ظاهرة العمال الأجانب غير النظاميين تغزو العراق الغارق في أزمة بطالة

ظاهرة تسرّب العمال غير النظاميين من دول آسيوية فقيرة إلى العراق تهدّد بإغراق سوق العمل المحدودة أصلا في البلد بعمالة هامشية منافسة للآلاف من العراقيين الباحثين عن مناصب شغل، كما تنطوي على مخاطر أمنية، وقد لا تخلو من أبعاد طائفية إذا كان الغرض من استقدام هؤلاء العمال إحداث تغيير ديموغرافي في مناطق معينة.
بغداد - خرجت السلطات العراقية عن صمتها وحاولت حسم الجدل المتصاعد بشأن وجود الآلاف من الباكستانيين بشكل غير قانوني داخل البلاد.
وفجّر الجدَلَ حول الموضوع وزير الشؤون الدينية الباكستاني شودري حسين عندما أعلن قبل أيام اختفاء خمسين ألفا من مواطنيه الشيعة قال إنهم سافروا إلى العراق للمشاركة في المناسبات الدينية لطائفتهم والتي تقام في مدن عراقية تضمّ أبرز المعالم المقدسة للطائفة من مزارات ومراقد الأئمة.
ونفت وزارة الخارجية العراقية، الأحد، ما أورده الوزير الباكستاني وقالت في بيان إنّها أجرت اتصالات رسمية مع إسلام آباد التي أكّدت وجود التباس حول الموضوع.
ورغم النفي الرسمي يقول عراقيون إنّ وجود أجانب داخل البلاد على مدار السنة وخارج المناسبات الدينية الشيعية بات محسوسا بشكل ملحوظ وأن هؤلاء بدأوا يسجلون حضورهم في العديد من الأعمال والمهن البسيطة، وفي مناطق متفرقة من البلاد.
ونظرت السلطات العراقية أولا إلى موضوع الباكستانيين على أنّه جزء من مشكلة التدفق المتزايد للعمالة غيرالنظامية على البلد من بلدان آسيوية من بينها باكستان وأفغانستان وبنغلاديش.
وعبّر وزير العمل العراقي أحمد الأسدي عن قلقه من تزايد عدد العمالة غير القانونية في البلاد. وقال في بيان صحفي “إن العراق شهد توافد سياح من مختلف البلدان خلال الأيام الماضية من بينهم الباكستانيون، إلاّ أن العديد منهم بدأوا بالانخراط في سوق العمل دون التصاريح القانونية المطلوبة”.
وحذّر من أن “هذه الظاهرة تؤثر سلبا على الاقتصاد الوطني وتنافسية سوق العمل”، متوعدا المخالفين لقوانين الإقامة والشغل في البلاد بأن الوزارة لن تتهاون في اتخاذ الإجراءات القانونية اللاّزمة ضدّهم.
لكن دوائر عراقية بدأت تثير أبعادا أخطر محذّرة من تدفّق لشيعة باكستان على العراق بتشجيع من جهات محلية لأسباب طائفية ذات علاقة بتغيير التركيبة السكانية لبعض المناطق.
وذكّرت ذات الدوائر بأن العراق مثّل خلال سنوات الحرب في سوريا مركزا لتجميع الكثير من المقاتلين الباكستانيين الشيعة وتدريبهم وتسليحهم استعدادا لضمّهم إلى الميليشيات المقاتلة على الأراضي السورية.
وما كرّس الشكوك في وجود عملية استقدام منظّمة لأعداد كبيرة من شيعة باكستان إلى العراق، مقال لصحيفة أخبار العالم الباكستانية قالت فيه إنّ جوازات سفر الباكستانيين يتم جمعها وحجزها عند المنافذ الحدودية من قبل العراقيين قبل أن يتم توزيع أصحابها على مجموعات يتم إرسالها نحو الداخل العراقي.
ومن الجانب الباكستاني قال شودري إنّ حكومة بلاده بصدد أخذ خطوات للتحقق من الأشخاص الذين يسافرون إلى الخارج بوسائل غير قانونية. وألقى باللائمة على شركات قال إنّها احتالت على مواطنيه الخمسين ألفا الذين بقوا في العراق دون تصاريح رسمية والذين يجري البحث عن أماكن تواجدهم من قبل السلطات العراقية.
وتحت طائلة مطالبة الخارجية العراقية له بتقديم توضيحات، عاد الوزير الباكستاني ليقول عبر حسابه في منصّة إكس، إنه “تم إخراج تصريحه الأول بشأن اختفاء خمسين ألفا من مواطنيه في العراق عن سياقه، وتم استعماله للإساءة لباكستان”.
وأشار إلى أن العدد الذي تحدّث عنه يتعلّق بالسنوات الماضية وليس هذه السنة فقط، مضيفا أن “هؤلاء لم يختفوا بل تخلفوا عن العودة وليسوا تابعين لأي جهة أو تنظيم”. وأوضح أنهم “ذهبوا عبر جهات وشركات بغرض العمل بشكل قانوني لكن ما حصل أن هذه الشركات لم تقم بالوفاء بالتزاماتها، بل تركتهم للمجهول في العراق”.
ويحمل التزايد المسجّل في تدفق الأجانب على سوق العمل العراقية مفارقة، تتمثّل في أنّ العراق لا يعدّ من الدول المزدهرة اقتصاديا ولا يعيش بحبوحة على غرار بلدان الخليج كما أنّ ظروف العيش فيه ليست جيدة، فيما ترتفع نسبة الفقر بين سكانه، ونسبة البطالة في صفوف شبانه المقبلين على العمل. وأظهرت أرقام رسمية حديثة وجود أكثر من مليون عامل أجنبي في العراق سبعة في المئة منهم فقط حصلوا على تصاريح عمل من سلطاته.
وبحسب وزارة العمل والشؤون الاجتماعية العراقية، فإن “مئات الآلاف من العمال الأجانب يعملون في العراق دون تصاريح وبشكل غير قانوني، وكان لذلك تأثير سلبي كبير على القطاعين الاقتصادي والاجتماعي”.
وتُظهر إحصائيات دولية وجود أكثر من ستة ملايين عراقي عاطلين عن العمل. ومع تدفق العمالة الأجنبية يتوقّع أن يتزايد العدد بشكل سريع مع ارتفاع الفاتورة المالية المترتّبة على ذلك. وتقول لجنة العمل في البرلمان العراقي إن أكثر من أربعة مليارات دولار تدفع سنويا للعمال الأجانب بالعملة الصعبة ويتم تسريبها إلى الخارج.
كما أن عدم وجود معلومات رسمية موثّقة لدى السلطات بشأن هوية العمال الأجانب وأماكن تواجدهم يجعل منهم تهديدا أمنيا للبلد الذي لم يتجاوز بعد بالكامل خطر التنظيمات الإرهابية مثل تنظيم داعش والتي كثيرا ما تعمل على تجنيد أتباع لها ومقاتلين في صفوفها داخل الأوساط الأكثر هشاشة.
دوائر عراقية تحذر من تدفّق لشيعة باكستان على العراق بتشجيع من جهات محلية لأسباب طائفية ذات علاقة بتغيير التركيبة السكانية لبعض المناطق
ورغم نفي وجود الخمسين ألف باكستاني الذين كشف عنهم الوزير في حكومة إسلام آباد، فإن السلطات العراقية تأخذ ظاهرة تزايد الأجانب المقيمين في البلاد بشكل غير قانوني على محمل الجد، وتتخذ إجراءات عملية لمواجهتها. وكشف مصدر مطلع، الأحد، عن صدور “أوامر عليا” بمضاعفة الإجراءات لمنع تدفق العمالة الأجنبية المخالفة من إقليم كردستان صوب العاصمة بغداد.
وأوضح المصدر أن الأوامر شملت تشديد الإجراءات في السيطرات الرئيسية على الطرق بين الإقليم ومحافظة ديالى شمالي بغداد بشكل مباشر وإعادة شمول الطرق والمسالك الفرعية في المناطق الزراعية بإجراءات التفتيش والكمائن من أجل ضبط أي عمالة أجنبية مخالفة لشروط الإقامة يجري نقلها وتهريبها باتجاه العاصمة.
وأضاف المصدر الذي نقلت عنه وكالة بغداد اليوم الإخبارية أنّ “ملف الباكستانيين الذي تحول إلى قضية رأي عام في الأيام الأخيرة أثار الانتباه إلى خطورة العمالة الأجنبية غير القانونية في العراق ودفع إلى تعزيز الإجراءات وزيادة وتيرة البحث والتدقيق والتفتيش”، مؤكدا أن “المئات جرى ضبطهم في الأشهر الماضية من خلال سيطرات ديالى ينتمون إلى اثنتي عشرة جنسية أغلبها آسيوية”.
وأشار إلى أن “أغلب من جرى ضبطهم يعملون في مهن مختلفة ومنها خدمة المنازل والصالونات بالإضافة إلى المولات”، لافتا إلى أن “تشديد الإجراءات سيأخذ أبعادا مختلفة من أجل تضييق الخناق ومنع تدفق أي عمالة غير قانونية قادمة من إقليم كردستان صوب بغداد”.
ويشترك إقليم كردستان العراق في حدود طويلة مع تركيا وأيضا مع إيران والتي تمثّل عادة مصدرا رئيسيا للمهاجرين غير النظاميين القادمين من بلدان آسيوية أبعد كما تعرف مناطق الحدود معها حركة تهريب نشطة لمختلف السلع والمواد بما في ذلك المخدّرات، نظرا لكون تلك المناطق غير مضبوطة بالشكل الملائم وتنشط فيها جماعات مسلحّة.
وبشأن العبء المالي للمقيمين والعاملين بشكل غير قانوني في العراق بمن في ذلك الباكستانيون الذين كشف عنهم الوزير شودري، قدّر عضو مجلس النواب العراقي عامر عبدالجبار إسماعيل تكلفة إعادة الخمسين ألف متسلل باكستاني إلى بلادهم بحوالي خمسين مليون دولار أميركي، محذرا من وجود تحديات أمنية ومالية مرتبطة بهذه القضية.
وكتب إسماعيل على منصة إكس “هناك خمسون ألف متسرب باكستاني، والقوات الأمنية ألقت القبض على واحد وثلاثين منهم فقط”. وأضاف متسائلا “هل ننتظر أربع سنوات لإلقاء القبض على جميع المتسللين”.