوية، حيث تعارضت مستويات الدين الحكومي البالغة 95 تريليون دولار مع تباطؤ التضخم والنمو الاقتصادي.
وساهمت الأسواق الناشئة، بقيادة الصين والهند والسعودية وتركيا، بنحو 65 في المئة في نمو الدين العالمي في العام الماضي.
وصرحت جيلا بازارباسيوغلو، رئيسة الإستراتيجية في صندوق النقد، بأن مخاطر استقرار الدين في الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية محصورة على نطاق واسع، لكن حالة عدم اليقين ازدادت “بشكل كبير” في ظل تصاعد التوترات التجارية.
وقالت للصحافيين “هناك الكثير من التحديات، والكثير من عدم اليقين بشأن السياسات،” مشيرةً إلى التحديات التي تواجه الدول ذات الصادرات العالية والمعرضة للرسوم الجمركية الأميركية، وانخفاض أسعار السلع الأساسية، وتشديد الأوضاع المالية، وتراجع النمو.
وأكدت على الحاجة الملحة إلى معالجة عبء خدمة الدين المرتفع الذي تواجهه العديد من الدول، وهو وضع قالت إنه يزداد حدة في ظل الظروف الحالية.
وحذر صندوق النقد الأربعاء من أن الضغوط الاقتصادية الناجمة عن الرسوم الأميركية الجديدة الباهظة ستدفع الدين العام العالمي إلى ما يتجاوز مستويات عصر الجائحة ليصل إلى ما يقرب من 100 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي بحلول نهاية العقد الحالي، حيث يُثقل تباطؤ النمو والتجارة كاهل الميزانيات الحكومية.
وتوقع أحدث تقرير لرصد المالية العامة للصندوق أن ينمو الدين العام العالمي بنسبة 2.8 نقطة مئوية ليصل إلى 95.1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي في عام 2025، ليصل إلى 99.6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي بحلول عام 2030.
وبحسب تقرير من المتوقع أن تساهم الاقتصادات الرئيسية ومنها الولايات المتحدة والصين وفرنسا وبريطانيا والبرازيل وجنوب أفريقيا بشدة في زيادة الدين العام العالمي.
وفي حين يمكن أن تؤدي الرسوم المرتفعة إلى زيادة الإيرادات الحكومية على المدى القريب، فإن الطلب على الواردات والإنتاج المحلي يتجهان نحو التراجع، مما يقلص الإيرادات العامة ويقلص الناتج الاقتصادي.
وقال الصندوق في تقريره إن “السياسة المالية الآن تواجه مفاضلة صعبة بين خفض الديون وتكوين احتياطيات لمواجهة حالات عدم اليقين، واستيعاب ضغوط الإنفاق، كل ذلك في ظل ضعف توقعات النمو وارتفاع تكلفة التمويل وتزايد المخاطر.”
وفي تقريره خفّض صندوق النقد توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي خلال العام الحالي إلى 2.8 في المئة من إجمالي الناتج الإجمالي.
وكانت مستويات الدين العام في البلدان منخفضة الدخل والأسواق الناشئة مرتفعة بالفعل قبل الجائحة، ثم زادت وتيرتها، لكنها استقرت منذ ذلك الحين، ويبدو أنها ستنخفض قليلاً أو تبقى مستقرة على المدى المتوسط.
95
تريليون دولار الديون بنهاية 2024 بزيادة 1.5 في المئة قبل عام وفق معهد التمويل الدولي
وظلت بعض البلدان معرضة للخطر بشكل خاص، وتواجه العديد من البلدان تحديات متزايدة في خدمة الديون، حيث تُثقل تكاليف الفائدة المرتفعة واحتياجات إعادة التمويل الإنفاق على التعليم والصحة والاستثمار في البنية التحتية.
وأشار المشاركون في المائدة إلى التحديات القائمة، داعين إلى المزيد من العمل لتحسين عمليات إعادة الهيكلة، بما في ذلك الإطار المشترك لمجموعة العشرين وجهود مساعدة الدول التي تتمتع بقدرة على تحمل ديونها ولكنها تواجه تحديات متزايدة في خدمة ديونها، والعمل على منع تراكم الديون بشكل غير مستدام في المستقبل.
وكتب الرؤساء المشاركون في تقريرهم المرحلي أن هذا يتطلب “إحراز تقدم قوي في شفافية الديون، وإدارتها، والعلاقات بين المدينين والمستثمرين.”
وقالوا إن الدليل الجديد كان “وثيقة سهلة الاستخدام” تلخص الخطوات والمفاهيم والعمليات الرئيسية المتبعة في عمليات إعادة هيكلة الديون السيادية الأخيرة.
وأوضحت بازارباسيوغلو أن الدليل يهدف إلى أن يكون “وثيقة حية” قابلة للتحديث باستمرار. وهو يحدد مسارًا من شأنه أن يؤدي إلى إكمال عمليات إعادة الهيكلة في غضون عام واحد. وقالت إن “الدليل غير ملزم، ويدرك أن لكل حالة خصوصياتها وتعقيداتها.”
وأكدت المناقشات التي جرت ضمن المائدة العالمية للديون على الحاجة إلى تعزيز الشفافية وتبادل المعلومات بشأن اتفاقيات إعادة الهيكلة التي توصلت إليها لجان الدائنين الرسمية. كما نوقشت الاختناقات التي يمكن أن تؤخر ترقيات التصنيف الائتماني بعد إعادة الهيكلة.
وأشارت بازارباسيوغلو إلى أن المائدة المستديرة أحرزت بعض التقدم في مسألة الديون التجارية غير المرتبطة بسندات، وستواصل دراستها عن كثب، إلى جانب الجهود المبذولة لتسريع الجداول الزمنية، وتحسين الشفافية، وتبادل البيانات.