عبدالرحيم واكد يستنطق "نبضات الزمن" بأساليب وتقنيات متنوعة

عمّان - يقدم التشكيلي الأردني عبدالرحيم واكد في معرضه الشخصي العاشر، محطات من تجربته الفنية التي تظهر أبرز التحولات والتقنيات، سواء لجهة الموضوع أو التكوين، أو المواد المستخدمة في تنفيذ أعماله.
ويحمل المعرض الذي يشتمل على خمسة وثلاثين لوحة، عنوان “نبضات زمن”، وهو عنوان يعبّر عن تجاور الأعمال التي أنجزها الفنان سابقا مع تلك التي أنجزها أخيرا، فكأنما هو “ترحال يحمل المشاهد على التأمل في منجَز استمر عبر عقود.”
ويوضح الفنان المولود في غزة عام 1945، أن المعرض المقام بالمتحف الوطني الأردني للفنون الجميلة يحاول إبراز القضية الفلسطينية التي هي “بوصلة العالم العربي”، فمنح عددًا من اللوحات أسماء توضح هذا الاهتمام، فكانت لوحة “حق العودة” التي صوّر فيها المجاميع البشرية التي تتطلع إلى الحرية والاستقلال، ولوحة “النزوح القسري” التي تمثل مقاومة الناس وتمسّكهم بأرضهم، ولوحة “مخيم رفح” التي طغى عليها اللون الأحمر، في إشارة رمزية إلى ما يُرتكب من جرائم بحق الشعب الفلسطيني.
لوحات حاشدة بالتفاصيل الحيوية والرموز السردية والكثافة اللونية التي تتوزع على كامل السطح لتثير وجدان المشاهد
إلى جانب ذلك، قدم الفنان التشكيلي الأردني أعمالا تستمد موضوعاتها من الطبيعة، وغلبت عليها الألوان المبهجة من الأخضر والأزرق والترابي، وصوّر في بعضها فصل الشتاء، ومواسم قطف الزيتون، وجماليات القرية في فصل الربيع. وتجلى البعد الرمزي في هذه الأعمال التي تحيل إلى المحبة والعطاء، بينما جاء عدد من الأعمال بلغة تجريدية، تُبرز القدرة على توزيع الكتل اللونية وتجاور الأشكال.
ويؤكد الفنان على اهتمامه بالبعد الزمني في أعماله، موضحا أن الزمن له أثر كبير في اختياره الألوان، فضلا عن أنه وسيلته للتعبير الرمزي عن الرسالة التي يريد بثّها داخل مفاصل العمل.
والمتتبّعُ لتجربة الفنان يلحظ تبنّيه المدرسةَ الواقعية التي نفّذ من خلالها لوحات تركز على جمال الريف والبادية، كما تناول بشكل واسع إيقاع الحياة اليومية لسكان المخيمات، مبرزا جوانب من التراث الفلسطيني والبيئة الحاضنة له.
إلى جانب ذلك، فإن الدّمج بين التعبيرية والتجريدية والتكعيبية جليّ في تجربة واكد المنفذة وفق تقنيات الأكريليك على القماش، والطباعة والطَّرق بالنحاس وغيرها، وهو في ذلك يعي أهمية توزيع الأشكال التي تقارب الهندسية على أسطح لوحاته، مع مراعاة أن تتناسق هذه التشكيلات مع الألوان المتجاورة في صيغة جمالية تُبرز قوة الظل والضوء، ومعاني الرموز التي تتضمنها والإشارات التي تحيل إليها، والتي تنطوي عموما على رسالة إنسانية.
لذا نجد تكرارا لثيمة الحمامة التي تحمل رسالة السلام، واعتناء برسم القباب والأبواب والشبابيك ذات الأقواس، وإظهار الزي الفلسطيني الذي ترتديه الشخصيات، وحضور الورد والأشجار التي ترمز إلى المحبة والجمال. إنها لوحات حاشدة بالتفاصيل الحيوية، والرموز السردية، والكثافة اللونيّة التي تتوزّع على كامل السطح، لتثير وجدان المشاهد وترسم له دربًا من الأمل والتفاؤل بغد حر.

ويرى عبدالرحيم واكد أن الفن في جوهره “ذاتي فردي”، يعبّر به الفنان عما يعتمل في عقله من أفكار وهواجس، بعضها قد يرتبط بالواقع الذي يعيشه، لكن بعضها الآخر قد يأتي ليحمل قيمًا جمالية وحسب، تتجلى عبر استخدامه الألوان المتناسقة والخطوط المدروسة، مع مساحات تكوينية مريحة للبصر. ويضيف “إذا استطاع الفنان التشكيلي أن يصوغ موضوعاته في قالب فني جميل، فقد حقق هدفين في آن واحد يرتبطان بالأرض والإنسان، ويستطيع أن يدلي بريشته في القضايا المطروحة للنقاش، ويطرح وجهة نظره لحلها ويسهم في إيجاد جيل واع مثقف فنيا وفكريا.”
واكد الذي ولد في مدينة غزة وتخرج من مدارسها حتى المرحلة الثانوية، درس مادة الفن في معهد الفنون الجميلة التابعة لوزارة الثقافة الأردنية لمدة 16 عاما. حصل على درجة بكالوريوس الدراسات الفنية في الفنون الجميلة من جامعة القاهرة عام 1969. وعمل في سلك التعليم وتدريس الفنون الجميلة، والإخراج الصحفي، وهو عضو مؤسس لاتحاد الفنانين التشكيليين الفلسطينيين بالقاهرة عام 1966.
بدأ عبدالرحيم رحلته الفنية عبر المدرسة الواقعية، حيث نقل لوحاته من الأرياف المصرية والبادية والطبيعة حتى بدايات السبعينات من القرن الماضي، وعندما عاد من مصر شغلت أعماله حيزا واسعا من المواضيع الفلسطينية. ثم اتجه في التسعينات لتحويل أسلوبه وموضوعه فأصبح يرسم المخيم والحياة اليومية بالإضافة إلى استعماله للأساليب التعبيرية والتعبيرية التجريدية، حيث شملت أعماله الشخوص وعناصر ترتبط بالتراث والبيئة الفلسطينية، التي استخدمها بتقنية الألوان الزيتية والمواد المختلفة على القماش. ويعتمد واكد على التنوع في طرح الموضوعات، وذلك لأنه عاش متنقلا ما بين غزة ومصر وسوريا ولبنان والسعودية إلى أن استقر في عمّان.
وطوال تجربته الممتدة على عقود، عرف واكد باستخدامه العديد من المواد المتنوعة في تنفيذ أعماله بين الرسم الزيتي أو الأكريليك على القماش، إضافة إلى بعض المواد الأخرى مثل الطرق على النحاس والطباعة.