عبداللطيف ميراوي تكنوقراطي يقارب مشاكل التعليم العالي بذهنية علمية

يريد عبداللطيف ميراوي، القادم من الفضاء الأكاديمي كرئيس جامعة القاضي عياض في مراكش، أن يعطي دفعة أخرى في مجال إدارة شؤون التعليم العالي والبحث العلمي، وإرساء نموذج جديد للجامعة المغربية منفتح على العالم، رغم أن إصلاح هذا الحقل صعب ومتشعّب وتعوزه إرادة سياسية لربطه بالإصلاح التربوي من جهة، وبالتنمية وتقدم المجتمع وتطوره في مجالات التكنولوجيا، والاقتصاد، والصناعة والزراعة من جهة أخرى.
ووزير التعليم العالي والبحث العلمي مطالب بتطبيق رؤية العاهل المغربي الملك محمد السادس في إصلاح التعليم العالي وتنفيذ العدالة في الجهات، ولكن ذلك يقتضي الأخذ بخصوصية تلك المناطق. وقد وعد ميراوي بإصدار نظام أساسي جديد للأساتذة الباحثين، والانتهاء من إعداد مسودة القانون المنظم للتعليم العالي، بالإضافة إلى تصور جديد للإصلاح البيداغوجي في شموليته، تفاعلا مع عالم تلعب فيه الابتكارات التكنولوجية دورا محوريا، لتأهيل هذا القطاع من أجل الارتقاء إلى مستوى المنافسة العالمية في مجالات عديدة ومواكبة التغير السريع.
الوزير الذي ينتمي إلى حزب "الأصالة والمعاصرة"، يطغى الجانب التكنوقراطي فيه على السياسي، لهذا يؤكد أنه معني بمواكبة الإصلاح الذي تم تدشينه في قطاع التعليم العالي قبل سنوات، وأنه سوف يذهب بعيدا في إطار الاستمرارية. لكن الاتحادات النقابية ترى أن وضع التعليم العالي رهن باستمرار المقاربة الإصلاحية المتسارعة المفروضة من قبل المؤسسات المالية الدولية. وللتعبير عن حسن نيته أطلق ميراوي مشاورات مع الاتحادات المهنية، في إطار برنامج عاجل لرؤية استراتيجية للإصلاح.
القوى البشرية النوعية
المهنيون، من جانبهم، يترافعون من منطلق قربهم اليومي من هذا القطاع، وينبّهون الوزير إلى تراجعات مكلفة لميزانية الدولة، مسيئة لسمعة الجامعة، حيث تم بجرة قلم إلغاء نظام البكالوريوس في سنته الأولى، دون تقديم مبررات واضحة، واستمر نزيف الكوادر الإدارية والتقنية مع إحالة أعداد كبيرة على التقاعد، وتزايد ضغط الاكتظاظ خصوصا في مؤسسات الاستقطاب المفتوح، مع أن ميراوي ينتصر للمقاربة الإصلاحية، معتبرا أن قطاع التعليم العالي غير قابل للمزايدات السياسية أو إرضاء الخواطر على حساب مصلحة البلاد والشباب.
ذلك كله يعني أن المسار الذي اختاره الوزير لا يعجب المهنيين، وأن عليه أن يبذل قصارى جهده في مشروع الإصلاح الجامعي، وتجاوز الأزمة التي يعيشها قطاع التعليم العالي وتأثيرها على الأوضاع الاجتماعية بصفة عامة، للتحقق من مدى ملاءمة خصخصة قطاع التعليم العالي عبر الترخيص لمؤسسات خاصة في تكوينات حساسة كالطب والصيدلة، وما يرافق ذلك من توسع على مستوى الكم، ومع ما صاحب هذا التوسع من توزيع عشوائي للمواقع الجامعية، وضعف في التأطير الإداري والبيداغوجي وفي الطاقة الاستيعابية للمؤسسات.
يقول منتقدو الوزير إنه رفض في وقت سابق الاستماع إلى التقارير المعدة سلفاً من طرف الأساتذة والموظفين والطلبة، في ورش بلورة المخطط الوطني لتسريع تحول منظومة التعليم العالي، ما يعني أن الوزارة لا تولي أهمية كبرى لتقارير وملاحظات هؤلاء، في الوقت الذي تعطي أهمية بالغة للشركاء الخارجيين.

بدورها ترى اللجنة الوطنية لطلبة الطب وطب الأسنان والصيدلة بالمغرب، أن الوضعية الحالية الصعبة داخل الكليات العمومية والمستشفيات الجامعية، وما يعانيه الطالب من صعوبات، جعلتها تدعو إلى البحث عن حلول أخرى لا تؤثر سلبا على جودة التعليم، لضرورة الارتقاء بالحياة الطلابية وتعزيز التأطير البيداغوجي والإداري.
ومع ذلك فالوزير يقول إنه يشتغل في الوقت الحالي مع رؤساء الجامعات على وضع استراتيجية عمل تتعلق بالسنوات العشر المقبلة، والتي تشمل النظام الأساسي للأساتذة، وقانون يغطي جميع المشاكل المطروحة في الجامعات المغربية، ويبدو أنه يحاول الابتعاد عن المتاهات السياسية التي تعيق الإصلاح، ويلحّ على تضافر الجهود لحل كل المشاكل لزيادة الاستثمار في الرأسمال البشري.
طموحات المغرب في مجال الاقتصاد والتقنيات تتطلب بالضرورة كفاءات وقوة بشرية تعزّز من اقتصاد المعرفة والابتكار، فهذه الفكرة حان وقت تطبيقها في الإصلاحات التي تهم قطاع الجامعة المغربية، على اعتبار أن التعليم يعدّ ركيزة أساسية لاقتصاد المعرفة، ومع ارتفاع عدد طلبة التعليم الجامعي ليصل إلى ما يقرب من مليون و177 ألف طالب، يجب أن تكون القراءة المتجددة لهذا الواقع متماشية مع انفتاح الجامعة على سوق الشغل.
المغرب يحتاج إلى جامعة متجددة تغذي اقتصاد المعرفة من خلال توفير الكفاءات، هذه الفكرة التي ترافق ميراوي من قبل أن يتولى منصبه الوزاري، سواء حين كان عضوا في اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي، أو بمكتب المجلس الأعلى للتربية والتكوين، أو رئيسا للجنة الدائمة للبحث العلمي والتقني والابتكار بالمجلس المذكور.
بالنسبة إليه، المغرب في أمسّ الحاجة إلى توجهات تتجاوب مع تحديات ومشاكل اليوم، خصوصا تلك التي تطرح نفسها على شباب المغرب، لأننا لن نصنع شبابا وإنما سنتعامل مع شباب المغرب، الأمر الذي يستوجب أن يكون لدينا إصلاح بيداغوجي شامل.
وإذا كانت الاستثمارات الأجنبية والمحلية تنشد الكفاءات والخيارات الجامعية التي تتوافق مع سوق الشغل، فالوزارة تقوم بتوفير 900 منحة للتميز، ولهذا السبب سيتم إحداث صندوق دعم الابتكار الذي سيولى أهمية كبيرة، مع تقوية المجلس الوطني للبحث العلمي، خصوصا وأن ذلك جاء انطلاقا من مشروع النموذج التنموي، غير أن ميراوي يلح على تحديد التوجهات التي يجب أن تُسخّر لها الإمكانيات المالية والبشرية.
خلق جيل جديد
الشركات تُقدِمُ على الاستثمار انطلاقا من توفير الكفاءات المناسبة والمؤهلة، ونظرا لخبرة ميراوي وأجندته الإصلاحية، فوجود مواد أولية مختلفة ومتنوعة مع غياب الإنسان والكفاءات يجعل من كل ذلك لا قيمة له، والتحفيز الضريبي للاستثمار في مجال البحث العلمي يفرض التقرب من الشركات وإعطائها أولوية الاستثمار في هذا المجال.
الجامعة كما يراها المدير السابق للمعهد الوطني للعلوم التطبيقية في مدينة رين الفرنسية، ليست فقط من أجل توفير التشغيل وإنما ترقية الإنسان والمجتمع، فرهانه حاليا على جيل جديد من الأساتذة الجامعيين المتميزين، ما سينعكس على باقي القطاعات.
وبناء على ذلك يجب تأهيل نحو ألفي أستاذ في السنة، إذ أن حوالي أربعة آلاف أستاذ جامعي من أصل 15 ألفا، هم اليوم من الموظفين حاملي الدكتوراه، هذا الواقع جعل الوزير يقترح أن يكون للدكتوراه نمط دولي، يقوم على تملك اللغات ونقاط القوة القائمة على التجربة في التخصص المطلوب، وهذا من شأنه أن يعوّض الأساتذة الذين أحيلوا على التقاعد، مطالبا بأن تتحول الجامعات إلى مؤسسات للتعليم مدى الحياة، لمواكبة السرعة التي يتغير بها العالم.
◙ الاتحادات النقابية المغربية ترى أن وضع التعليم العالي رهن باستمرار المقاربة الإصلاحية المتسارعة والمتعددة المفروضة من قبل المؤسسات المالية الدولية
لا ينفي الوزير تخبط القطاع في المشاكل والتي يعمل ليلاً ونهاراً لحلها، كما أكد في مناسبات عديدة،، رغم أنه يعي حجم التحدي الذي يسعى لتحقيقه، لهذا جعله بحثه عن الكفاءات لإنجاح مهمته على رأس الوزارة، يقوم بإعفاء مديرة الموارد البشرية ومدير التعاون ومدير البحث، ورئيسة جامعة الحسن الأول بسطات، وهو يرفض وصف الأمر بأنه تصفية لتركة الوزير السابق، فبالنسبة إليه القرار مرتبط بالكيفية التي يعمل وفقها، وكيف يرى الأمور.
يقول إنه يبحث عن الخبرة والكفاءة، ويضيف ”من لا يتوفر عليها لا أجد مشكلة في إخباره بذلك“، وهذا كله يصبّ في رؤيته الإصلاحية، لأنه يريد إعادة الثقة إلى الجامعة المغربية، وأن تُرسل الأسر أبناءها إلى الجامعة وهي مطمئنة عليهم. وكلام الوزير يأتي بعد الفضائح التي تعلقت بـالمال مقابل النقاط والغش والتحرش، التي عرفتها عدد من المؤسسات الجامعية.
وقد واكب ميراوي مشاكل الجامعة التي وصلت إلى ردهات المحاكم في الفترة الأخيرة، ومنها فضيحة خمسة من أساتذتها وقفوا أمام القضاء، بتهم التحرش الجنسي والتلاعب في العلامات، وتم الحكم بالحبس على ثلاثة منهم، وتبرئة اثنين، إلى جانب فضيحة أخرى
أبطالها موظف وثلاثة طلبة ووسيط، مازال التحقيق بشأنها جاريا، والوزارة، حسبما يقول ميراوي، تعتمد استراتيجية “صفر تسامح” مع أيّ حالة مسجلة وعليه يلح في طلبه لإدارة الجامعات بالحزم والتسيير الجيد.
هناك من اتهمه بمحاولة توقيف مجموعة من الأوراش التي أطلقها الوزير السابق دون مبرر، لكنه يصر على أن الوزارة تشتغل في الوقت الحالي بمنطق الاستمرارية مع الشركاء ورؤساء الجامعات لأجل وضع استراتيجية عمل تتعلق بالسنوات العشر المقبلة، والتي تشمل مجموعة من النقاط، من بينها النظام الأساسي للأساتذة، وقانون يشمل جميع المشاكل المطروحة بالجامعات المغربية، فتضافر الجهود لحل هذه المشاكل خاصة المتعلقة بالانتقاء مطلب واقعي، وذلك للزيادة في الاستثمار في الرأسمال البشري.
النهوض بالجامعة والبحث العلمي
الخبير الدولي في قضايا التعليم العالي والبحث العلمي يعمل حاليا على تنفيذ الخطوط العريضة للإصلاح الشامل، وكذا الآليات المقترحة لتنزيله على أرض الواقع، وستكون بداية العام الجامعي 2023 مناسبة لإدخال إصلاحات جوهرية على قطاع التعليم العالي والجامعات ذات الاستقطاب المفتوح التي ستعرف تغييرات كبيرة، بحيث سيتم إدماج تكوينات تستهدف تزويد الطلبة بمهارات لغوية وتقنية وسلوكية تساعدهم على التكيف مع متغيرات سوق الشغل، ومن ضمنها تقييمات جديدة للغة الإنجليزية كأداة تواصل عالمية يجب الاعتناء بها.
المنظور الجديد مبني على مقاربات علمية تستحضر الخصوصيات التي تتميز بها كل جهة، والتعليم اليوم يجب أن يكون وفق مناهج علمية مناسبة لخصوصيات المناطق والطلبة، فمن وجهة نظر ميراوي، الجامعات المغربية في الوقت الراهن تراعي المقاربة المجالية والاختيارات التنموية، على اعتبار أن النموذج الخاص بها يصبو إلى إرساء أسس عدالة ترتكز على رؤية تأخذ بعين الاعتبار التطورات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تشهدها الجهات والأقاليم، وهو ما يتطلب إرساء أقطاب جامعية تستجيب
للأولويات من منطلق مبدأ المساواة والإنصاف، وعلى هذا الأساس سيتم استحداث وحدات جديدة في عهد هذا الوزير مثل "تاريخ المغرب" و"تاريخ العلاقات الدولية للمغرب"، و"المواطنة" و"الحس المدني"، و"وحدات الثقافة والتراث الموسيقي المغربي"، و"التراث المعماري المغربي" و"التراث غير المادي" و"الفن المعاصر" و"التصميم".