ظهور المتحور الجديد أوميكرون نداء تنبيه للبشرية

الطريقة غير المنصفة لتوزيع اللقاحات لا تضع حدا لجائحة كوفيد – 19.
الثلاثاء 2021/12/07
المتحورات تؤكد فشل السياسات

ظهر المتحور الجديد من فايروس كورونا “أوميكرون” فسارعت دول العالم إلى اتخاذ الإجراءات نفسها التي اعتمدتها في مواجهة الموجات السابقة من انتشار الوباء فأغلقت أغلبها حدودها ومنعت حركة السفر إلى جنوب أفريقيا من أجل التصدي للجائحة. وهذه الإجراءات التي كانت نتائجها محدودة في السابق -يضاف إليها التوزيع غير العادل للقاحات كورونا- لا يمكن أن تقدم حلولا جذرية لمكافحة الوباء بينما يجمع محللون على أنه من الضروري التفكير في جنوب أفريقيا كنقطة بداية جديدة للتعاطي مع هذه الأزمة العالمية طويلة الأمد.

أكد اكتشاف متحور جديد من فايروس كورونا -والذي قد يكون قادرا على الانتقال بسرعة- في الأسبوع الماضي في دولة جنوب أفريقيا الحاجة إلى التعاون العالمي لمكافحة الوباء، ولا يزال العلماء يسعون لتحديد أخطار المتحور الجديد أوميكرون، ولكن هذا لم يوقف محاولات الكثيرين في العالم لعزل جنوب أفريقيا من خلال إغلاق الحدود والحظر الجوي، ويشبه هذا الفعل استخدام الضمادات لوقف النزيف.

وما دام الحصول على اللقاحات غير منصف ولا تتلقى مناطق كثيرة من العالم المساعدة الكافية واللازمة لمكافحة انتشار فايروس كورونا، فإن المتغيرات والطفرات الجديدة ستظل تعصف بالمجتمع الدولي، وبدلا من عزل دول أفريقيا الجنوبية ينبغي لبقية دول العالم أن تستخدم حادثة ظهور متحور أوميكرون كحافز لإيجاد سبل جديدة وبنّاءة من أجل العمل معا في هذه المعركة طويلة الأمد ضد فايروس كورونا.

ومنذ اكتشاف أولى حالات الإصابة بالفايروس في مدينة ووهان الصينية في ديسمبر 2019 تم تسجيل إصابات كورونا في أكثر من 210 دول ومناطق.

وإلى حدود الإثنين تجاوز عدد المصابين بفايروس كوفيد – 19 على مستوى العالم 265.13 مليون حالة، فيما وصل إجمالي عدد الوفيات الناجمة عن الوباء إلى 5 ملايين و549 ألفا و892 حالة وفاة.

وليس من قبيل المصادفة ظهور متغير جديد في جنوب أفريقيا، فمع معاناة الملايين من الناس المصابين بنقص المناعة بسبب فايروسات أخرى مثل فايروس نقص المناعة البشرية (الإيدز) تُعتبر جنوب أفريقيا بيئة مثالية لظهور متحورات جديدة، ولكن هذا ليس شيئا جديدا، والمثير للإعجاب هو السرعة التي استطاع بها علماء جنوب أفريقيا تحديد المتغير الجديد، وتنبيه المجتمع الدولي، والبدء بالعمل على تحليل المتغير.

بدلا من عزل دول أفريقيا الجنوبية ينبغي لدول العالم إيجاد سبل جديدة للعمل معا في هذه المعركة الطويلة

وبفضل اليقظة التي تتمتع بها جنوب أفريقيا تجاه فايروس كورونا وقطاعها العلمي الذي يتميز بخبرة طويلة أصبح المجتمع الدولي في وضع أفضل بكثير مما كان عليه في الأيام الأولى من ظهور المتحورات مثل المتحور “دلتا”.

وفي غضون ساعات من صدور الإعلان فرضت المملكة المتحدة حظرا على السفر إلى جنوب أفريقيا ومناطق أخرى، بينما تعيش كيب تاون ذروة موسمها السياحي، القائم على السياح البريطانيين والأوروبيين.

واعتُبر حظر السفر خطوة مقيتة وعقوبة للكثير من سكان جنوب أفريقيا، وحتى صحيفة نيويورك تايمز أشارت إلى أن جنوب أفريقيا “وضعت نظمها المتطورة لمراقبة الأمراض وإجراء البحوث عليها موضع التنفيذ، وشاطرت بقية بلدان العالم تلك النتائج على جناح السرعة، وكان رد الجميل نظير ذلك المستوى العالي من الشفافية هو حظر السفر إليها، والذي من شأنه إلحاق الضرر بقطاعها السياحي”.

ويعود سبب الانزعاج من حظر السفر، جزئيا، إلى حقيقة أن الدول الغربية لم تفعل ما يكفي لحماية بقية دول العالم من فايروس كورونا، وقد رفض صانعو اللقاحات الدعوات إلى فتح مجال تصنيع اللقاحات في بلدان الأسواق الناشئة مثل جنوب أفريقيا، لتسريع معدلات التطعيم، ولم يتم تطعيم سوى أقل من 7 في المئة من سكان القارة الأفريقية.

وتناول رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوسا مساء الأحد مسألة عدم المساواة في توزيع اللقاحات، حيث قال “لقد قلنا إن التفاوت والاختلاف في توزيع اللقاحات لا يزهقان الأرواح ويقضيان على مصدر العيش في البلدان المحرومة من اللقاح فحسب، بل يهددان أيضا الجهود العالمية للتغلب على الوباء”، كما قال “ينبغي أن يكون ظهور متغير أوميكرون بمثابة تنبيه للعالم إلى أنه لا يمكن السماح باستمرار توزيع اللقاحات بشكل غير منصف، وإلى أن يتم تطعيم الجميع سيبقى الجميع في خطر”.

المجتمع الدولي مطالب بإشراك دولة جنوب أفريقيا بشكل أفضل وإنشاء قاعدة لصناعة اللقاحات لأفريقيا في هذه الدولة
المجتمع الدولي مطالب بإشراك دولة جنوب أفريقيا بشكل أفضل وإنشاء قاعدة لصناعة اللقاحات لأفريقيا في هذه الدولة

ومن الواضح أن هذه ليست مشكلة جديدة، فمنذ وصول اللقاحات إلى الأسواق كانت هناك دعوات متكررة لفتح باب التصنيع في جميع أنحاء العالم لتحسين فرص الوصول إلى تلك اللقاحات. ولكن صانعي اللقاحات ومؤيديهم رفضوا ذلك العرض.

وفي شهر أبريل أكد بيل غيتس معارضته لتوسيع صناعة اللقاحات لتشمل الدول النامية لأنه رأى أن معظم البلدان لا تملك القدرة التقنية اللازمة لصناعة اللقاحات المتخصصة، ويبدو أن المسألة الرئيسية هي مسألة مالية لأن نقل التكنولوجيا اللازمة للبدء بإنتاج اللقاحات في بلدان مثل جنوب أفريقيا سيخفض نسبة الأرباح.

وهذا يتغير ببطء، حيث أعلنت شركات مثل فايزر عن شراكات تصنيعية محدودة في العالم، ولكن لايزال الهدف بعيد المنال، وفي أحد الأمثلة لهذا العام كان يتم تصدير اللقاحات التي تنتجها شركة جونسون وجونسون في جنوب أفريقيا إلى الدول الأوروبية بغرض التخزين كاحتياط.

والحد من ظهور المتغيرات الجديدة والتعامل مع وباء كورونا ليسا معقديْن من الناحية التقنية، لأننا نعرف ما هي الخطوات اللازم اتبعاها؛ حيث ينبغي زيادة جهود التطعيم في الدول النامية بشكل كبير، وأفضل طريقة للمساعدة في هذا المسعى هي توسيع نطاق صناعة اللقاحات لتشمل المزيد من البلدان، وإذا كانت البلدان الغربية وشركات الأدوية غير راغبة في اتخاذ تلك الخطوات فإن المتحورات الجديدة مثل أوميكرون سوف تستمر في الظهور وتعرقل الجهود العالمية لاحتواء الفايروس.

وباكتشافها السريع لمتحور أوميكرون أثبتت جنوب أفريقيا أنها شريك حيوي في مكافحة وباء كورونا، وبدلا من عزل جنوب أفريقيا بصورة غير حكيمة ومتعجلة، ينبغي للمجتمع الدولي توظيف هذا الحدث لإشراك جنوب أفريقيا بشكل أفضل وإنشاء قاعدة جديدة لصناعة اللقاحات لأفريقيا في نفس البلد. ولا يمكن لأي بلد أو مجموعة من البلدان التصدي لهذا الوباء بمفردها، ولا يمكن أيضاً لحظر السفر أن يمنع هذا الفايروس في نهاية المطاف من الانتشار إلى جميع أنحاء العالم. ويتعين علينا اليوم، أكثر من أي وقت مضى، تبني روح التعاون لضمان القضاء على هذا الوباء.

سنديكيشن بيورو

6