ظلال التأثيرات الإيرانية ترافق رئيس الوزراء العراقي في زيارته إلى واشنطن

على غرار مختلف شؤون العراق المفتوح بقوة على التأثيرات الخارجية وعلى صراعات النفوذ الأجنبي على أراضيه، تحوّلت زيارة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي إلى الولايات المتّحدة، إلى شأن إقليمي وتحديدا إيراني من خلال توظيف طهران لوكلائها في العراق سواء منهم السياسيون أو عناصر الميليشيات المسلّحة في محاولة التأثير على نتائجها وتوجيهها بما يتناسب مع مصالحها.
بغداد - أعلن الثلاثاء في بغداد عن مغادرة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي البلاد إلى واشنطن في أول زيارة رسمية له إلى الولايات المتحدة منذ تعيينه رئيسا للحكومة في مايو الماضي خلفا لعادل عبدالمهدي الذي أطاحت به موجة الاحتجاجات العارمة.
وقال مكتب الكاظمي في بيان إن رئيس الوزراء غادر العاصمة بغداد متوجها إلى واشنطن على رأس وفد حكومي تلبية لدعوة رسمية، مشيرا إلى أنّه سيلتقي الرئيس الأميركي دونالد ترامب الخميس للتباحث معه بشأن تعزيز العلاقات الثنائية، إلى جانب مناقشة التطورات الراهنة على الساحة الإقليمية والقضايا ذات الاهتمام المشترك.
وأضاف البيان أن الكاظمي سيعقد خلال زيارته غير المحددة المدة، محادثات مع كبار المسؤولين الأميركيين، تتضمّن بحث العلاقات الثنائية، وتعزيز التعاون المشترك في مجالات عديدة، في مقدمتها الأمن والاقتصاد والصحة وغيرها من القطاعات.
وتأتي الزيارة بعد أن أجرى البلدان في يونيو الماضي جولة أولى من المباحثات في إطار ما يسمى “الحوار الاستراتيجي” لإعادة رسم العلاقات بين البلدين والتي تنظمها اتفاقية الإطار الاستراتيجي.
وكان البلدان وقعا الاتفاقية المذكورة في 2008 لتمهّد آنذاك لخروج القوات الأميركية من العراق بشكل كامل أواخر 2011 بعد 8 سنوات من الاحتلال. كما تنظم الاتفاقية العلاقات بين البلدين على مختلف الصعد السياسية والأمنية والاقتصادية والثقافية وغيرها.
وعادت القوات الأميركية إلى العراق بطلب من بغداد لمساعدتها في هزيمة تنظيم داعش عام 2014، إلاّ أن قوى سياسية وفصائل شيعية مقربة من إيران أصبحت تضغط لرحيل تلك القوات.
وعلى غرار مختلف شؤون العراق المفتوح بقوّة على التأثيرات الأجنبية والذي تحوّل إلى ساحة مفتوحة لصراع القوى الخارجية على النفوذ، فقد تجاوزت زيارة الكاظمي إطارها الطبيعي كشأن داخلي وتحولت إلى شأن إقليمي من خلال محاولة إيران التأثير فيها وإن بطريقة غير مباشرة وعبر وكلاء محليين.
وباتت الهجمات ضد المصالح الأميركية في العراق يومية والأطراف التي تقف خلفها أقل غموضا في وقت تزداد فيه حدة المواجهة بين الأطراف الداعمة لإيران ورئيس الوزراء مصطفى الكاظمي الذي يلتقي الرئيس الأميركي الخميس للمرة الأولى.
وتولى الكاظمي مهام منصبه في مايو الماضي في بلد تتنازع على النفوذ فيه إيران والولايات المتحدة. ويُنتظر أن يناقش مع دونالد ترامب وجود نحو خمسة آلاف جندي أميركي في العراق منذ الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية وكيفية ضمان سلامتهم.
وتحظى إيران بتأييد الحشد الشعبي، وهو تحالف من فصائل شبه عسكرية مندمج الآن في مؤسسات الدولة ويطالب البرلمان العراقي بإخراج القوات الأميركية.
وينفي الحشد أي صلة بالهجمات التي استهدفت الوجود الأميركي والمصالح الأميركية في العراق، لكن أشرطة فيديو ورسائل تبني العمليات نُشرت على الإنترنت تكشف عن صلة محتملة له بها من خلال مجموعات تعمل تحت أسماء مختلفة.
وقال رمزي مارديني، الباحث في معهد بيرسون بجامعة شيكاغو، لوكالة فرانس برس “من المرجح أن الأفراد الذين يشكلون الميليشيات الجديدة انبثقوا من الفصائل المسلحة الموجودة مسبقا والتي تشكل قوات الحشد الشعبي. إنهم يعملون تحت لافتات جديدة لإخفاء وحماية قيادة المجموعات المسلحة القائمة من مواجهة انتقام محتمل”.
ويرى خبراء آخرون أن الهدف من الهجمات التي يرجّح أن تتواصل خلال الزيارة إحراج الكاظمي الأقرب إلى الإدارة الأميركية من سلفه والذي يخوض حملة لاستعادة السيطرة على المراكز الحدودية حيث تمارس مجموعات مسلحة أعمال تهريب وتفرض فدية على الاستيراد والتصدير.
وقد أغضب ذلك الفصائل العراقية الداعمة لإيران والتي فقدت قائد عملياتها أبومهدي المهندس الذي قُتل مع الجنرال الإيراني قاسم سليماني في ضربة أميركية قرب مطار بغداد؛ فيما تخضع إيران لعقوبات أميركية قاسية.
ونفذ 39 هجوما صاروخيا ضد مصالح أميركية في العراق من أكتوبر إلى نهاية يوليو. وتكثفت الهجمات بعد تأكيد اللقاء في البيت الأبيض بين الكاظمي وترامب. واشتدت الوتيرة منذ الرابع من أغسطس حيث استهدفت سبع هجمات أرتالا لوجستية عراقية تحمل مؤنا كانت في طريقها إلى قواعد تضم جنودا أميركيين، واستهدفت ست هجمات صاروخية مواقع أميركية بما في ذلك السفارة في بغداد.
وبعد هجوم ضد رتل عسكري في الجنوب، اعتقل في السابع من أغسطس رجل وبحوزته عبوات ناسفة وبطاقة تعريفية تؤكد انتماءه إلى فصيل ضمن الحشد وتمهد له عبور الحواجز الأمنية، وفق مصدر استخباراتي.
ومنذ بدء الهجمات تبنت مجموعة مسؤوليتها عن استهداف قافلة لوجستية في ذي قار جنوب العراق تطلق على نفسها “سرايا ثورة عشرين الثانية” نسبة إلى ثورة العشرين في عام 1920 ضد البريطانيين.
ونشرت سرايا ثورة عشرين الثانية بيانا بثته حسابات موالية لإيران على تطبيق تلغرام، بعدما قارن قيس الخزعلي، أحد قادة الحشد الشعبي، بين رجاله ورجال ثورة العشرين الحقيقيين.
كما بثت مجموعة أخرى تطلق على نفسها اسم “عصبة الثائرين” لقطات بطائرة مسيرة للسفارة الأميركية في داخل المنطقة الخضراء المحصنة، مهددة بقصفها.
وقال رمزي مارديني إن العمل تحت أسماء مختلفة “يمنح هذه المجموعات مجالا للمناورة وتجنب تحمل المسؤولية المباشرة عن الهجمات على المصالح الأميركية”.
وإذا كانت هذه الجماعات تعمل خارج الحكومة، فمن غير المرجح أن تحمل واشنطن الحكومة المسؤولية وتعاقب بغداد.
وأضاف أن تكثيف الهجمات الأخيرة “رسالة مفادها أن رئيس الوزراء لا يستطيع ردع هذه الهجمات عن طريق التهديد بغارات واعتقالات ضد الميليشيات”.
وفي نهاية يونيو ألقي القبض على 14 شخصا ينتمون إلى كتائب حزب الله الفصيل الأكثر تشددا في الحشد الشعبي، لاتهامهم بشن هجمات صاروخية على أميركيين. وبعد مثولهم أمام قاض موال للحشد أفرج عن 13 من المعتقلين بعد ثلاثة أيام باستثناء رجل واحد مازال رهن الاعتقال.
وعلى إثر تكرار الهجمات بات الكثير من سكان الجنوب حيث تقع معظم الهجمات يرسمون أوجه تشابه بين المقاطع الدعائية والأناشيد التي تنشرها مجموعات شيعية وتلك التي كان ينشرها تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية. ويخشى السكان الشيعة من الانحدار إلى المصير ذاته الذي أدى إلى دمار المناطق السنية خلال الحرب على الإسلاميين المتطرفين.
وفي بلد خرج قبل عشر سنوات من حرب طائفية دامية بين السنة والشيعة، تخشى الحكومة تجدد النزاع بين العراقيين. ويقول عدة مسؤولين حكوميين إن استراتيجيتهم تقوم على التحرك ولكن دون تسمية أي جهة.
فعندما اختطفت ألمانية لمدة ثلاثة أيام في يوليو الماضي، لم تتهم بغداد أحدا بعد الإفراج عنها، لكن مسؤولين مطلعين على مجريات التحقيق تحدثوا عن ورود أسماء فصائل مسلحة. وصرح مسؤول استخباراتي لوكالة فرانس برس أن المنفذين “من فصائل تدعي الانتماء إلى الحشد”.
وقبل ذلك اعتبر اغتيال الباحث هشام الهاشمي في بغداد رسالة أخرى موجهة إلى الكاظمي. إذ كان الهاشمي مقربا من رئيس الحكومة وعمل بشكل خاص على ملف الشبكات التنظيمية والمالية للحشد. وبعد مرور شهر ونصف الشهر، لم يكشف التحقيق بعد عن الجهات التي تقف وراء الاغتيال. ومساء الجمعة، اغتيل ناشط كان يعارض ازدياد نفوذ الفصائل المسلحة في البصرة بإطلاق عشرين رصاصة عليه من مسدس مزود بكاتم للصوت.
وفي يونيو الماضي، أجرت واشنطن وبغداد حوارا استراتيجيا، لبحث مصير التواجد العسكري الأميركي في العراق والتعاون الاقتصادي والسياسي بين البلدين، بحسب بيان سابق للحكومة العراقية.
وركزت جلسات الحوار الاستراتيجي على إلزام الحكومة العراقية بحماية قوات التحالف الدولي لمحاربة داعش، بقيادة الولايات المتحدة، والمنشآت العسكرية التي تستضيفها.
ووفق مراقبين عراقيين، تتسبب هجمات الفصائل الشيعية ضد المواقع العسكرية الأميركية في إحراج الكاظمي على طاولة المباحثات الأميركية، لاسيما وأنه تعهد من قبل بتوفير الحماية اللازمة لقوات التحالف الدولي والدبلوماسيين الأجانب في بلاده.
وقال أستاذ العلوم السياسية في الجامعة المستنصرية عصام الفيلي، لوكالة لأناضول، إن تصاعد الهجمات ضد القواعد والإمدادات العسكرية الأميركية يعد بمثابة “رسائل الفصائل الشيعية المسلحة بأنها غير ملتزمة بأي اتفاق قد يبرمه الكاظمي مع الإدارة الأميركية”.
وتوقع الفيلي أن “تستمر الهجمات الشيعية بشكل يومي بهدف الثأر لقاسم سليماني وأبومهدي المهندس، وإخراج القوات الأجنبية من البلاد”.
ورفض سعران الأعاجيبي عضو لجنة الأمن والدفاع بالبرلمان العراقي الهجمات ضد قواعد التحالف الدولي والإمدادات العسكرية الأميركية في بلاده، معتبرا أنها “تندرج ضمن الجرائم التي يحاسب عليها القانون العراقي”.
وأضاف الأعاجيبي “العراق بحاجة الآن إلى تواجد التحالف الدولي لتقديم المساعدة في المعلومات الاستخبارية والغطاء الجوي لاستهداف عناصر تنظيم داعش الإرهابي”.