عام الثورة اللاتينية على اللاعدالة الاجتماعية

بوغوتا – الدبابات تنتشر في شوارع تشيلي والإكوادور. اقتحم المحتجون مقر البرلمان، بينما احترقت المقار الانتخابية في بوليفيا، وحطم مواطنو كولومبيا النوافذ الزجاجية بمحطات الحافلات العامة، وقذفوا رجال الشرطة بالحجارة وسط سحب من الغاز المسيل للدموع.
وشهد عام 2019 اشتعال العالم بالاحتجاجات، غير أن أميركا اللاتينية كان لها طابعها الخاص بسبب احتجاجات المجتمع المدني، حيث استمر بعضها لمدة أسابيع وأسفرت عن العشرات من الخسائر في الأرواح.
واضطر أحد الرؤساء وهو البوليفي إيفو موراليس إلى أن يغادر بلده ليقيم في المنفى، بينما أجبر رئيسا تشيلي والإكوادور على إلغاء الإجراءات الاقتصادية غير الشعبية في تحولات كبرى في السياسات.
يقول لوريتو كوكس وهو باحث بمركز دراسات الشعوب ومقره تشيلي “إن نظامنا الاجتماعي هو أكثر ضعفا بأكثر مما نعتقد”.
ويعبر المحتجون عن مجموعة واسعة من الشكاوى والمظالم، ففي هندوراس كانت الشكوى من الفساد وغيره من الفضائح المتعلقة بوقائع إجرامية، وفي كولومبيا كانت الشكوى من قيام المجموعات المسلحة بقتل زعماء التجمعات السكانية.
واستهدفت بعض الاحتجاجات الحكومات اليسارية، وفي بوليفيا تم اتهام الرئيس موراليس بتزوير الانتخابات الرئاسية، وفي فنزويلا قام المتظاهرون بمسيرات استغرقت شهورا في محاولة لإقصاء “الدكتاتور” نيكولاس مادورو وسط أزمة اقتصادية واسعة النطاق.
10 في المئة من سكان أميركا اللاتينية يستحوذون على 70 بالمئة من الثروة
وفي عدد ملحوظ من الحالات كما يقول المحللون، عارض المحتجون السياسات الاقتصادية “النيوليبرالية”، والتي يرون أنها تزيد من معدلات الفقر وتكرس نمطا من انعدام العدالة الاجتماعية التي لها جذور تاريخية ترجع إلى العهد الاستعماري.
واندلعت موجة الاحتجاجات في الإكوادور بسبب إلغاء دعم الوقود، وفي تشيلي بسبب زيادة أسعار تذاكر المترو، وفي كولومبيا بسبب الخطط المزمعة لرفع سن التقاعد وخفض أجور صغار الموظفين.
وقام المواطنون في الأرجنتين بمسيرات احتجاج على السياسات التقشفية التي تم الاتفاق عليها مع صندوق النقد الدولي، وفي هندوراس تم إجبار الحكومة على إلغاء الإجراءات التي قال المحتجون أنها ستؤدي إلى خصخصة قطاعي الصحة والتعليم.
وتقول آنا باتريشيا مونوز المديرة التنفيذية لمركز الفكر الإكوادوري إن “أميركا اللاتينية تعد إحدى المناطق التي تسود فيها أكثر حالات انعدام العدالة الاجتماعية في العالم”.
وتضيف مونوز “ثمة دول يتضح فيها عدم وجود العدالة الاجتماعية، وهناك دول أخرى لا تلبى فيها تطلعات الطبقة الوسطى”.
وأشار تقرير للجنة حقوق الإنسان الخاصة بالأميركيتين إلى أن نحو 10 بالمئة فقط من سكان أميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي، يحصلون على ما نسبته 70 بالمئة من ثروات هاتين المنطقتين.
ويوضح المحلل السياسي الأكوادوري أوزوالدو مورينو أن “مفهوم السياسات النيوليبرالية مثل الخصخصة، ألحقت الضرر بشكل مباشر بالأشخاص الذين يمتلكون النزر القليل”.
وفي حالة الإكوادور كان إلغاء دعم الوقود الذي استمر 40 عاما له وجاهته الاقتصادية، غير أن حكومة الرئيس لينين مورينو التي لا تتمتع بالشعبية نفذت هذا الإلغاء بشكل مفاجئ.
وأسهمت مجموعة من العوامل من بينها الافتقار الدائم للعدالة الاجتماعية، والمستويات العالية من الفساد وضعف المؤسسات والاستقطاب بين الأحزاب السياسية، في زوال وهم كفاءة الطبقة السياسية.
ويرى مواطنو الإكوادور أن بلادهم تحكمها “مجموعة ثلاثية” مكونة من البنوك والصحافة والحكومة، وفقا لما يقوله مورينو الذي يضيف أن هؤلاء الذين في السلطة “غير قادرين على فهم ما يفكر فيه الناس في الشوارع”.
بينما يشعر مواطنو تشيلي بأن “نفس الأشخاص الفاسدين” يكونون دائما في مقاعد السلطة، ويتعاونون بشكل وثيق مع نخبة رجال الأعمال. وتوضح ساندرا بوردا أستاذة العلوم السياسية بجامعة لوس أنديز في بوغوتا أن مواطني كولومبيا يشعرون بأن “الحكومة لا تفعل أي شيء، فليست هناك خطط أو إدارة”.
أميركا اللاتينية تعد إحدى المناطق التي تسود فيها أكثر حالات انعدام العدالة الاجتماعية في العالم
وأشارت دراسة نقل عنها مانيول كاستيلز أستاذ علم الاجتماع الإسباني إلى أن أكثر من 80 بالمئة من مواطني أميركا اللاتينية يشعرون بأن حكوماتهم لا تمثلهم، بزيادة عن نسبة 58 بالمئة التي كانت سائدة عام 2008.
ويرى مراقبون أن عمليات الاحتجاج في أميركا اللاتينية تشكل جزءا من موجة عالمية من الاحتجاجات، اعتبارا من هونغ كونغ إلى العراق والتي تعكس انفصالا أساسيا للعلاقة بين هؤلاء الذين يحكمون وبين المحكومين.
وكانت مشاعر الغضب في أميركا اللاتينية تفور أحيانا مصحوبة بموجة من العنف غير مسبوقة، مع امتداد الاحتجاجات من دولة لأخرى في حالة يراها الكثير من المحللين على أنها تأثير بالعدوى.
ويقول متابعون إن تشيلي التي كانت تعد واحة من الاستقرار والثروة النسبية، كانت أعمال الشغب التي قام بها محتجون مجهولون ملثمون “جديدة تماما”. بينما يرى شق أخر إنه في الأكوادور حيث كانت المظاهرات تتسم بشكل تقليدي بالسلمية، أصبح الوضع مثل “طنجرة الطهي بالبخار”، وأدى إلى انفجار العنف من جانب كلّ من المحتجين وقوات الأمن، وهو أمر “لا نزال غير قادرين على تفسيره”. وتم اتهام قوات الأمن بارتكاب تجاوزات كبيرة في عدة دول، مثل تشيلي حيث سجلت الأمم المتحدة 137 حالة تعذيب وسوء معاملة وعنف جنسي.
وغالبا ما تتم الدعوة إلى المظاهرات عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، حيث غيّر استخدام هذه المواقع من طبيعة الاحتجاجات، وفق محللين، بعد أن أصبح في وسع أي شخص الآن أن يدعو إلى تنظيم مظاهرة من دون وساطة أي منظمة أو مجموعة من السياسيين.