ظروف أسواق النفط تدفع أرامكو إلى مراجعة التزاماتها

أرباح الشركة السعودية تتراجع بأكثر من 12 في المئة خلال 2024 مع انخفاض الأسعار والكميات المباعة.
الأربعاء 2025/03/05
الأداء والمكاسب على غير العادة

قررت أرامكو خفض توزيعات الأرباح، الأكبر عالميا، مدفوعة بظروف أسواق النفط، في خطوة قد تشكل ضغوطا إضافية على العجز المالي المتزايد للحكومة السعودية، بينما تسعى الشركة إلى تخفيفها على ميزانيتها الخاصة نتيجة تراجع الأسعار والكميات المباعة.

الرياض - أعلنت شركة أرامكو النفطية العملاقة الثلاثاء عن أرباح أقل كما هو متوقع، الأمر الذي جعل المحللين يجادلون حول ما إذا كان أمر التوزيعات المرتقبة في 2025 يتعلق بالفارق في السيولة الأكثر أم الإدارة والاستعداد أو الاثنين معا.

وقالت الشركة المملوكة بشكل كبير للدولة في إفصاح نشر على موقع البورصة السعودية (تداول) إن “إجمالي التوزيعات المتوقع لعام 2025 سيبلغ نحو 85 مليار دولار، مقارنة بنحو 12.3 مليار دولار أعلنت في العام الماضي.”

وتحظى توزيعات أرباح أرامكو بتركيز كبير من قبل المستثمرين والاقتصاديين، حيث يعد مستوى التوزيعات عاملا رئيسيا في تحديد حجم الاقتراض الإضافي الذي قد تحتاجه الحكومة لسد العجز في ميزانيتها.

وأصبحت أرباح أرامكو ذات أهمية متزايدة بالنسبة إلى البلد، في ظل استمرار ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في تنفيذ خطته الطموحة للتحول الاقتصادي، والتي تبلغ تكلفتها التريليونات من الدولارات.

ولطالما شكلت إيرادات مبيعات النفط والتوزيعات السخية لأرامكو حجر الأساس في تمويل هذه التحولات، لكن الضغوط المتزايدة على ميزانية الشركة دفعتها إلى وضع صافي دين للمرة الأولى، بعد أن كانت تمتلك فائضا بأكثر من 27 مليار دولار قبل عام واحد فقط.

وانخفضت الأرباح الصافية بنسبة 12.39 في المئة في 2024 مقارنة بالعام 2023، للسنة الثانية تواليا بعد تحقيقها أرباحا قياسية في 2022، بسبب انخفاض أسعار الخام والكميات المباعة، مع مواصلة أكبر مصدّر للخام الأسود خفضا في إنتاجها خلال العام الماضي.

وقالت أرامكو إن "صافي الدخل بلغ 298.42 مليار ريال (106.25 مليار دولار) في مقابل 121.25 مليار دولار في 2023." ونسبت هذا التراجع إلى "انخفاض أسعار النفط الخام والكميات المباعة بالإضافة إلى انخفاض أسعار المنتجات المكررة والكيميائية."

أمينة بكر: انخفاض أرباح وصافي دخل شركة أرامكو كان متوقعا
أمينة بكر: انخفاض أرباح وصافي دخل شركة أرامكو كان متوقعا

ومع ذلك، قال الرئيس التنفيذي للشركة أمين الناصر “يؤكد الدخل القوي وتوزيعات الأرباح مرونة أرامكو الاستثنائية وقدرتها على الاستفادة من نطاق أعمالها الفريد، وتكلفة إنتاجها المنخفضة، ومستوياتها العالية من الموثوقية لتقديم أداء ريادي لمساهمينا ومتعاملينا.”

وتعد أرباح 2024 بعيدة بشكل كبير عن الأرباح المسجلة في 2022 التي بلغت 161.1 مليار دولار وهو مستوى قياسي نجم حسب الشركة عمّا سببته الحرب في أوكرانيا من ارتفاع غير مسبوق في أسعار النفط بلغت عند ذروتها أكثر من 130 دولارا للبرميل.

وسمح ذلك للسعودية بتسجيل أول فائض في ميزانيتها السنوية منذ ما يقارب العشر سنوات. لكن أسعار النفط تراجعت في 2023 ثم في 2024 إلى قرابة 75 دولارا للبرميل.

وأدى ذلك إلى تراجع صافي أرباح الربع الثالث من 2024 بنسبة 15 في المئة على أساس سنوي، و14.5 في المئة في الربع الأول و3.4 في المئة في الربع الثاني. وأشارت أمينة بكر رئيس قسم إحصاءات الشرق الأوسط لدى شركة كبلر للاستشارات التجارية أنّ تراجع الأرباح كان "متوقعا."

وأفادت لوكالة فرانس برس لأنّ “انخفاض صافي الدخل سببه استمرار السعودية في اتباع سياسة أوبك+ عبر الخضوع لتخفيضات جماعية بالإضافة إلى التخفيضات الطوعية.”

ويبلغ إنتاج السعودية حاليا ما يقارب 9 ملايين برميل يوميا، أي أقل من قدرتها الإنتاجية البالغة 12 مليون برميل يوميا. ويعكس الرقم المنخفض نسبيا سلسلة من قرارات خفض الإنتاج بدأت في أكتوبر 2022، وهو ما ترك أثره بوضوح على الأرباح.

وإضافة إلى ذلك، أعلنت الرياض في أبريل 2023 خفضا مقداره 500 ألف برميل يوميا في إطار تحرك مشترك مع تحالف أوبك+ لخفض الإمدادات بأكثر من مليون برميل يوميًا.

وفي يونيو 2023، أعلنت الرياض خفضا طوعيا إضافيًا للإنتاج بمقدار مليون برميل يوميًا. وفي ديسمبر الماضي ، اتفقت عدة بلدان منضوية في التحالف، بما فيها السعودية وروسيا، على تمديد خفض الإمدادات لثلاثة أشهر حتى مارس الحالي.

وكذلك، أعلنت حينها ثماني دول من أعضاء أوبك+ أنها ستبدأ في التخلص التدريجي من تخفيضات الإنتاج الطوعية البالغة 2.2 مليون برميل يوميا اعتبارا من أبريل، بمعدل 120 ألف برميل يوميا كل شهر لمدة 18 شهرا.

ويعتقد روبرت موغيلنيكي، باحث مقيم في معهد دول الخليج العربية في واشنطن، أنّ مروحة أسباب تشمل “الجمع بين فائض النفط العالمي، والقدرة الإنتاجية الاحتياطية الوفيرة، والطلب العالمي غير المؤكد.”

وأشار إلى العديد من الإشارات السياسية الصادرة عن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والتي ستؤثر كلها على أسعار النفط.

وتابع “ظلت الأسعار أقل مما ترغب حكومات الخليج مثل السعودية في رؤيته. ستحتاج الحكومة السعودية ومعظم الحكومات الأخرى في المنطقة إلى الاستمرار في الإنفاق بشكل ذكي.”

روبرت موغيلنيكي: الأسعار ظلت أقل مما ترغب حكومات الخليج في رؤيته
روبرت موغيلنيكي: الأسعار ظلت أقل مما ترغب حكومات الخليج في رؤيته

ولا تعد أرامكو الشركة الكبرى الوحيدة في قطاع الطاقة التي سجلت انخفاضا في الأرباح. فقد سجّلت شركة شل البريطانية انخفاضا بنسبة 17 في المئة في أرباحها العام الماضي، وسجلت شركة توتال إنيرجي الفرنسية انخفاضا بنسبة 26 في المئة.

وتعدّ أرامكو درة تاج الاقتصاد السعودي والمصدر الرئيسي لتمويل رؤية 2030 خطة الإصلاح الطموحة التي يقودها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، والتي تهدف لإعداد البلد لمرحلة ما بعد النفط.

وتمول أرباح الشركة مشاريع رئيسية بما في ذلك مدينة نيوم المستقبلية مترامية الأطراف في شمال غرب السعودية ومطار ضخم في الرياض ومشاريع سياحية وترفيهية كبرى.

وذكر صندوق النقد الدولي في أبريل الماضي، أنه عند مستويات الإنتاج الحالية، سيكون سعر التعادل المالي للنفط في المملكة 96.2 دولار للبرميل.

وتعتقد شركة جدوى للاستثمار، ومقرها الرياض، أن خام برنت، وهو المعيار الدولي، سيكون أقل بكثير من ذلك السعر.

وتوقعت في تقرير نشرته في فبراير الماضي “أن تكون أسعار خام برنت عند 75 دولارا للبرميل في عامي 2025 و2026 في المتوسط، منخفضة من 80 دولارا للبرميل في عام 2024.”

وقالت المحللة أمينة بكر “من المعروف أن السعودية تعدل ميزانيتها حسب ظروف السوق، ولا تستهدف المملكة سعراً معيناً للنفط (…) ويمكن تعديل المشاريع والخطط باستمرار.”

ولفتت وزارة المالية السعودية في سبتمبر الماضي إلى أنها تتوقع عجزا في الميزانية بنسبة 2.3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2025 واستمرار العجز حتى العام 2027.

وتملك الحكومة راهنا 81.5 في المئة من أسهم أرامكو، التي تم إدراجها في البورصة المحلية في 2019 بعد أكبر عملية طرح عام أولي في العالم وصلت قيمته إلى 29.4 مليار دولار في مقابل بيع 1.7 في المئة من أسهمها.

كما جمعت السعودية حوالي 12.35 مليار دولار في طرح ثانوي العام الماضي من خلال بيع 12.35 مليار سهم استهدف مستثمرين أجانب بالدرجة الأولى.

11