ظهور قاآني في استعراض إيراني لرفع المعنويات بعد أنباء الاغتيال

ظهور قائد "فيلق القدس" العلني وتجواله بين المواطنين، يعكس استراتيجية إيرانية لإدارة السردية عقب الضربات المؤلمة التي تلقاها الحرس الثوري.
الأربعاء 2025/06/25
رسالة معدة سلفا لتبديد الشكوك

طهران - ظهر قائد "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري الإيراني، العميد إسماعيل قاآني، في احتفالات وسط العاصمة طهران، بعد 12 يوما من تداول أنباء واسعة حول اغتياله في هجمات إسرائيلية.

وهذا الظهور العلني، الذي أعلنته وكالة "إرنا" الرسمية للأنباء، يأتي عقب وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران، يحمل في طياته دلالات عميقة تتجاوز مجرد نفي الإشاعات، ليعكس استراتيجية إيرانية أوسع نطاقا في مواجهة تداعيات التصعيد الأخير مع إسرائيل وتحدياتها الداخلية والخارجية.

وتداولت وكالة "إرنا" صورا لقاآني وهو يتجول في ساحة احتفالات "النصر" وسط طهران برفقة حراسه، وهو يتبادل الحديث مع المواطنين، وأرفقت الوكالة الصور بتعليق: "الظهور الأول لقاآني بعد 12 يوماً من العدوان الإسرائيلي".

وهذا التجوال لم يكن عفويا، بل بدا مشهدا مُعدا سلفا بعناية فائقة، يستهدف بث رسالة اطمئنان قوية للداخل الإيراني، مؤكدا أن القيادة سليمة وتتواصل مباشرة مع الشعب، متحديةً بذلك أي شائعات حول إصابته أو فقدانه للسيطرة.

ويأتي هذا الظهور العلني بعد أن ذكرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية في 13 يونيو الجاري، نقلاً عن مصادر إيرانية لم تُسمّها، أن قاآني قُتل خلال الهجمات التي نفذتها إسرائيل داخل إيران.

ويتجاوز ظهور قاآني العلني، بعد غياب طويل وإشاعات عن اغتياله، مجرد نفي خبر يستهدف شخصه، بل يُعتقد أنه جزءٌ أصيل من استراتيجية القيادة الإيرانية لرفع معنويات الداخل عقب الضربات المؤلمة التي تلقاها الحرس الثوري خلال الهجمات الأخيرة.

وطالت تلك الضربات قامات عسكرية بارزة كقائد الحرس الثوري حسين سلامي، ورئيس هيئة الأركان العامة محمد باقري، بالإضافة إلى اغتيال علماء نوويين في منشآت استُهدفت بصواريخ دقيقة وطائرات مسيرة.

ويهدف تقديم قاآني بمظهر سليم ومطمئن إلى تبديد أي شكوك حول قدرة القيادة الإيرانية على الصمود وقيادة الردود في مواجهة التحديات الخارجية، وإعادة بث الثقة في صفوف القوات المسلحة والشعب الإيراني قاطبة.

وعكست الاحتفالات التي شهدتها طهران عقب إعلان وقف إطلاق النار، بمشاركة حشود كبيرة من المواطنين، رغبة القيادة الإيرانية في استعراض تماسكها وقوتها في وجه التهديدات.

ويأتي ظهور قاآني في هذا السياق كجزء من رسالة أوسع موجهة إلى الداخل الإيراني لتعزيز الوحدة والثقة في القيادة، وإلى الخارج للتأكيد على قدرة إيران على الصمود واستعراض نفوذها.

فيما يعكس التركيز على "النصر" و"وقف إطلاق النار" بدلا من الخسائر، محاولة إيرانية لإدارة السردية الإعلامية بعد فترة من الضربات المؤلمة.

وهذا التكتيك يهدف إلى إظهار إيران كدولة قادرة على الرد والتأثير، وأنها لم تتزعزع جراء الهجمات الإسرائيلية، بل خرجت منها أكثر قوة وتصميما، مما يعزز موقفها في أي مفاوضات مستقبلية حول مشروعها النووي.

وبدأ وقف إطلاق النار الهش بين إسرائيل وإيران يستقر الثلاثاء تحت ضغط من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مما عزز الآمال في إنهاء أكبر مواجهة عسكرية على الإطلاق بين العدوين اللدودين في الشرق الأوسط.

وأرسلت كل من إيران وإسرائيل إشارات على انتهاء الصراع، على الأقل في الوقت الحالي، بعد أن وبخهما ترامب لانتهاكهما الهدنة التي أعلنها في نحو الساعة 05:00 بتوقيت غرينتش.

وفي غضون ذلك أعلن الجيش الإسرائيلي أن جميع مناطق إسرائيل ستنتقل إلى مستوى النشاط الكامل دون قيود بداية من اليوم الساعة الثامنة مساء بالتوقيت المحلي (17:00 بتوقيت جرينتش).

وأعلنت سلطة مطارات إسرائيل أن مطار بن غوريون عاد إلى العمل بكامل طاقته. وذكر موقع نور نيوز الإخباري التابع للدولة أن المجال الجوي الإيراني سيعاد فتحه.

وأكدت إسرائيل تحقيق "كلّ الأغراض" من حربها بهدف معلن هو القضاء على البرنامج النووي الإيراني. وخاطب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الإسرائيليين قائلا "حققنا نصرا تاريخيا وهذا النصر سيبقى لأجيال". وشدد "سنحبط أي محاولة لإيران لإعادة بناء برنامجها النووي".

وقال إذا "حاول أي كان في إيران أن يعيد بناءه، سنتحرك بالتصميم ذاته، بالحدة ذاتها، لإفشال أي محاولة".

وأتى ذلك بعيد إعلان رئيس أركان الجيش الإسرائيلي إيال زامير أن الدولة العبرية أعادت "مشروع إيران النووي أعواما إلى الوراء، والأمر ذاته ينطبق على برنامجها الصاروخي". لكن شدد على أن "الحملة ضدّ إيران لم تنتهِ. نحن ندخل مرحلة جديدة بناء على إنجازات المرحلة الحالية".

 وقالت إيران من جهتها إنها لقّنت إسرائيل "درساً" و"أجبرتها" على وقف الحرب "بشكل أحادي"، مجاهرة بـ"النصر"، ومؤكّدة أنها ما زالت "في حالة تأهّب" استعداداً "للردّ على أي اعتداء". وقال الحرس الثوري في بيان قبيل بدء سريان وقف إطلاق النار بلحظات، إنه "ضرب مراكز عسكرية ولوجستية للكيان الصهيوني (...) ولقّن العدو درساً تاريخياً لا يُنسى".

وقال الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان في رسالة مكتوبة وُجّهها إلى الأمّة "اليوم، بعد المقاومة البطولية لأمّتنا العظيمة التي تكتب التاريخ بعزيمتها، نشهد إرساء هدنة ونهاية هذه الحرب التي استمرّت 12 يوما، وفرضتها المغامرة والاستفزاز" الاسرائيليين.

وشهدت المنطقة تصعيدا حادا بدأ في 13 يونيو الجاري، عندما شنت إسرائيل هجوما مفاجئا في 13 يونيو استهدفت خلاله مواقع نووية إيرانية حيث قالت إن إيران تحاول صنع قنبلة نووية، وقتلت قادة عسكريين كبارا في أسوأ تهديد تواجهه الجمهورية الإسلامية منذ الحرب مع العراق في ثمانينيات القرن الماضي.

وتقول إيران إن برنامجها النووي لأغراض سلمية وتنفي السعي إلى تطوير أسلحة نووية.

وقالت السلطات الإيرانية إن 610 أشخاص قُتلوا جراء الغارات الإسرائيلية وأصيب 4746. وأدى القصف الإيراني رداً على إسرائيل إلى مقتل 28 شخصاً، وهي المرة الأولى التي تُخترق فيها دفاعات إسرائيل الجوية بأعداد كبيرة من الصواريخ الإيرانية. هذه الأرقام تُظهر الكلفة البشرية الباهظة للتصعيد، وتُبرز مدى خطورة الوضع الجيوسياسي في المنطقة، حيث تتداخل المصالح وتتشابك الصراعات، مما يجعل أي خطوة محسوبة أو غير محسوبة قد تؤدي إلى تداعيات لا تُحمد عقباها.