عدم اليقين السياسي والاقتصادي يجمد الأحلام الاستثمارية للأردنيين

ثقة المستهلك بالاقتصاد الوطني تراجعت من 2.7 في المئة خلال الربع الثالث من العام الحالي إلى 37.6 في المئة، وفق مؤشر إبسوس.
الثلاثاء 2024/11/19
وضع اقتصادي مترنح

عمّان – لم يخطر ببال أسامة عبدالكريم، الذي ظل يخطط منذ سنوات طويلة لمرحلة ما بعد التقاعد، أنه سيضطر إلى تجميد أحلامه الاستثمارية وسط عدم اليقين السياسي والاقتصادي في الأردن بسبب التوترات في المنطقة.

ويؤكد عبدالكريم، الذي كان مديرا إقليميا لإحدى شركات الطاقة القطرية بالأردن، أنه كان يخطط مع أحد أصدقائه لإنشاء مصنع صغير للصناعات البلاستيكية في العاصمة عمّان، لكن حرب إسرائيل على غزة دفعته إلى التريث وإعادة النظر في المشروع.

ويقول لرويترز “كنت متحمسا جدا للبدء بالمشروع، وفعلا قمت بإعداد دراسات الجدوى مع صديقي وخططنا لكل شيء ولكن الحرب أوقفتنا قليلا.”

ويبين أن التوترات السياسية وغياب الرؤية الاقتصادية الواضحة جعلتاه يشعر بأنه سيجازف بمدخراته. وقال “ما زاد الطين بلة هو توسع الحرب الإسرائيلية لتشمل لبنان وإيران أيضا.”

طارق حجازي: الضبابية العالمية لا تزال تؤثر على سلوك المستثمرين
طارق حجازي: الضبابية العالمية لا تزال تؤثر على سلوك المستثمرين

ويشير إلى أن موقع بلده بالقرب من الأزمات والحروب أثر على اقتصاده وعلى معنويات المواطنين بشكل كبير، كما أن الأردن مستورد بالدرجة الأولى، ولذلك أي اضطراب اقتصادي بسبب الحروب يزيد الأسعار وكلفة المواد الأساسية “وبالتالي العملية الحسابية كلها للمشروع ستختلف.”

ويضيف أن “القرار لم يكن سهلا وخاصة أنني كنت أخطط لأن يعمل أبنائي الثلاثة معي بحيث نؤسس عملا عائليا وأوفر لهم مستقبلا آمنا ليعتمدوا على أنفسهم.”

وعبدالكريم ليس وحده الذي أجل حلمه الاستثماري بل يشاركه في ذلك المهندس أمجد ياسين (44 عاما) الذي كان يعتزم شراء عقار سكني في أحد أحياء العاصمة عمان.

ويؤكد ياسين، الذي عاد من دولة الإمارات حديثا بعد اغتراب دام 15 عاما، أنه كان يحلم باستثمار مدخراته في وطنه ولكن مع حالة عدم اليقين بسبب الحروب في المنطقة فضل تأجيل القرار.

وقال لرويترز إنه لدى استشارته أكثر من خبير وسمسار في قطاع العقارات سمع توقعات متضاربة حول هذا القطاع “فمنهم من توقع هبوط الأسعار ومنهم من توقع ارتفاعها نتيجة عدم وضوح الرؤية.”

وأضاف “هذا التخبط في التوقعات والتحليلات جعلني أخاف من المخاطرة، وأفضل التريث إلى حين وضوح مآل الأمور مستقبلا.”

وتابع “حتى عودة ترامب إلى رئاسة أميركا زادت التخوفات حول شكل الاقتصاد والسياسة في كل العالم مستقبلا، لذلك من الأفضل أن ننتظر.”

وتراجعت ثقة المستهلك بالاقتصاد الوطني 2.7 في المئة خلال الربع الثالث من العام الحالي إلى 37.6 في المئة، وفق مؤشر إبسوس. وأرجع التقرير ذلك إلى تدني ثقة الأردنيين في قدرتهم على الاستثمار في مستقبلهم ومستقبل أبنائهم، إضافة إلى تراجع مستوى ثقتهم بالآفاق المستقبلية للاقتصاد.

وسجل الناتج المحلي الإجمالي للأردن في الربع الأول من العام الجاري نموا بنسبة اثنين في المئة مقارنة مع الربع الأول من 2023، بحسب دائرة الإحصاءات العامة. وتستهدف الحكومة هذا العام نموا بنسبة 2.7 في المئة.

وقال مدير عام جمعية رجال الأعمال الأردنيين طارق حجازي إن “الاقتصاد الأردني يواجه حالة عدم اليقين الاقتصادي التي سادت المنطقة على خلفية التطورات الإقليمية والانتخابات الأميركية.”

وأضاف لرويترز أن “تلك الحالة مازالت تؤثر على سلوك المستثمرين لأن صاحب القرار الاستثماري يبحث دائما عن ظروف تضمن له العائد الاقتصادي والاستقرار.”

وذكر أن كلفة الاستثمار أصبحت مرتفعة بشكل كبير “ابتداء من ارتفاع كلف الطاقة والتشغيل خاصة مع صعود أسعار النفط بشكل قياسي خلال هذه العام، كما أن ارتفاع أسعار كلف الاقتراض شكل حالة عدم استقرار للمستثمرين في إنجاز مشاريعهم الاستثمارية وتطويرها والاستمرار فيها.”

وأوضح أن الكثير من المستثمرين لجأوا إلى التحوط وركزوا على “الذهب والفضة والسندات” مع ارتفاع أسعار الفائدة، وهو ما أثر على تدفق الاستثمارات في الصناعة والسياحة وغيرهما من القطاعات.

ودعا الحكومة إلى العمل على معالجة الاختلالات التي تحيط بالمناخ الاستثماري المحلي، والمحافظة على المستثمر المحلي من خلال خفض كلفة الإنتاج والتشغيل. كما طالب بتحفيز الطلب الاستهلاكي المحلي، واستحداث صناديق تمويلية واستثمارية لدعم المشاريع الاستثمارية والتنموية في القطاعات الاقتصادية الحيوية كالسياحة والتجارة والتجزئة.

2

في المئة نسبة نمو الناتج المحلي الإجمالي للأردن في الربع الأول من العام الجاري وتستهدف الحكومة هذا العام نموا بنسبة 2.7 في المئة

وقال رئيس جمعية المستثمرين في قطاع الإسكان ماجد غوشة “منذ أكثر من عام يشهد قطاع العقارات والإسكان تراجعا ملحوظا في الطلب لعدة أسباب.” وأضاف لرويترز أن “حالة عدم اليقين بسبب الحرب في غزة ولبنان أثرت بشكل كبير على قرارات المستثمرين والمواطنين لشراء العقارات.”

وأشار إلى تراجع شراء الشقق السكنية بسبب ارتفاع الأسعار وزيادة الفائدة على القروض خلال الأعوام الماضية. ولكن غوشة يرى أن الإجراء التحفيزي الحكومي الأخير، المتمثل في إعفاء الشقق السكنية من جزء من رسوم التسجيل، ربما يساهم في زيادة الطلب في القطاع. وذكر أن قرار جمعية البنوك الأردنية خفض الفائدة على القروض وخاصة السكنية منها، سيساهم في إقبال المواطنين والمستثمرين على شراء الشقق.

وقال فهمي الكتوت المختص في الاقتصاد الاجتماعي إن من العوامل الأخرى التي قد يكون لها تأثير على مزاج المستثمر الأردني نتائج الانتخابات الأميركية وفوز الرئيس الجمهوري دونالد ترامب.

وأضاف “لما نعلمه ونعرفه عن هذا الرجل من مواقف حادة تجاه الأردن وإعلانه وتصريحاته المتكررة في الحديث عن ضرورة توسع إسرائيل فإن الحديث بهذا الاتجاه يعني أن هناك أخطارا حقيقية قد تنتظر الأردن والدول العربية الأخرى في المنطقة.”

أما ريهام زيدان (45 عاما)، التي تعمل في مجال الإعلانات، فتفضل استثمار مدخراتها في شراء الذهب، سواء عملات أو أوقيات (أونصات)، كلما توفر لديها مبلغ مالي. وترى أن الاستثمار في الذهب أكثر أمانا مقارنة بوضع الأموال كودائع في البنوك أو الاستثمار في الأسهم.

لكنها لم تعد قادرة على شراء نفس كمية الذهب التي كانت تشتريها في السنوات السابقة بسبب وصول الأسعار إلى مستويات قياسية هذا العام. غير أنها تنتظر انخفاض الأسعار بعد فوز ترامب، كما تشير التوقعات، لتتمكن من استئناف استثمارها في شراء المعدن الأصفر.

وتضيف “أفضل تجنب المخاطرة بالاستثمار في أي قطاعات أخرى، خصوصا في ظل الظروف الاقتصادية والسياسية الحالية… الذهب عبر التاريخ أثبت أنه الملاذ الآمن للاستثمار، بغض النظر عن التقلبات والظروف.”

وأكد نقيب أصحاب محلات الذهب ربحي علان أن التوترات السياسية عادة ما تزيد بشكل كبير الاستثمار في الذهب. وأوضح أنه خلال عام 2024 شهد الذهب قفزة كبيرة في الأسعار، لذلك “لم يعد يغري باللجوء إليه لغايات الادخار والاستثمار، والمواطنون في انتظار انخفاض أسعاره.”

11