عام على حكم طالبان.. الأفغان يتعلقون بآمال هشة في تحسن الأوضاع

كابول - في العام الماضي كانت أمينة (34 عاما) التي تعمل قاضية، تستقل سيارتها في طريقها إلى إحدى المقاطعات، عندما وصل إلى سمعها أنباء عن سقوط كابول بين أيدي ميليشيات طالبان.
وتصف أمينة أحداث يوم لن يغيب عن ذاكرتها مطلقا، فتقول “رأينا وقتذاك سيارات طالبان تتحرك صوب كابول، وشعر أفراد أسرتي بالقلق”، وطلبت من سائق سيارتها أن يعود بها إلى أسرتها في كابول.
وتضيف “شعر كل فرد منا بالخوف، ولم يكن بوسع أحد أن يعلم ما الذي ستأتي به الأحداث”، ذلك لأن الذعر ساد في جميع الأرجاء في الخامس عشر من أغسطس 2021، وتتابع قائلة “كنا نجري هنا وهناك ونحرق الوثائق التي لدينا”.
وكان استيلاء حركة طالبان على الحكم بمثابة صدمة، ولكنه لم يكن يثير دهشة الكثير من الأفغان، الذين كانوا يتابعون تطورات الأوضاع بخوف على مدى سنوات. فقد تم توجيه الاتهام إلى القيادة السياسية في البلاد مرارا بالفساد، بينما انخفضت الروح المعنوية بشكل متسارع في صفوف الجيش.
الأفغان قد يكونون غير راضين عن الحكومة السابقة، ولكن لم تكن لديهم فكرة عن أن الأمور ستصبح أكثر سوءا
واتخذت الحكومة خطوات يائسة مع تدهور الوضع الأمني، وفي هذا الصدد تقول أمينة “تلقى زملائي القضاة مسدسات، وأنا أيضا حصلت على مسدس، وعندما بدأ أفراد ميليشيا طالبان عمليات التفتيش من بيت إلى بيت في العاصمة كابول، ألقيت بالمسدس من النافذة ليلا حتى لا يعثروا عليه”.
وهذ القصة التي حكتها أمينة - وهذا ليس هو اسمها الحقيقي - مألوفة لدى الكثير من الأفغان، الذين عاشوا أثناء العقدين الأخيرين اللذين سادتهما الاضطرابات.
وهي تتذكر الفترة التي حصلت فيها حقوق المرأة على دفعة في أفغانستان، بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للبلاد، وأدى إلى الإطاحة بحكومة طالبان وقتذاك، بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر.
وأثناء الفترة الأولى من حكم طالبان وقبل الغزو الأميركي، لم يكن من المتصور أن تفكر أي امرأة في تولي منصب في القضاء، وتعلق أمينة على ما آل إليه الحال بعد عودة طالبان إلى السلطة، وتقول “إنني لا زلت لا أستطيع أن أتقبل نهاية الحلم الذي عملنا من أجل تحقيقه، فقد درسنا عدة سنوات وأدينا عملنا بجد واجتهاد”.
وهي تتذكر كيف كانت تبدأ أيامها، وهي مليئة بإحساس أنها تؤدي عملا له قيمته، وتقول “في ذلك الوقت كانت تملأني مشاعر الشجاعة والفخر، كلما استيقظت من نومي في الصباح، لأنني كنت أرى أن يوما جديدا ينتظرني، وحيث أنني كنت أعمل قاضية فقد تمتعت بقدر كبير من الاحترام”.
ولأن الصراع مزق أفغانستان أكثر من أربعة عقود، فقد مال الكثير من السكان إلى تصديق وعود طالبان بإحلال السلام والأمن في البلاد.
لكن الذي حدث هو أنه ظهرت انتقادات واسعة النطاق، منذ أن عادت طالبان إلى الحكم، حيث أصبحت البلاد تعاني من كارثة إنسانية، مع مواجهة نحو نصف السكان أزمة غذائية حادة.
كما أشارت عدة منظمات حقوقية، إلى أن حكومة طالبان لا تراعي حقوق الإنسان، كما أنها تستبعد النساء من الحياة العامة.
ومن جهة أخرى تصر طالبان على أنها حررت البلاد من “قوة احتلال”.
وما جاء كتطور مثير للدهشة بالنسبة إلى الكثيرين، هو السرعة التي سقطت بها البلاد بين أيدي الميليشيات، حيث تم الاستيلاء على كابول دون أي قتال.
ويعلق تميم عاصي وهو مسؤول سابق بالحكومة السابقة، على هذا السقوط السريع بقوله، “كان الجميع يعلمون أن الانهيار قادم، غير أن المفاجأة تمثلت في التوقيت” ويشير إلى أن الأسباب التي أدت إلى ذلك معقدة.
ويوضح أن الجيش كان يفقد يوميا ما يصل إلى 120 جنديا في 2021، في وقت كانت فيه القوات المسلحة غارقة في الفساد، وعدم الكفاءة على مستوى القيادات.
ويشير عاصي إلى سؤال يتردد يقول، إنه “إذا كانت جيوش الغرب الأكثر خبرة، غير قادرة على هزيمة طالبان، فكيف يستطيع جيش غض مثل الجيش الأفغاني هزيمتها؟”.
ويؤكد عاصي أن أسوأ ضربة أدت إلى خفض الروح المعنوية للجيش الأفغاني، هي معاهدة السلام بين الولايات المتحدة وطالبان، التي أبرمت في فبراير 2020، ودفعت الكثير من الجنود إلى التساؤل، “إذا كانوا يتوصلون إلى سلام مع أولئك الأشخاص، فلماذا يجب علينا أن نقاتلهم”.
ويشير أيضا إلى الدور الذي قامت به قوى إقليمية، في تمكين طالبان من تولي السلطة، ويقول عاصي إن الكثير من حكومات الدول المجاورة أرادت إفشال سياسات الناتو والولايات المتحدة في أفغانستان، وبالتالي قامت بمساندة طالبان.
ويلقي عاصي أيضا باللوم على الحكومة الأفغانية السابقة، ويقول إن هروب الرئيس غاني من البلاد أدى إلى التسليم بمصير البلاد، ويضيف أنه “لم يستطع توحيد البلاد أو النخبة، وهو كان يعلم لغة الغرب ولكنه لم يكن يعلم لغة شعبه، وكان هروبه مجلبا للعار”.
وبينما تقول أمينة إن الكثيرين من سكان أفغانستان، يتعلقون بحبال هشة من الأمل، ويريد الشباب وعائلاتهم أن يواصلوا التعليم، على أمل أن تتحسن الأوضاع ذات يوم.
وهي ترى أن مستقبل البلاد مظلم، وتقول قد يكون السكان غير راضين عن الحكومة السابقة، ولكن لم تكن لديهم فكرة عن أن الأمور يمكن أن تصبح أكثر سوءا.
وفي إشارة إلى معدلات مشاعر اليأس وفقدان الأمل، تقول أمينة “على المدى الطويل، يجب افتتاح المزيد من عيادات علاج الأمراض النفسية في كابول”.