عادل الفاضلي.. مخرج وسيناريست يستلهم أعماله من عمق المجتمع المغربي

الرباط- يعتبر عادل الفاضلي مخرجا سينمائيا وكاتبا مغربيا له مكانته في الساحة الفنية، جمع بين أسلوب الإخراج السينمائي والتلفزيوني في رؤيته كمدير تصوير، جعل أعماله تحظى باهتمام النقاد والجمهور خلف الشاشات الكبرى وعشاق الدراما.
في كل عمل له يبرز الفاضلي أن له قدرة على تقديم سرد بصري في بؤرة الواقع الاجتماعي المغربي، كونه يحسن توظيف جميع الأدوات الفنية، مثل إدارة التصوير والكتابة السيناريستية والرؤية الإخراجية، من أجل تحقيق الهدف المطلوب في طرح القضايا الاجتماعية والإنسانية في الحياة اليومية للمجتمع المغربي، ويخلق تفاعلا حقيقيا بين الشخصيات والأحداث.
قاموس الناس
تركز أعمال عادل الفاضلي على تفاصيل ذاتية وعائلية في كل مشهد، إذ يولي اهتماما بالغا بحالة الشخصيات النفسية انطلاقا من نفسه، ويبدع في معالجة المواقف الإنسانية والحوارات، لهذا يجعلنا نشعر بواقعية الأحداث، لأنه يسعى إلى تقديم تجارب سينمائية وتلفزيونية بعيدة عن التقليدية، ويعتمد على الجمع بين الأسلوب الواقعي والتأثيرات الجمالية في الصورة عامة، ويعتبر هذا التوجه في أعماله علامة فارقة في سينما المغرب، حيث تبتعد عن النماذج السطحية وتغوص في شخصيات اجتماعية وسياسية حية.
تمكن المخرج المغربي عادل الفاضلي في مجال السينما من توظيف أسلوب سينمائي محكم، إذ يركز على المواضيع التي تسيطر على قاموس الناس، ويطرح القضايا الاجتماعية التي تبرز الوضع المعيشي في المجتمع المغربي، ويساهم ذلك في خلق أعمال ذات طابع إنساني، تظهر في طريقة اختياره للمشاهد واللقطات، وتكتسب أعماله في غالب الأحيان طابعا فنيا وليس تقنيا، من خلال تأطير الشخصيات ذات الأبعاد النفسية والاجتماعية والسياسية المعقدة، وهو يزيد من التفاعل بين المشاهدين والأحداث التي تم طرحها ومناقشتها.
وقدم الفاضلي فيلم “أبي لم يمت”، حول قصة أب يعتقل بسبب انتمائه السياسي في فترة صعبة من تاريخ المغرب، يبرز من خلاله معاناة العائلة و تداعيات الاعتقالات على الحياة الشخصية للإنسان، فأظهر أبرز العراقيل التي يواجهها الابن في رحلة البحث عن والده، واستخدم المخرج لغة سينمائية واضحة المعالم بطريقة تؤثر في القصة وتضيف إليها لمسة واقعية.
أخرج الفاضلي شريط “فندق با موسى”، الذي يركز على كاتب روائي يبحث عن الإلهام في فندق غريب، يبرز من خلاله العقد النفسية في المجتمع المغربي، ويقدم رؤية معقدة عن الحياة الفردية، إذ يدمج المخرج الأبعاد السيكولوجية ليبرز الفكرة المحورية المتعلقة بالسعي نحو التغيير والبحث عن الذات.
تجربة فنية وفكرية
في الدراما قدم الفاضلي مسلسل “خط الرجعة”، الذي يعد من أبرز أعماله الأخيرة، يروي قصة حارس عقار يواجه تحديات الحياة اليومية بعد وفاة زوجته، ويعالج قضايا اجتماعية مثل العائلة والمثابرة، كما يظهر كيف يمكن للمبادئ مقاومة الظروف الصعبة، معتمدا على تقنيات تلفزيونية معقولة من خلال وضوح تفاعل الشخصيات مع محيطها.
وقبل هذا المسلسل عرض المخرج مسلسل “حياة”، الذي تناول قضايا اجتماعية أيضا، لكن هذه المرة من خلال قصة فتاة شابة تحاول التكيف مع واقع عائلي صعب، ويبرز الهموم والعقبات التي تواجهها الشخصيات في الدراما، وتأثير الظروف العائلية على مسار حياة الأفراد والتوترات النفسية التي قد تصاحب محاولاتهم لتحقيق الاستقرار.
وتبرز أعمال المخرج عادل الفاضلي مهاراته العالية في التحكم بتوجيه القصة حسب رؤيته وتطور الشخصيات حسب أهدافه، حيث يدمج كل حدث في العمل في بناء سرد متماسك، وتعتمد أعماله على دراسة دقيقة لكل عنصر، تجعل من أعماله أكثر من مجرد سرد قصصي درامي أو سينمائي، لأنها تجربة فنية وفكرية ممتعة بالنسبة لمخرج تربى في عائلة فنية، ليصبح بذلك واحدا من أبرز المخرجين الذين أثروا في السينما والتلفزيون.
ويثبت المخرج المغربي تميزه بقدرته على صياغة سيناريوهات معقول، تتسم بالتعقل في معالجة الموضوعات الاجتماعية القريبة من الواقع المغربي، فيختار المواضيع التي تهم الناس في حياتهم اليومية، وهو ما يجعله قادرا على نقل رسائل واضحة من خلال أفلامه ومسلسلاته.
يحرص الفاضلي على أن تكون الكتابة جزءا متكاملا من عملية الإخراج، كما يحسن التنسيق مع فريق العمل لضمان تنفيذ رؤيته الفنية، كما يشتهر المخرج المغربي بمهاراته البصرية في إخراج أعماله، ويعتمد في تصوير مشاهد أفلامه على اللقطات الطويلة والتصوير البطيء، كي يمنح المشاهد فرصة التفاعل مع التفاصيل الدقيقة في القصة، كما يستخدم الإضاءة بشكل مدروس يناسب الحالة التي تعيشها الشخصيات، وهنا تبزغ موهبته وبتقنيات التصوير التي تضفي طابعا خاصا على كل مشهد، ويعتبر هذا الوعي الفني مصدرا لتميز أعماله عن غيرها من الأعمال الفنية.
شغف السينما
نشأ عادل الفاضلي في بيئة فنية، حيث كان الفن جزءا أساسيا من حياته منذ الطفولة، تميز بعين فنية دقيقة ورؤية خاصة في السينما، وجعله ذلك يحقق نجاحا كبيرا في المجال السينمائي رغم التحديات التي واجهها، إذ يعتبر من المخرجين الذين يضعون رؤية فنية واضحة في أعمالهم، حيث لا يكتفي بإنتاج فيلم، بل يحرص على أن يتحدث العمل الفني عن نفسه من خلال تفاصيله الدقيقة وزواياه المتعددة.
على الرغم من كونه مخرجا معروفا، إلا أن عادل الفاضلي يعتبر من الشخصيات المتحفظة عندما يتعلق الأمر بالإعلام، ويفضل أن يكون عمله هو المتحدث عنه، ويترك النقاد والجمهور لتقييم أعماله، وهذا التوجه يعكس فلسفته الشخصية في الفن، حيث يرى أن العمل السينمائي يجب أن يتحدث عن نفسه بدلا من أن يتكلم عنه مبدعه.
كما يعكس مشواره السينمائي شغفه الكبير بالسينما، وهو دائما ما يسعى إلى تقديم أفلام تعكس رؤيته الفنية وتجسد قضايا اجتماعية وإنسانية هامة، ولا يتوانى عن خوض مغامرات إنتاجية تتطلب جهدا شخصيا إضافيا لضمان أن يرى عمله النور، رغم الصعوبات التي قد تواجهه.
◄ أعمال عادل الفاضلي تبرز مهاراته العالية في التحكم بتوجيه القصة حسب رؤيته وتطور الشخصيات حسب أهدافه
ولد المخرج وكاتب السيناريو المغربي عادل الفاضلي في الدار البيضاء، درس الإخراج السينمائي في المعهد الحر للسينما الفرنسية. بدأ مشواره المهني من خلال إخراج مسلسل “سوبر حادة”، ثم أخرج عدة أعمال سينمائية وتلفزيونية بارزة مثل “ولد الحمرية” و”لابريكاد”.
قدم في فيلم “أبي لم يمت” قصة عن العنف السياسي في المغرب، وفي مسلسل “خط الرجعة” تناول حياة رجل مخلص يتعرض لتحديات بعد وفاة زوجته. أخرج أيضا مسلسل “حياة” الذي يعرض قصة فتاة تعيش في عائلة مضطربة. في “فندق با موسى” تناول قصة كاتب روائي يكتشف جرائم في فندق. كما أخرج “البركة فراسك” و”شيب وشباب” وأعمالا أخرى تركز على قضايا اجتماعية. تولى أيضا إدارة التصوير في بعض الأعمال مثل “خط الرجعة” و”حياة” وكتب العديد من النصوص مثل “فندق با موسى” و”لابريكاد”.
وعادل الفاضلي يبقى ابن الفنان الراحل عزيز الفاضلي (1934 – 2021) وهو ممثل ومقدم برامج مغربي قدم العديد من الأعمال الفنية التي تركت بصمة في عالم التلفزيون والمسرح، وكان من بين الوجوه الشهيرة التي قدمت النشرة الجوية على التلفزيون المغربي في الثمانينات، وأدى العديد من الأدوار التي اشتهر بها، أبرزها شخصية “بئيس الديس” في مسلسل “صور عائلية” الذي عرض في التسعينات. تعتبر هذه الشخصية من أشهر الأدوار التي قدمها الفاضلي في مسيرته الفنية.
وكان الراحل عزيز الفاضلي والد الفنانة الكوميدية حنان الفاضلي والمخرج عادل الفاضلي، وقد قدم العديد من المسلسلات والأفلام التي تركت أثرا كبيرا في الساحة الفنية المغربية. من بين أعماله التي ظهرت على شاشات التلفزيون، نذكر مسلسلات مثل “صور عائلية”، و”لابريكاد” بجزئيه الأول والثاني، وكذلك مسلسل “شيب وشباب”، كما شارك في عدد من الأفلام المهمة مثل “عرس الآخرين”، “أبواب الليل السبعة”، “حد الصداقة”، “بلا موطن” و”نساء الجناح ج”، بالإضافة إلى فيلم “البركة في راسك”.
