عالجوها ميدانيا

تعيش مصر كما تونس على مدى أسبوعين على وقع نهائي عربي أفريقي محوره نهائي كأس رابطة الأبطال الأفريقية لكرة القدم بين فريقي الترجي الرياضي والأهلي المصري. لقاء الذهاب الذي انتهى لصالح الفريق “الأحمر” المصري بواقع (3-1) على ملعب “برج العرب” حمل العديد من نقاط الاستفهام بما يجعل مواجهة العودة المقررة على ملعب “رادس″ في تونس الجمعة تكون مختلفة.
في الواقع هناك مجموعة من الدوافع تجعل من هذا النهائي يكون مختلفا. خلافا للتنافس المعهود تاريخيا بين الأندية المصرية والأندية التونسية، والذي لم يخرج في تاريخه عن الميثاق الرياضي وطابع التنافس الجدي واحترام الخصم مهما كانت نتيجة اللقاء. فإن ما عرفه لقاء الذهاب في مصر من أخطاء تحكيمية وربما “سوء” تنظيم والتحضير جيّدا لهذا اللقاء من جانب الفريق المصري وعدم انضباط بعض لاعبي الأهلي على الميدان. كل هذه الأمور انزلقت باللقاء إلى متاهات أخرى وأخرجت اللعبة عن طابع التنافس الرياضي النزيه وتُرك نص الميثاق الرياضي جانبا.
نقاط عديدة أخذت نقاشا واسعا على مختلف القنوات الإعلامية في تونس كما في مصر أيضا وفي بعض الدول العربية التي تأسفت للحال الذي وصل إليه مستوى التحكيم في البلدان العربية. فيما لم يكن شافيا قرار الكاف بتجميد نشاط الحكم الجزائري مهدي عبيد شارف، الذي رغم انتمائه إلى حكام النخبة أفريقيا، إلا أنه أبى أن يجيّش لهذه اللقاء بأدائه الهابط وأسلوبه الاستفزازي في إدارة نهائي عربي من المنتظر أن تعلق عليه آمال كبيرة للنهوض بواقع التحكيم وكرة القدم العربية عموما.
خلافا لبعض الآراء المتحجّرة والمفرطة في المغالاة كان لا بد من استرجاع تلك الصورة التي كانت معروفة عن اللقاءات المصيرية بين المصريين والتونسيين في مختلف المسابقات الرياضية بين الأندية. ليست أندية كرة القدم فقط بل أيضا المنتخبات، سواء في كرة القدم أو كرة اليد أيضا، خصوصا أن المنتخبين يعتبران الأنشط أفريقيا وفي رصيدهما من الألقاب الشيء الكثير.
شيء من هذا يضعنا أمام مساءلة للتاريخ والوقائع المؤرشفة في خزائنه حول حقيقة أن النزاهة وحسن الاستعداد هما المعيار الوحيد لافتكاك الألقاب مهما كانت أهميتها. فيما يأخذ سجال كبير من التونسيين كما المصريين على مواقع التواصل الاجتماعي إلى طور من الانغماس في روح المفاخرة والتمجيد لهذا النادي أو ذاك، كل حسب انتمائه.
خلافا للمغالاة والتمجيد، مثل هذه اللقاءات تحسم ببرودة الأعصاب والوقوف ندا للخصم إلى آخر الدقائق. فيما الأهم هو البناء على الماضي الذي لم يعرف فيه عن الفريقين في اللقاءات النهائية إلّا التحلّي بالانضباط وعدم الخروج عن النص.
الكرة الآن في ملعب الترجي التونسي. يجب أن يكون الحسم ميدانيا وبإقناع. المطلوب من اللاعبين والمشرفين والجماهير خاصة إظهار وجه مغاير تماما للذي شاهده العالم العربي والعالمي في لقاء الذهاب.
لنا في اللقاءات النهائية ما يشفع لفريق باب سويقة بأن يكون بطل أفريقا هذا العام خصوصا أنه يتزامن مع احتفاله بمئوية تأسيسه. ولنا في السجل الخالد للمرحوم الهادي بالرخيصة الملقب بـ”بلها” مع الفريق ما يجعل الحناجر لا تكف عن الهتاف إلى أن يتحقق ما يتمناه جمهور الفريق وكل الداعمين له وهو التتويج بهذا اللقب الأفريقي الثالث الذي استعصى على الترجي.
للطرف المقابل، وهو فريق الأهلي المصري، أيضا تاريخه الحافل بالألقاب والهيمنة القارية على هذا اللقب في السنوات الأخيرة، بما يجعله مرشحا بارزا للعودة باللقب إلى مصر من رادس بالذات، لجهة النتيجة الحاصلة في لقاء الذهاب، لكنه سيكون مجبرا على مضاعفة جهده في غياب نجمه المغربي وليد أزارو المعاقب وضغط المسؤولية المسلط على الحكم الإثيوبي باملاك تيسيما الذي سيدير اللقاء.
بغض النظر عن الشحن الجماهيري المعلن في منصات التواصل الاجتماعي، فإن الواجب الملقى على عاتق الفريق التونسي طبعا إلى جانب إكرام ضيفه كما فعلت الجماهير التي حفلت بقدومه إلى تونس وغنت له، أن يكرمه ميدانيا ويحسم أمره على المستطيل الأخضر بعيدا عن المزايدات ولغة التباكي والتحجّج بنقص بعض عناصره.
هذا النهائي العربي على ما أخذه من هالة إعلامية كبيرة، أسهمت نقاط ضعف عديدة في جعله بهذه الصورة، إلا أنه لا يجب أن يخرج عن منطق الروح الرياضية بين فريقين يجب أن يظهرا للعالم أنهما الأقدر على الخروج بهذا النهائي في أحسن حلله.
يجب أن لا ينسى الترجي التونسي كما الأهلي المصري أن المتوج منهما سيكون ممثلا للعرب وأفريقيا في كأس العالم للأندية التي ستحتضنها دولة الإمارات. فهي فرصة لأن يعملا على أن تكون الروح الرياضية هي المنتصرة وتكون المعالجة الميدانية هي الفيصل.
أكبر رسالة يمكن أن تبثها الجماهير المتواجدة في الملعب، والتي يرجح أن يصل عددها إلى 60 ألفا، ترك الفرصة للاعبين للدفاع عن حظوظهم كرويا. وأبلغ الرسائل في عالم كرة القدم ألا تترك الفرصة للخصم لينال منك بإرباكك وإدخال الشك في قدراتك على الحسم.
كان لقاءا النصف النهائي أبلغ رسالة على صمود الفريقين سواء للترجي الذي قلب هزيمته إلى انتصار وتأهل عن جدارة وكذا فعل الأهلي في الجزائر ضد وفاق سطيف. فلنتركها (الكرة) تعانق الشباك بعناء الأبطال المدافعين عن اللقب بجدارة واستحقاق لكلا الناديين.. وليكن الجمهور شاهدا على هذه الملحمة التاريخية بعين المشجع دون سواها.