عبدالفتاح مورو ذراع الغنوشي في حركة النهضة وظله الذي لا يشبهه

الثلاثاء 2018/01/09
إسلامي غريب الأطوار

فاجأ الجميع حين ظهر ذات يوم في أحد البرامج التلفزيونية مرتديا بدلة عصرية وقبعة، مجسداً شخصية مخرج سينمائي. أثار ظهوره بهذا الشكل دون الجبة والعمامة اللتين دأب على ارتدائهما جدلا كبيرا بين التونسيين، وخصوصا من أنصار حركة النهضة.

لكن ما لم يفهمه “رفاقه” داخل الحركة قبل المعاتبين له خارجها، أن تلك هي صورة الإسلام التونسي التي يداوم الرجل على إظهارها للناس، ليبرز معها الاندماج في محيطه الاجتماعي، حتى وإن كان كثير من الناس وخاصة من المثقفين لا يصدقونها.

“الاعتدال في المنهج أمر مطلوب في زمن عزّ فيه الاعتدال، واختلف الناس ما بين جاف وغال، وترك الطريق الوسط خاليا من السائلين”، ربما هو قول مأثور لكنه منهج في الحياة أيضا لبعض الشخصيات التي تأثّرت بهذا المنهج وسايرت دروبه وخبرت طريقه لتكون جادّة في ما تطمح إليه فعلا وممارسة.

الشيخ عبدالفتاح مورو، القيادي البارز وأحد مؤسسي حركة النهضة في تونس ونائب رئيسها الحالي راشد الغنوشي يحاول أن يكون واحداً من هؤلاء.

ورغم ما يحيط بهذه الشخصية من مغازلة ونفي وإثبات إلا أنها بإجماع المحللين والمتابعين لها لم تجد حظها داخل حركة كان الشيخ مورو أحد مؤسسيها. مواقف نقدية عديدة وجبهات مفتوحة على الرجل حتى في أشد اللحظات زهوا من قياديي حزبه، فيما الرجل يحاول أن يبدو في صورة من ينافح عن الإسلام المعتدل رغم مواقف تبدو مناقضة أحيانا لذلك.

مؤيد قوي للسبسي

الأساس في شخصية مورو، التي تُعرف بطابعها السياسي وفصاحتها اللغوية كلما تكلمت وأدلت بدلوها، يكمن في الازدواجية الظاهرة التي تحملها بتركيباتها المتلوّنة والتي وإن مالت إلى الهروب من شبح التنظيم، إلا أنه ظل يلاحق الحركة التي ينتسب إليها قلبا وقالبا.

وقد لا يخفى على أي متابع ومدقق حصيف في أثر هذا الرجل الذي اكتسب خبرة سياسية طويلة في المراوحة بين مهنتي القضاء والمحاماة، ما أهّله ليكون فصيحا، طليق اللسان، مجادلا شرسا، يسيطر على مخاطبه، وهذا بشهادة متابعيه سواء في الشاشة الصغيرة أو تحت قبّة البرلمان أو في قاعات المحكمة أيضا.

في تونس الآراء متباينة بشأن مورو. هناك من يصفه بالسياسي الداهية، وهناك من يرى أنه المظلوم بين أترابه ممن دخلوا تحت جناح الشيخ راشد الغنوشي ولم يخرجوا منه، على كثرتهم في الحركة، فيما يذهب شق ثالث إلى اعتباره الوجه الإسلامي المعتدل داخل الحركة.

يُعرف مورو في تونس بكونه “غريب الأطوار”، إذ لطالما أثارت تصريحاته في أكثر من مرة الجدل في الساحة السياسية التونسية. الشيخ المتمرّس يخاطب مجادله بلغة لا يفهمها إلا هو. أحيانا يقول الشيء ونقيضه لتمرير رسالته للمتقبّل دون ارتباك أو إحراج. عديدة هي المواقف والتصريحات التي حُسبت على مورو، وعديدة هي المواقف التي استدعي إلى المنصات الإعلامية والبرامج التلفزيونية وفي الإذاعات أيضا لتبريرها وتوضيح موقفه للرأي العالم منها. أكثر من جدل أثاره الشيخ الذي عرفه جمهور واسع من التونسيين بعد ثورة يناير 2011.

لطالما احتار المتابعون في تونس في خروج مورو أحيانا عن النصّ الثابت لحركة النهضة، وتساءلوا هل هو تكتيك متعمّد لتضليل الخصوم في الساحة السياسية؟ ولطالما أثارت مواقفه وتصريحاته خلافات مع أعضاء الحركة، ومنها تحية الإكبار التي وجهها مورو للزعيم الراحل الحبيب بورقيبة الذي ترى حركة النهضة الإسلامية في سياساته معاداة للإسلام وسببا في “تغريب” الشعب التونسي و”إبعاده عن دينه”. هذا التصريح وغيره جعل الشيخ مورو يكون في وقت ما من تاريخ الحركة هدفا للإقصاء من طرف القيادات الموالية للغنوشي.

الآراء تتباين في تونس بشأن مورو. هناك من يصفه بالسياسي الداهية، وهناك من يرى أنه المظلوم بين أترابه ممن دخلوا تحت جناح الغنوشي ولم يخرجوا.

موقف آخر ذهب فيه مورو عكس ما نطقت به قيادات في النهضة حول مسألة المساواة في الميراث التي طرحها الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي مؤخرا. يقول نائب رئيس حركة النهضة خلال برنامج إذاعي إن “ما أعلنه رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي في خطابه في عيد المرأة كان مفاجئا للجميع ولا أحد توقّع مضمونه”. لكنه أكد أيضا أن “السبسي رجل حكيم. هو حكيم ومدرك وفاهم.. والكلمة التي رماها بميزانها، وقد وجهها إلى الإطار الديني وليس إلى الأطراف السياسية”.

خلافات جذرية مع النهضة

بعض المراجع العارفة بشخصية الرجل، تعتبر أن المواقف وغيرها جعلت من مورو الشخصية الأكثر اقترابا من الهوية التونسية، وجعلت العلمانيين على اختلافهم مع الإسلاميين ينقسمون في تقييمهم له، بين محترم ومعاتب، كدفاعه عن الهادي الجيلاني صهر الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي والذي كان وراء تبرئته من تهم الفساد واستغلال النفوذ، وقد برر مورو ذلك بوجوب توفير المحاكمة العادلة لأي متهم بعد الثورة.

خلافات مورو مع حزبه جذورها عميقة. يرجعها البعض إلى حقبة التسعينات من القرن الماضي حين ندّد بالعنف الذي اتخذته الحركة منهجا في التعامل مع السلطة وتصفية من اعتبرتهم حينها خصوما سياسيين. فجاء موقفه منددا بعملية “باب سويقة” التي قتل فيها شباب من الحركة حارسا للمقر المحلي للحزب الحاكم في قلب العاصمة تونس. وفي الوقت ذاته عارض مورو استعمال المياه الحارقة للانتقام من أئمة ومثقفين وقيادات محلية للحزب الحاكم عرفوا بمعاداتهم لحركة النهضة.

كما ندّد أيضا بعملية “ستينغر” التي كانت تهدف إلى إسقاط الطائرة الرئاسية في التسعينات بصاروخ ستينغر، وهي مواقف صرّحت بها الحركة بعد ثورة 14 يناير وقبل حصولها على الترخيص القانوني وهي التي استبعدت بموجبها مورو في زمن مضى، معتبرة أنه حاد عن مبادئ الحركة.

ويميل مدافعون عن مورو إلى أنه لم يكن على علم أصلا بوجود جناح عسكري للحركة رغم أنه كان أمينها العام وهو ما زاد من استيائه منها.

الرافد التونسي للحركة

التنديد والشجب واللعب على أوتار اللغة كلها مفردات يغازل من خلالها الشيخ بزي الجبّة التي يطل به على الدوام خصوم النهضة ويستميت في دور “المروّض” كلما شعرت الحركة بأنها محرجة من موقف سياسي أو تصريح متشنّج لحمائمها المنفلتة على غرار الحبيب اللوز والصادق شورو ووليد البناني وغيرهم.

يقول مورو عن ذلك “أنا لا أخفي أنني مستاء من الحركة، فقد نددت منذ سنة 1991 بالعنف وهو حدث سياسي بالفعل، وطلبت من حركة النهضة وقتها أن تحسم أمورها وتتخذ موقفا حازما ضد العنف. إلا أنها عوض الإجابة عن الموضوع وبيان أسباب ذاك العنف للرأي العام التونسي، سارعت إلى تجميد عضويتي. أنا ناديت منذ 30 عاما بتخليص حركة النهضة من صبغتها الدعوية والخروج بها إلى عالم السياسة كحركة سياسية تتعايش مع بقية مكوّنات المجتمع وتساهم في بناء المجتمع”.

مواقفه وتصريحاته تثير خلافات كبيرة لمورو مع أعضاء حركة النهضة، ومن بينها تحية الإكبار التي وجّهها للزعيم الراحل الحبيب بورقيبة.

ولد مورو في غرة يونيو سنة 1948 بالعاصمة تونس. وتقول بعض المصادر إنه تأثر بالطريقة الصوفية العلوية. درس في المعهد الصادقي بتونس ثم انتقل إلى كلية الحقوق التي عرفته بالجبة التونسية. كما تجمع هذه المصادر على أنه درس في جامع الزيتونة، وكان له الفضل في جلب تعاطف الزيتونيين في بداية الحركة حين كانت جماعة إسلامية، إذ كان خطيبا مفوها من مسجد إلى مسجد.

رعاه علماء زيتونيون بارزون منهم محمد الصالح النفير والهادي بالسرور وقدّموه في مساجد العاصمة تونس. ويمثّل الشيخ مورو الرافد التونسي داخل حركة النهضة التي تأسست سنة 1972 تحت اسم الجماعة الإسلامية والتي اقتصر نشاطها على الجانب الدعوي. وكانت هناك رؤيتان متناقضتان للدعوة عكستهما مقالات مجلة المعرفة التي كانت معبّرة عن الجماعة. الرؤية الأولى زيتونية وأبرز ممثليها مورو، والثانية إخوانية مشرقية كان يعبّر عنها راشد الغنوشي وجماعته.

غيّرت الجماعة اسمها في يونيو 1981 إلى “الاتجاه الإسلامي” في مؤتمرها العلني الأول، ومنع “الاتجاه” من النشاط القانوني واعتقلت أغلب قياداته ومنها الشيخ عبدالفتاح مورو وراشد الغنوشي وصالح كركر وحُكم عليهم بعشر سنوات سجنا خلصتهم منها وساطة محمد مزالي رئيس حكومة بورقيبة في الثمانينات من القرن الماضي، والذي رأى في الإسلاميين المتأثر غالبهم بالثورة الإيرانية قوة مضادة لليسار المتغوّل في تلك الفترة.

وتوّجت وساطة مزالي برسالة أرسلها مورو إلى بورقيبة يؤكد فيها التوجه السلمي للحركة وعدم تعارضها مع الحداثة ورفضها للعنف وللولاء الأجنبي بخاصة الإيراني منه، ليكون مورو السبب في السماح للحركة بالنشاط حتى من دون حصولها على ترخيص بعد دعوة مزالي لمورو والغنوشي إلى منزله، ليعلن في تلك الفترة عن الزيجة التي جمعت الحركة بالسلطة، لكنها لم تدم طويلا لأن الحركة سرعان ما اختارت منهج المواجهة الذي لم يكن مورو من مناصريه عند إقالة حكومة مزالي.

القاضي الذي يجمع الطوابع

عديدة هي المتناقضات التي جمعت الشيخين في “جبة” الحركة وعسيرة هي الأدوار التي اضطلع بها مورو في الحكم على المواقف القيادية منذ التأسيس وما حام حوله، مرورا بالحكم ونتج عنه، وصولا إلى سياسة المراجعة وما خفي منها، لكن أيا من هذه الفصول لا يمكن أن يلغي صفة تغوّل التنظيم التي سبغ عقول أغلب قياداتها رغم المنطوق الذي يخرجون به للناس.

الشيخ المتمرّس يخاطب مجادله بلغة لا يفهمها إلا هو. وأحيانا يقول الشيء ونقيضه لتمرير رسالته.

ابتدأ مورو مشواره المهني كقاض. واستنادا إلى بعض المصادر فقد فرضت عليه حركة النهضة الاستقالة التي رفضها في البداية متمسّكا بمهنته، إلا أن معاداة الحركة للقوانين التونسية (الوضعية وغير الإسلامية) فرضت عليه الانتقال إلى قطاع المحاماة الذي استثمر فيه كل جهوده أثناء فترة محاصرته وعزلته الإجبارية.

لم يغادر مورو تونس منذ عودته إليها في العام 1988. تقول المصادر إنه كان يؤثث حياته بالعمل على جمع الطوابع البريدية التي يمتلك منها مجموعة نادرة جدا بعد خروجه من السجن، والذي قاد من داخله مفاوضات مع ممثّل بورقيبة أسفرت عن إطلاق سراح 800 ناشط في حركة الاتجاه الإسلامي من بينهم قياديون ينشطون حاليا في النهضة.

ربما يرى الكثيرون أن أفضال مورو على حركة النهضة كبيرة، فيما كان الحدث الأبرز باستبعاده منها. يقول مورو “هناك مساع داخل حركة النهضة لاستبعادي. تم استدعائي للاحتفال بالذكرى 32 لتأسيس الحركة في آخر لحظة”، ويضيف “قلت في كلمتي إن النهضة استبعدت من الحياة السياسية ولا يجب أن تستبعد غيرها، فتمت مقاطعتي بالتصفيق”.

تلك التصريحات، وغيرها، وإن عكست في توقيتها والأزمان المختلفة التي جاءت فيها علاقة مورو ببقية مكوّنات الحركة، فإنها في المقابل أظهرت ارتباكا وضعفا في القيادة التي كان يسيطر عليه فكر التنظيم أكثر من الصبغة المدنية، وهو ما يرى فيه متابعون أخطاء قاتلة كبيرة ارتكبتها النهضة بعد الثورة وأبرزها عجزها عن كبت عقدة الزعامة التي سكنت زعيمها وجعلته لا يمتثل للمؤسسات طيلة فترة حكمها لتونس في حقبتي الترويكا الأولى والثانية.

سقوط حكم الإسلاميين

يعترف مورو في حديث عن تجربة الإخوان في مصر بالقول “شخصيا، اعتبر أنه ليس لنا علاقة عضوية مع الإخوان، وهذا أعلناه منذ العام 1978، حين انفصلنا عضويا عنهم. لكن تجربتهم هي أكثر التجارب الإسلامية اهتماما من قبلنا، وذلك لقيمة مصر وما يحدث بها ومدى تأثيرها على الحراك الإسلامي في تونس. والنهضة تأثرت بما حدث في مصر. سقوط الإسلاميين من الحكم في مصر، أثّر بشكل كبير على موقفنا من الفرقاء السياسيين في تونس”.

ويربط البعض ذلك بالمراجعات التي ادعت النهضة القيام بها والتنازلات التي قدمتها ومازالت تقدمها، لكن أيّا من هذا أو ذاك قادر على احتواء الصبغة التنظيمية التي ظلت تهمس للقيادة داخل الحركة مهما ادعت المدنية ومهما تبرّأت من ثوب التنظيم.

لكنّ مراجع مطلّعة تقر بأن الصورة تغيّرت بعد سقوط حكم الإخوان في مصر بقيادة محمد مرسي في 30 يونيو 2013، حينها بدأت النهضة تستشعر الخطر الذي أضحى يتهدّدها، وأن الدور ربما آت عليها في ظل إجماع إقليمي ودولي يرى في حكم الإسلاميين مشروعا خاسرا وغير قادر على تلبية مطالب الشعوب الطامحة للتنمية وتحقيق العدالة الاجتماعية، وهو ما تأكد فعليّا بخروج هؤلاء من الحكم.

13