عدم اتخاذ إجراء في ذروة أزمة أسعار النفط يؤكد نهاية دور أوبك
لم يعد هناك من شك بأن سياسة كبار منتجي أوبك في مواجهة منتجي النفط المرتفع التكلفة، قد نجحت بالفعل، بعد ارتفاع الأسعـار بأكثر مـن 90 بالمئـة عـن أدنى مستـوياتهـا منـذ 12 عاما، الذي سجلته في يناير الماضي، حين بلغ سعـر مزيج بـرنت القياسي نحو 27 دولارا للبرميل.
إذا كان كبار المنتجين قد امتنعوا عن اتخاذ أي إجراء لدعم الأسعار في ذروة الأزمة، فإن ذلك يؤكد بما لا يقبل الشك، أنها لن تتخذ أي إجراء في المستقبل القريب أو حتى المستقبل البعيد.
ويعني ذلك أن أوبك لن تعود لمحاولة التأثير في الأسواق مرة أخرى، وأن دورها انتهى فعليا، حتى لو استمر حضورها الشكلي واجتماعاتها الدورية، التي لم تتخذ أي إجراء يؤثر على الأسواق.
هناك شبه إجماع وارتياح بين أعضاء المنظمة للوضع الحالي في أسواق النفط، ولم يعد هناك سوى محاولات يائسة للعودة إلى وضع سقف لإنتاج منظمة أوبك، من قبل أكبر المتضررين، الذين لا يملكون طاقة إنتاج إضافية ويعانون من أزمات مالية خانقة مثل الجزائر وفنزويلا.
لم يعد حتى العراق وإيران يطالبان باتخاذ إجراءات لدعم الأسعار، لأنهما يطمحان لزيادة الانتاج بأقصى طاقة ممكنة بعد أن بدأت الإمدادات من خارج أوبك بالتراجع السريع.
وأدى إصرار أوبك على ترك الأسواق لقوى العرض والطلب لاختبار قدرة النفط الصخري والحقول المرتفعة التكلفة على مواصلة الإنتاج، إلى زيادة حصة المنظمة من الأسواق بنحو 3 ملايين برميل منذ بدء تراجع الأسعار في منتصف عام 2014 لتصل اليوم إلى أكثر من 32 مليون برميل.
وتبدو أي محاولة لوضع سقف لإنتاج أوبك بعد ذلك المخاض الطويل ضربا من الجنون، بسبب استحالة إقناع دول مثل العراق وإيران وكذلك ليبيا إذا ما استقرت أوضاعها السياسية والأمنية، بعدم زيادة الإنتاج.
دور منظمة أوبك انتهى فعليا حتى لو استمر حضورها الشكلي واجتماعاتها الدورية، التي لن تتخذ أي إجراء يؤثر على الأسواق
وفي ظل ذلك سيكون من المستحيل إقناع كبار منتجي أوبك الآخرين مثل السعودية والإمارات والكويت بالتضحية بحصتها في الأسواق لحساب منتجـين آخرين مـن داخل المنظمة وخارجها.
وإذا استمر الزخم الحالي، وهو ما يبدو مؤكدا، فإن حصة منتجي أوبك، التي تعادل ثلث الانتاج العالمي حاليا، ستواصل الإرتفاع لتصل خلال سنوات قليلة إلى نصف الإمدادات العالمية.
ومن غير المستبعد في ظل اندفاع إيران والعراق لزيادة الإنتاج، أن تتخلى دول الخليج وخاصة السعودية عن ضبط النفس، لترفع إنتاجها بدرجة كبيرة، خاصة أن الرياض تملك طاقة إنتاج إضافية شبه جاهزة تمكنها من الوصول لإنتاج 12.5 مليون برميل يوميـا، من نحو 10.2 مليون حاليا.
هناك اليوم تحذيرات، تطرب أسماع منتجي أوبك، وهي صادرة من كبرى شركات النفط ووكالة الطاقة الدولية بأن أسعار النفط يمكن أن تصل إلى 200 دولار للبرميل خلال سنوات بسبب التراجع الحاد في استثمارات الشركات.
لكن المرجح أن ارتفاعا من هذا النوع في الأسعار لن يحدث بسرعة، بسبب زيادة كبيرة متوقعة في إنتاج أوبك، ولأن حدوثه خلال وقت قريب سيؤدي إلى عودة منتجي النفط الصخري لزيادة الإنتاج.
دحر أولئك المنتجين استغرق عامين، بسبب مراكز التحوط التي كانت لديهم، وهي تشبه التأمين على بيع الإنتاج فوق سعر معين.
فالشركة التي كانت تعتزم جمع التمويل لإنتاج النفط الصخري من حقل ما، بتكلفة 60 دولارا للبرميل على سبيل المثال، حين كانت أسعار النفط فوق 100 دولار للبرميل، كانت تلجأ للتأمين على بيع الإنتاج بسعر 70 أو 80 دولارا للبرميل، من أجل الحصول على التمويل أو إيجاد مشترين للسندات التي تصدرها.
وحين انخفضت الأسعار، كانت شركات التأمين هي الخاسر الأكبر لأنها كانت تدفع الفارق للشركات، التي تمكنت بذلك من مواصلة الإنتاج طوال العامين الماضيين. وقد انقضت بمرور الوقت آجال معظم مراكز التحوط من ذلك النوع.
كل ذلك يؤكد انتصار المنتجين الأكثر كفاءة، الذين لا تزيد تكاليف إنتاجهم على بضعة دولارات للبرميل على المنتجين الأقل كفاءة مثل النفط الصخري والحقول البحرية العميقة، الذين تزيد تكلفة إنتاجهم عن الأسعار الحالية.