عائلات فرنسية ترفع تحدي النفايات المعدومة

برنامج لمواجهة تلوث مدينة "روبيه" الفرنسية قوامه الرجوع إلى نمط حياة بسيط يقلل من الاعتماد على الأكياس والمعلبات البلاستيكية.
الاثنين 2019/09/30
لا للهدر الغذائي

النفايات الغير قابلة للتدوير معضلة تعاني منها المدن وحتى البلدات الصغيرة، ولأن الوعي بخطورتها لا يستدعي معرفة أو دراية علمية، فإن البرامج التي تحافظ على البيئة تجد متطوعين وخاصة في الدول المتقدمة، مثال ذلك البرنامج الذي أطلق في مدينة في شمال فرنسا وانخرطت فيه 500 عائلة بعودتها إلى نمط حياة بسيط يقلل من الاعتماد على الأكياس والمعلبات البلاستيكية.

روبيه (فرنسا) – تحضر ماغدالين دولوبورت مزيلا لرائحة الجسم يدوي الصنع مستخدمة زيت جوز الهند وبيكربونات الصوديوم وبضع قطرات من زيوت عطرية، فهي على غرار 500 عائلة أخرى في روبيه في شمال فرنسا عازمة على رفع تحدي النفايات المعدومة.

وتؤكد الممرضة البالغة 38 عاما التي انخرطت العام 2016 في هذه المبادرة غير المسبوقة في فرنسا والتي اقترحتها البلدية لتشجيع العائلات على خفض نفاياتها غير الخاضعة لإعادة التدوير، “يستغرق ذلك خمس دقائق فنذوب المكونات ومن ثم نتركها تتجمد”.

وباتت ماغدالين تصنع بنفسها كل المنتجات التي تحتاجها عائلتها يوميا من مساحيق الغسيل والشامبو ومعجون الأسنان والألبان ومساحيق التجميل لتتخلص بذلك من كل القوارير والأنابيب. وتذهب أيضا إلى حد تضفير اسفنجات “تواشي” مستعينة بأقمشة مستعملة قديمة.

وفي مطبخها حلت الأوعية الزجاجية مكان الأكياس الصناعية الصغيرة. وتوضح “بطبيعة الحال يخلف ذلك كمية أكبر من الأواني لغسلها لكنني على الأقل أعرف مكونات المنتجات التي أستخدمها”.

وقد حزمت أمرها بعدما رأت “حجم سلال المهملات” وراحت تفكر بمستقبل ابنتيها اللتين تساعدانها في صنع المنتجات.

وتوضح قائلة “عندما نرى كمية البلاستيك والتوظيب المبالغ به في المتاجر الكبرى ندرك أن ثمة مشكلة”.

النفايات الغير قابلة للتدوير آفة
النفايات الغير قابلة للتدوير آفة

وتقول إنها باتت تشتري السلع غير الموظبة مشددة على أنها قلصت من الهدر الغذائي أيضا. وقد انخرطت ماغدالين في هذه المبادرة “بدافع بيئي” إلا أنها أدركت سريعا “تأثيرها الاقتصادي” أيضا.

وتشدد المرأة “نحن نقتصد من مئة إلى 150 يورو في الشهر”، وهي ترغب بمشاركة تجربتها مع محيطها “من دون ممارسة الضغوط”. وتؤكد “أنا لا أعتبر أنني أقوم بأشياء استثنائية بل أعود إلى ما كان معتمدا قبل خمسين عاما”.

وأطلق البرنامج العام 2014 لمواجهة قذارة المدينة البالغ عدد سكانها مئة ألف نسمة وتعتبر الأفقر في فرنسا، لمواكبة عائلات متطوعة من خلال ورشات عمل مجانية هدفها خفض النفايات المنزلية بنسبة 50 بالمئة سنويا.

ويقول رئيس بلدية روبيه غيوم ديلبار “كنا على قناعة بأننا وصلنا إلى نهاية النهج المعتمد، وكان علينا إما أن نعالج الأمر إداريا وإما أن نشرك المواطنين بطريقة مسلية”.

وكانت روبيه أول مدينة فرنسية تقوم بمبادرة كهذه وهي باتت تتلقى زيارات وفود للاطلاع على تجربتها.

فبعد أربع سنوات على انطلاق البرنامج باتت الحصيلة “إيجابية بشكل كبير”، يقول ديلبار “أصبحنا تقريبا عند مستوى تخفيض بنسبة 50 بالمئة في العائلات المعنية لا بل 80 بالمئة” أحيانا “مع تأثير فعلي على القدرة الشرائية لأن بعض العائلات تقتصد 250 يورو شهريا أي ثلاثة آلاف يورو سنويا”، مؤكدا أن المحافظة على البيئة “هي همّ الجميع”.

وقبل خوض المغامرة منذ ثمانية أشهر، كانت أبيغيل شنوت وهي مدرسة متخصصة في صفوف الروضة، تلقي نظرة خارجية على المبادرة معتبرة “أنها معقدة جدا”.

صفر من النفايات هدف غير مستحيل
صفر من النفايات هدف غير مستحيل

وردا على المنتقدين الذين يعتبرون أن هذه الممارسات تحتاج وقتا طويلا، تقول “هذه أفكار مسبقة. لا يحتاج الأمر بالضرورة إلى وقت أطول بل الروتين مختلف”. وهي غيرت عاداتها وانتقلت من المتاجر الكبيرة بأسعار مخفضة إلى التجار المحليين مع قواريرها وأكياسها المصنوعة من القماش.

وتشدد على أن “سعر الكيلوغرام قد يكون أغلى أحيانا، لكن بما أننا نتناول نوعية أفضل ونستهلك بطريقة أفضل فالهدر يكون أقل، وأنا بت أفكر كثيرا قبل أن أشتري”، معتبرة “أن الأمر يستحق كل هذا العناء ولن أعود إلى الوراء على ما أظن”.

ويهدف البرنامج إلى إبراز إيجابيات اقتصاد التدوير وقد اتسع نطاقه ليشمل نحو خمسين من أصحاب المتاجر والمقاصف المدرسية.

ويقول ديلبار “بات الهدف الآن تغيير السرعة والوتيرة والانتقال من الاختبار إلى التعميم”.

وتنتشر في فرنسا جمعيات مدنية تشجع على جمع النفايات أثناء ممارسة الأفراد لأنشطتهم الترفيهية من سباحة أو ركض أو صيد للأسماك، مما أسهم في نظافة المحيط وساعد في الاهتمام بالبيئة.

وعرضت صحيفة لوفيغارو الفرنسية نماذج عديدة حول نشاط جمع النفايات خلال الأنشطة التي يقوم بها العديد من الأشخاص أثناء أنشطتهم الترفيهية أو الأوقات التي يقضونها في البحر أو البر، وقالت إن النشاط مثّل مناسبة لربط علاقات اجتماعية قوية بين القائمين به وصلت حد الزواج.

وكشفت الصحيفة أن مبادرات جمع النفايات التي قام بها أفراد وجمعيات في عدة مدن أسهمت في إزالة أطنان من القمامة.

ولا تقتصر حملات النظافة على المسالك السياحية البرية بل يحرص عدد من الناشطين على تنظيف الأنهار من المواد المعدنية المختلفة مثل الأبواب والدراجات البخارية أو الدراجات الصدئة عبر ما يسمى بـ”الصيد المغناطيسي” الذي يقوم على استخدام حبل ومغناطيس قوي لرفع المواد من قاع الأنهار.

20