عام النمر

في أغسطس 1946 ذهبت الصحافية الأميركية آنا لويز سترونغ لإجراء مقابلة مع الزعيم الصيني ماو تسي تونغ الذي طرح في إجابته عن أحد الأسئلة نتيجة مفادها أن جميع الرجعيين هم "نمور من ورق".
استخدمت الصحافية المصطلح الإنجليزي بمعنى الفزاعة لترجمة "نمر من ورق"، لكن ماو أبدى امتعاضه من ذلك، وأكد أنه لم يقصد ذلك الاستنتاج، وإنما كان يعني حرفيا مفردة النمر الورقي، وبالتحديد "نمر من ورق".
بعد الإعلان عن المقابلة انتشر مصطلح "النمر من ورق" حول العالم، وأصبح متداولا بين الناس بشكل واسع. عندما زار وزير الخارجية الأميركي هنري كيسنجر الصين في العام 1971 كانت الجملة الأولى التي واجه بها ماو تسي تونغ هي "السيد الرئيس اخترع كلمة إنجليزية".
الإشارة إلى النمر الورقي، تدفع بنا مباشرة إلى التفكير في النمر الحقيقي الذي يحتل مكانة استثنائية لدى الشعوب الصينية. في الأول من فبراير دشنت الصين عام النمر الذي يرمز إلى القوة والحيوية والحظ السعيد، فالنمر سيد القطط الكبيرة، ويعتبر ملك الوحوش في ثقافة الصينيين وهو أجمل حيوان بري على الإطلاق، وقد تحول لديهم منذ آلاف السنين إلى رمز للحكمة والجلالة والشجاعة والقوة، حتى أنهم جعلوا منه نصبا للعبادة، ومدارا للإيمان، ومصدرا للإلهام، ومحورا للإبداعات الفنية والثقافية، وهناك قول مأثور في اللغة الصينية يفيد بأن "مرافقة الملك مثل مرافقة النمر".
وتشير الحفريات الأثرية الأخيرة إلى أن أسلاف الصينيين كانوا يجمعون عظام النمر وأجزاء الجسم منذ أكثر من 10000 عام، ووفقا للأسطورة يتم تحويل مخالب النمر إلى تمائم، مما يبدد الخوف ويمنح مرتديها شجاعة القطط الكبيرة التي لا تقهر.
ويُعتقد أن لأجزاء أخرى من جسم النمر خصائص طبية أيضًا، حيث تستخدم بعض أعضائه كمسكنات للألم ومثيرات للشهوة الجنسية.
ومن النتائج المؤسفة لهذه المعتقدات التقليدية أن أعداد النمور قد تراجعت بشدة، وأصبح الانقراض احتمالًا حقيقيا.
وقوة النمر جعلت الصينيين يقارنون بينه وبين التنين من خلال الأمثال والمأثورات الشعبية، ويضعونه في مقام أهم من مقام الأسد، وإذا كانت أغلب الشعوب تتحدث مثلا عن "عرين الأسد" فإن أهل الصين يتحدثون عن عرين النمر الذي يرمز إلى القوة والحيوية والحظ السعيد.

ويحتل النمر المرتبة الثالثة في الأبراج الصينية ويعتبر عموما حاكم جميع الوحوش في العالم، وينظر إلى مواليد عام النمر على أنهم أبطال ومتفائلون ومتسامحون وكرماء، ويمكنهم أن يعيشوا حياة طويلة وهم طيبون كقادة مخلوقين ليكونوا في الصدارة.
والنمط الموجود على جبين النمر يبدو تجسيدا للحرف الصيني لكلمة "ملك"، لذلك فالنمر هو ملك الغابة لدى الصينيين، وذلك النمط تحول إلى رمز للحاكم وإلى لقب يطلق عل المئات من العائلات الصينية الكبرى.
وهناك عقيدة متوارثة تقول إن النمور حيوانات قوية للغاية يمكنها درء ثلاث كوارث كبرى في الأسرة: النار والسرقة والشر، وغالبا ما يتم تعليق رسومات النمر على الحائط المواجه للبوابة بحيث تخشى الشياطين الدخول. وفي العصور القديمة كانت صورة النمر المهيبة تنقش على التعويذة العسكرية للجنرالات عندما يتجهون إلى ساحات المعارك، كما كانت عادة ما تمثّل تتويجا للشخصيات الكبرى في مساراتها المهنية حيث ترتبط الترقيات بوسام النمر.
وفي جميع مجالات الثقافة التقليدية، مثل الكتابة واللغة والشعر والأدب والنحت والرسم والرواية والأوبرا والفولكلور والأساطير والقصص وأغاني الأطفال وما إلى ذلك، فإن صورة النمر موجودة في كل مكان، ولقد أصبحت جزءًا لا غنى عنه من الحضارة الصينية.
حتى في الصين المعاصرة يرتدي بعض الأطفال قبعات وأحذية رأس النمر لدرء الأرواح الشريرة، وينام بعض الناس على وسائد رأس النمر لتقوية أنفسهم.
وفي عام النمر كتب الأطفال كلمة "ملك" باللون الأحمر على رؤوسهم، والتي يبدو أنها تعزز طاقتهم وحيويتهم.
أهلا بعام النمر، فنحن بحاجة إلى الفأل الحسن الذي ينشره من حوله، طبعا على ألا يكون نمرا من ورق.