عباس أمام تحدي "القرارات الصعبة" أو الاستسلام لواشنطن

رام الله – كرر الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبومازن)، في اجتماع المجلس المركزي الفلسطيني، خطابا شائعا فيما كان يتوقع مراقبون اتخاذ قرارات مصيرية، خصوصا ما يمس صفقة القرن، بعد يومين من زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لسلطنة عمان في مسعى للتقريب بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وبموافقة أميركية.
ووعد عباس في خطابه مساء الأحد بـ”قرارات غاية في الأهمية والصعوبة” دون أن يحدد طبيعتها. وقال “لا دولة في قطاع غزة ولا بدونها”، في إشارة إلى ما يقول إنه محاولات فصل القطاع عن الضفة الغربية.
واتهم قادة الفصائل، ومنها حركتا حماس والجهاد الإسلامي والجبهتان الشعبية والديمقراطية، التي قاطعت اجتماع المجلس المركزي بـ”المتآمرين”، وقال “عار على من يقاطع اجتماعات المجلس في ظل ما يحيط بقضيتنا”. وتمسك عباس بـ”القدس الشرقية عاصمة لدولتنا”، رافضا أن تكون القدس عاصمة لدولتين، و”الدولة بحدود مؤقتة”.
وأكد عباس أن “المرحلة التي نمر بها، قد تكون أخطر المراحل التي عاشها شعبنا الفلسطيني، وإننا أمام لحظة تاريخية إما أن نكون وإما لا نكون”.
ويرى مراقبون أن السلطة تود من خلال هذه الاجتماعات بعث رسائل جديدة تتعلق بمسائل الهدنة في غزة والمصالحة بين فتح وحماس والجوانب المتعلقة بصفقة القرن.
وافتتح المجلس المركزي، وهو بمثابة برلمان مصغر يضم 150 عضوا، أعماله في رام الله بمقر المقاطعة ظهر الأحد.
ويعقد المجلس على خلفية تعثر جهود المصالحة التي تبذلها القاهرة لترتيب المصالحة بين قطاع غزة والضفة الغربية، فيما تسرّب عن حركة حماس ما مفاده انقلاب في الأولويات لجهة الذهاب في المفاوضات الحالية لإرساء هدنة طويلة الأمد بين غزة وإسرائيل دون أن تكون مشروطة بالتوصل إلى مصالحة بين فتح وحماس.
وتعقد الدورة الثلاثون للمجلس المركزي تحت عنوان “الخان الأحمر والدفاع عن الثوابت”.
وقال رئيس المجلس الوطني سليم الزعنون، الأحد، إن “القرارات التي سيتخذها المجلس المركزي، لها أثمان غالية وتبعات كبيرة، لأن الهدف منها حماية المصالح العليا لشعبنا، والدفاع عن ثوابته الوطنية في تقرير المصير والعودة وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، إلى جانب حماية وحدتها الجغرافية والسياسية، وإفشال محاولات فصل غزة، وتكريس حكم ذاتي في الضفة”.

وتلمّح بعض المصادر الفلسطينية المطلعة إلى إمكانية أن يتخذ المجلس “قرارات هامة”، في وقت يقلل فيه بعض المحللين من أن تكون لتلك القرارات أي تداعيات كبرى على الواقع الفلسطيني الحالي، سواء تلك المتعلقة بالبيت الفلسطيني الداخلي أو الأخرى المتعلقة بالعلاقة مع إسرائيل.
ووفق مسؤولين في القيادة الفلسطينية، فإنه سيتم اتخاذ قرارات مصيرية، في ما يتعلق بالعلاقة مع الولايات المتحدة، وإسرائيل، وحركة حماس، ووضع آليات لتنفيذ القرارات التي تم إقرارها في دورات المجلسين الوطني والمركزي السابقة.
ويبحث المجلس المركزي مسألة حل المجلس التشريعي الذي تمثل حركة حماس الغالبية داخله.
ويناقش المجلس مسائل وقف التحويلات المالية إلى قطاع غزة، وسط ضغوط مصرية ودولية لدفع الرئيس الفلسطيني إلى تليين موقفه في هذا الصدد وإبداء مرونة، من ضمن جهود مصرية لتخفيف الحصار عن قطاع غزة.
غير أن رئيس المجلس الوطني سليم الزعنون (أبوالأديب) نفى حل المجلس التشريعي في هذه الدورة، فيما حذر خبراء في القانون من خطورة المسألة واستبعدوا أن يجرؤ عباس على حل التشريعي بحيث يصبح المجلس المركزي برلمانا وتلغى كل الصيغ الدستورية الأخرى.
وقال رئيس المجلس الوطني، سليم الزعنون، إن “الهدف من عقد الدورة يتمحور حول وضع آليات تنفيذية للقرارات الصادرة عن المجلس الوطني في دورته الأخيرة، وكذلك القرارات الصادرة عن المجلس المركزي في دوراته السابقة”.
وفي آخر اجتماع له في رام الله قبل أشهر أحال المجلس الوطني الفلسطيني، الذي يمثل الفلسطينيين في كافة أماكن تواجدهم ويعتبر أعلى هيئة تشريعية فلسطينية، كافة صلاحياته إلى المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية.
وتقول بعض المعلومات إن الجدل حول مقاطعة غزة داخل كواليس السلطة الفلسطينية ما زال يميل نحو خيار عباس في “عدم تمويل الانقلاب”.
وأضافت المعلومات أن لا جديد يوحي بالعودة عن قرار الرئيس الفلسطيني وقف تحويل الميزانيات نحو القطاع فيما هو متمرد على القيادة الشرعية الفلسطينية لصالح أجندات خارجية.
وتتخوف السلطة الفلسطينية من عملية يراد منها إبرام اتفاقات بين إسرائيل وحماس متجاوزة شرعية السلطة الفلسطينية.
وتقول بعض المصادر إن ما يراد له أن يتم تحت عنوان إرساء هدنة قد يتحول إلى ما هو أبعد من ذلك يكرس اعترافا دوليا بوجود كيانين فلسطينيين منفصلين.
وفيما تكرر مصادر القاهرة تمسكها بشرعية السلطة الفلسطينية وإصرارها على أن تكون رام الله جزءا من عملية التهدئة مع غزة، تذهب مصادر رام الله إلى أن قيادة السلطة لن تقبل بتقديم شرعية لما يحاك من وراء ظهرها.
غير أن مقاطعين لاجتماعات المجلس المركزي يعتبرون أن الحضور لن يتجاوز الجسم الفتحاوي، متهمين الحضور بأنه من “موظفي السلطة”.
ويرى مراقبون أن هذه الاجتماعات تحولت إلى أداة من أدوات السياسة التي تتركز قراراتها في يد الرئيس الفلسطيني، وأن قراراتها تأتي لتتناسب مع رؤى عباس وخياراته دون أي اعتبار لرأي بقية الفصائل المنضوية داخل منظمة التحرير الفلسطينية.
ويغيب عن اجتماعات المجلس المركزي عدد من الفصائل الرئيسية في منظمة التحرير، وهي الجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، بالإضافة إلى حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية، فضلا عن غياب حركتي حماس والجهاد الإسلامي.
وكانت حركة حماس اعتبرت أن المجلس غير شرعي وقراراته ضارة بالشعب والقضية. وحملت حماس، في بيان، كل من يشارك في المجلس المركزي، جزءا من المسؤولية، فردية وجماعية، عن التداعيات السلبية لانعقاده وقراراته.
وعزت حركة المبادرة الوطنية عدم مشاركتها إلى سياسة الاستمرار في عدم تنفيذ قرارات المجلسين الوطني والمركزي السابقة.
وأصدرت قوى فلسطينية بيانا طالبت فيه بتأجيل المركزي والبدء بـ”خريطة الطريق السياسية الوطنية” التي تم إقرارها منذ زمن، والدعوة إلى لقاء في القاهرة لترتيب المؤسسة الرسمية الشرعية، والبدء في بناء أسس الدولة تحت الاحتلال.
وتخوف مراقبون من أنه إذا ما أصر عباس على حل التشريعي، فإن ذلك سيعتبر نهاية لمنظمة التحرير ويشرع الباب واسعا أمام توزع وتشتت للتمثيل الفلسطيني، لا بل لن تعود هناك شرعية لأي من المؤسسات بما فيها شرعية الرئيس والحكومة والمجلس المركزي نفسه، وإنهاء العمل بالقانون الأساسي (الدستور) للسلطة نفسها.
وقبل أشهر، كلف المجلس المركزي الفلسطيني “اللجنة التنفيذية” لمنظمة التحرير بـ”تعليق الاعتراف بإسرائيل”، ردا على قرار الولايات المتحدة الاعتراف بمدينة القدس المحتلة عاصمة لإسرائيل.
كذلك، قرر المجلس “وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل، ووقف العلاقات الاقتصادية معها”، دون الخوض في تفاصيل توقيت دخول تلك القرارات حيز التنفيذ.
وتوقف المراقبون عند استقبال الرئيس الفلسطيني المستشار سالم بن حبيب العميري مبعوث السلطان قابوس بن سعيد سلطان عمان الأحد. ويأتي هذا اللقاء بعد يوم على زيارة قام بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى مسقط وبعد عدة أيام على زيارة قام بها الرئيس محمود عباس إلى العاصمة العمانية.