عاصفة انقلابات الساحل تترك فائزا واحدا: روسيا

مع تنامي الشعور المناهض للفرنسيين والغرب، ترى روسيا سهولة الحفاظ على الشعبية مع إرث دعم الاتحاد السوفييتي لحركات الاستقلال الأفريقية.
الجمعة 2023/08/04
انقلابات تدعمها موسكو

ربما كان التوقيت هو المفاجأة الوحيدة، حيث انتشرت الانقلابات في منطقة الساحل على مدى السنوات القليلة الماضية إلى درجة أن حدوث انقلابات أخرى هذا العام كان حتميا. لكن سقوط رئيس النيجر محمد بازوم الذي يعدّ من ركائز النفوذ الغربي في منطقة حرجة لم يكن متوقعا.

وأدى الانقلاب إلى إزاحة آخر شريك غربي يمكن الاعتماد عليه في منطقة الساحل، حيث تسببت الدول الضعيفة والتغير المناخي والجماعات المسلحة في إحداث فوضى. وعانت دول الساحل من سلسلة من الانقلابات، وثبت أن لإرث الاستعمار الغربي الطويل دعاية متجددة وقوة تحفيزية. ولم يقتصر الأمر على النيجر حيث اندلعت الاحتجاجات والشعارات المناهضة لفرنسا، بل واجهت معظم المنطقة نفس المشاكل.

وتبقى تفاصيل انقلاب النيجر غامضة. ويبدو أن الجيش أطاح ببازوم أولا، قبل أن يقرر ما سيحدث بعد ذلك. كما يبدو أن بعض الردود السريعة (فرض المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا لعقوبات وتحديد منطقة حظر طيران فوق النيجر) هي ما فاجأ المتآمرين. وتبرز انعكاسات لنفس حالة عدم اليقين في انقلابات أخرى حول منطقة الساحل.

لكن كل هذا يشير إلى موجة محددة من الانقلابات والاضطرابات التي عصفت بالمنطقة على مدى السنوات الثلاث الماضية. ومن الواضح أن هناك محاولة واسعة لزعزعة النظام الحالي بقيادة الغرب. وسواء كانت تلك محاولة من اتجاه واحد، أو على الأرجح من مزيج من النشاط الجهادي والأخطاء الغربية والدعاية الخارجية، تبقى روسيا المستفيدة من الاضطرابات.

شعوب الساحل تبدو غير مهتمة. وهي تميل إلى روسيا، كما تظهر الأعلام التي ترفرف فوق رؤوس المتظاهرين في النيجر، حتى دون وعود عامة محددة من موسكو

ورغم حدوث التغييرات على مدى عدة سنوات، يصبح المسار واضحا بشكل ملحوظ.

ومن المفيد لفهم ذلك تخيل النيجر كما تظهر على الخريطة. فهي دولة غير ساحلية تحيط بها ليبيا من الشمال وتشاد من الشرق ونيجيريا العملاقة من الجنوب ومالي وبوركينا فاسو من الغرب. وشهدت كل واحدة من تلك الدول باستثناء نيجيريا، مظاهرات مناهضة لفرنسا وانخراطا مؤيدا لروسيا.

ووقع انقلاب أول في مالي سنة 2020، ثم انقلاب آخر في العام التالي. ثم اضطرت فرنسا للانسحاب من البلاد في العام الماضي، بعد عقد من العمليات العسكرية في مالي، بعد خلاف مع الحكومة. وتوجهت القوات إلى جوار النيجر. ولا يريدهم النيجريون أيضا.

وحدثت قصة مماثلة في بوركينا فاسو، على الحدود مع مالي والنيجر. أولها انقلاب العام الماضي، تلاه خروج القوات الفرنسية قبل بضعة أشهر. وسرعان ما دخل مرتزقة فاغنر الروسية البلاد.

وألقى رئيس بوركينا فاسو الشاب إبراهيم تراوري خطابا حماسيا في القمة الروسية – الأفريقية الأسبوع الماضي تساءل فيه كيف يمكن لقارة ذات موارد وفيرة مثل أفريقيا أن تظل الأفقر في العالم حيث “يجوب رؤساء دولنا العالم للتسول”. وتلعب هذه الأسئلة دورا في رواية موسكو الهادفة إلى إبراز روسيا كقوة عالمية مناهضة للإمبريالية.

كما ظهرت قوات فاغنر في جمهورية أفريقيا الوسطى، أي جنوب تشاد مباشرة. وتجري جمهورية أفريقيا الوسطى هذا الأسبوع استفتاءً دستوريا سيلغي حدود الولاية ويسمح للرئيس بالبقاء في السلطة. وتحمي قوات فاغنر الرئيس فوستان آرشانج تواديرا، وتقرر تجنيدها للإشراف على التصويت. وكان تواديرا في سان بطرسبرغ لحضور القمة الروسية - الأفريقية.

وكانت تشاد الاستثناء. ولكن صحيفة واشنطن بوست ذكرت في أبريل أن الولايات المتحدة تعتقد أن روسيا تخطط لاستخدام مجموعة فاغنر للإطاحة بالحكومة في نجامينا.

وتبقى هذه الأحداث مرتبطة ببعضها البعض، لكن نقطة الاتصال الدقيقة غير واضحة. وكثيرا ما تتوجه أصابع الاتهام إلى روسيا. ولكن إذا كانت موسكو وراء الاضطرابات، فإنها ستكون حققت المكاسب بشكل غير متكافئ، باستخدام الدعاية والقوة العسكرية العرضية للدفع نحو باب فتحته عوامل أخرى بالفعل.

نهاية النفوذ الفرنسي

ويسلط الانقلاب الضوء على تفرقة ناشئة في منطقة الساحل، بين دول يمكن وصفها بأنها مناهضة للغرب وربما موالية لروسيا، وبلدان أخرى. وتقرر تعليق عضوية مالي وبوركينا فاسو في مجموعة الإيكواس. وحذر البلدان اللذان تديرهما حكومتان عسكريتان، من أنهما سيعتبران أي محاولة للتدخل في النيجر بمثابة إعلان حرب. وكانت النتيجة حالة من الجمود الحذر لأكثر من أسبوع. لكن روسيا هي التي ستكون الفائز في هذه المناوشات دون أن تبدو وكأنها تحاول.

وتعددت الأسباب التي جعلت الدول الغربية تركز بشدة على الحفاظ على الاستقرار في منطقة الساحل (حتى على حساب تجاهل استبداد العديد من القادة، كما يشير المنتقدون). وأصبحت منطقة الساحل أحدث نقطة انطلاق لتلك الجماعات المتشددة مثل القاعدة وداعش التي طُردت من الشرق الأوسط. وأصبحت النيجر، التي تجمعها حدود مع ليبيا، طريقا حاسما للمهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء إلى البحر المتوسط.

ومع تراجع الاستقرار في دول الساحل، حيث أطاحت الانقلابات بزعمائها الواحد تلو الآخر، ينتشر خوف مما قد يحدث إذا وصل عدم الاستقرار هذا إلى نيجيريا، أكبر دولة في أفريقيا.

لكن شعوب الساحل تبدو غير مهتمة. وهي تميل إلى روسيا، كما تظهر الأعلام التي ترفرف فوق رؤوس المتظاهرين في النيجر، حتى دون وعود عامة محددة من موسكو.

ومع تنامي الشعور المناهض للفرنسيين والغرب، ترى روسيا سهولة الحفاظ على الشعبية مع إرث دعم الاتحاد السوفييتي لحركات الاستقلال الأفريقية، وبإشارات دورية مثل إلغاء معظم الديون الأفريقية المستحقة لروسيا الأسبوع الماضي. وتجلب موجة الانقلابات التي اندلعت عبر منطقة الساحل فوائد غير متوقعة لموسكو.

7