عجز الميزانية في الكويت: خلل في الحسابات أم سوء تدبير

الفرق الكبير بين الإيرادات والمصروفات سيدفع الكويت إلى ترشيد الإنفاق وتقليص المصاريف لسد عجز الميزانية.
الأربعاء 2023/07/12
الخلل طال التدابير والإجراءات الحكومية

الكويت- تواجه الحكومة الكويتية عجزا في ميزانيتها لعام 2023 – 2024 يبلغ 22.2 مليار دولار، ولا تملك إلا أحد ثلاثة خيارات لمواجهته هي: اللجوء الى الاستدانة أو تسييل بعض الأصول (أي بيعها) أو “مناقلة” المال المطلوب من موجودات “صندوق الأجيال”، حيث تعني “المناقلة” سحب الأموال من الصندوق دون الاعتراف بأنه نوع من الاستهلاك لتلك الموجودات.

وفي حين يرجع البعض سبب العجز إلى خلل في الحسابات يقول خبراء إنه لا بد من ترشيد الإنفاق وتقليص المصاريف.

علي العنزي: لا مفر من الاتجاه نحو الاقتراض لسد عجز الميزانية
علي العنزي: لا مفر من الاتجاه نحو الاقتراض لسد عجز الميزانية

 وبحسب عبدالله فهد العبدالجادر، مستشار تطوير إداري وموارد بشرية، يكمن الحل في ترشيد الإنفاق وتحصيل الأموال المستحقة للخزانة العامة للدولة ووقف الفساد المالي (رشاوى، سرقات المال العام…) وإعادة النظر في المصروفات التي لا داعي لها (مثل المكافآت المالية لأعضاء مجالس ولجان حكومية يتقاضون أجورا وتقدم لهم مزايا دون أن ينجزوا شيئا).

وتشير هذه المعالجات إلى أن الخلل لا يقتصر على الحسابات وحدها، وإنما يطال التدابير والإجراءات الحكومية التي ظلت تراكم العجز وهي تحت تأثير الانطباع الذي يفيد بأن البلاد تملك الكثير من الأموال حتى أنه يجوز التهاون في إنفاقها على كل ما لا نفع فيه.

ويعود العجز إلى نقص إيرادات النفط التي تشكل نحو 90 في المئة من إجمالي عائدات البلاد. ففي حين بلغت إيرادات النفط 17 مليار دينار بانخفاض 19.5 في المئة عن الميزانية السابقة، إلى جانب إيرادات غير نفطية تبلغ 2.2 مليار دينار، ارتفعت المصروفات الحكومية بنسبة 11.7 في المئة إلى 26.2 مليار دينار.

ويقول مراقبون إن الخلل لا يعود إلى تراجع أسعار النفط، وإنما يعود -في جانب واحد منه على الأقل- إلى الحسابات الحكومية نفسها؛ فبينما تقدر الميزانية حساباتها على أساس 70 دولارا للبرميل، تبلغ أسعار النفط الحالية 78 دولارا للبرميل، وكانت أعلى من ذلك على امتداد العامين الماضيين، ما كان يفترض أن يحقق فائضا في الميزانية لا عجزا، حتى لو أخذنا بعين الاعتبار تقليص الإنتاج حسب اتفاقات منظمة أوبك.

ويلاحظ الخبراء الماليون أن الكويت لم تستثمر أموالا في مشاريع رئيسية خلال الأعوام الثلاثة الماضية، ما يجعل زيادة الإنفاق الحكومي أمرا يتصل بزيادة المصروفات الحكومية على الرواتب والامتيازات من ناحية، وفشل الخزانة العامة في تحصيل مستحقاتها من ناحية أخرى.

◙ من المفترض أن تحقق زيادة أسعار النفط فائضا في الميزانية لا عجزا، حتى لو أخذنا بعين الاعتبار تقليص الإنتاج حسب اتفاقات أوبك

وفي مؤشّر على أن الخلل يكمن في حسابات المصاريف، كان بوسع الكويت أن تحقق فائضا ماليا منذ عام 2014، بينما كانت أسعار النفط أقل من أسعارها الحالية. وأدى ارتفاع الفائض النقدي إلى زيادة كبيرة في موجودات “صندوق الأجيال”، أو صندوق الاستثمارات العامة، حتى بلغت نحو 700 مليار دولار. إلا أن الخلل امتد إلى هذا الصندوق خلال العامين الماضيين، مما يجعل فكرة “السحب” من موجوداته لتغطية العجز منعطفا خطيرا يدل على تفاقم العجز، حتى أصبح يلحق بالضرر أفضل ما سعى الكويتيون إلى توفيره لمستقبل أبنائهم.

وبحسب وكالة بلومبرغ خسرت الهيئة العامة للاستثمار الكويتية، التي تدير صندوق الثروة السيادي الكويتي، العديد من كبار المدراء، بمن في ذلك رؤساء الأقسام الرئيسية، خلال العام الماضي بسبب تدخلات الوزراء المتزايدة في قرارات الهيئة.

وبحسب مؤسسة الصناديق السيادية العالمية، لم تتمكن الهيئة الكويتية من استثمار أكثر من 2.8 مليار دولار فقط العام الماضي، مقارنة بـ25.9 مليار دولار من قبل جهاز أبوظبي للاستثمار و20.7 مليار دولار من قبل صندوق الاستثمارات العامة في السعودية.

وقال دييجو لوبيز، العضو المنتدب لمؤسسة الصناديق السيادية العالمية، “بالنظر إلى حجم ميزانيتها العمومية وتاريخها الطويل كمستثمر عالمي، فقدت الهيئة العامة للاستثمار الكويتية زخمها مقابل صناديق الثروة السيادية الإقليمية الأخرى الأكثر استقراراً ونشاطاً”.

عبدالله فهد العبدالجادر: يكمن الحل في ترشيد الإنفاق وتحصيل الأموال المستحقة للخزانة العامة للدولة ووقف الفساد المالي
عبدالله فهد العبدالجادر: يكمن الحل في ترشيد الإنفاق وتحصيل الأموال المستحقة للخزانة العامة للدولة ووقف الفساد المالي

وأضاف “أحد الأسباب الرئيسية هو التغييرات السياسية العديدة التي مرت بها الكويت مؤخراً، والتي أثرت على مجلس الإدارة والقيادة التنفيذية لكل من الهيئة العامة للاستثمار الكويتية والمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية”.

والسؤال الأكثر إحراجا الذي يواجه الحكومة الكويتية هو: من أين ستأتي بالمال لتغطية العجز في ميزانيتها؟

ويورد الخبراء ثلاثة حلول: الأول هو الاستدانة. إلا أن العقبة التي تعترض هذا الحل هي أن الاستدانة التي كانت خيارا سهلا في الماضي بسبب انخفاض أسعار الفائدة، لم تعد كذلك الآن. وما لم تتوفر عائدات يمكنها أن تغطي “خدمة الديون”، فإن الاستدانة سوف لن تعدو كونها وصفة جاهزة للمزيد من المخاطر.

والخيار الثاني هو تسييل بعض الأصول للحصول على الأموال. وهو ما يعني أن تبيع الحكومة أصولا واستثمارات تملكها، لتغطي العجز. وهو خيار سلبي آخر، يفاقم تراجع الاستثمارات الخارجية.

أما الخيار الثالث فهو “مناقلة” الأصول النقدية المتاحة في صندوق الأجيال، ولكن بالنظر إلى أن بعض القوانين الخاصة بالسيولة، مثل قانون الدين العام، معطلة منذ عام 2017، فإن الحاجة ستقتضي إصدار قانون يوفر سبيلا للسحب المنظم من الصندوق. وتعتبر مناقشة هذا القانون مسألة حساسة داخل البرلمان.

وهذا ما يدفع خبيرا اقتصاديا كويتيا مثل علي العنزي إلى القول “إنه لا مفر من الاتجاه نحو الاقتراض لسد عجز الميزانية”.

1