ظاهرة احتفال النساء بطلاقهن تزداد بشكل لافت في المجتمعات العربية

حفلات الطلاق خطوة جريئة للتعافي من حالات الزواج الفاشلة.
الأربعاء 2022/11/02
الفرح بالطلاق تعبير عن حزن دفين

تسربت ظاهرة الاحتفال بالطلاق إلى المجتمعات الشرقية، فلم تعد المناسبة حدثا محزنا بل أصبحت تقام لها الحفلات وتحجز لها المطاعم وتجهز لها قوالب الحلوى، ويُحتفل بها في أجواء صاخبة تماما مثل ما يتم في أعياد الميلاد أو إثر الحصول على الشهادات الجامعية. ويرى خبراء الاجتماع أن الظاهرة في باطنها تعبير عن التعافي من حالات الزواج الفاشلة وإعلان عن بدء حياة أفضل.

تونس - زادت ظاهرة احتفال النساء بطلاقهن في المجتمعات العربية بشكل لافت، وتباينت حولها الآراء.

ورغم أن الكثيرين اعتبروها مجرد تقليد للغرب، إلا أن علماء الاجتماع والمحللين وعلماء النفس اعتبروها خطوة جريئة للتعافي من حالات الزواج الفاشلة، ومناسبة لاسترجاع المطلقة لكرامتها المهدورة.

وقالت الأخصائية النفسية شهرزاد العبدلي إن إقامة حفلات الطلاق “خطوة جريئة” تأتي للتعافي من حالات الزواج الفاشلة، وبدء حياة أفضل.

وترى أن تأثيرها سيكون إيجابيًا على المرأة، فـيكفي أنها تحلت بالشجاعة للقيام بهذه الخطوة ووقفت بوجه المجتمع الذي يحمل وجهة نظر سلبية عن الطلاق. فهي تريد أن تثبت أن الطلاق مفرح وهو حل للمشكلة.

أحمد الأبيض: احتفال المرأة علامة على أنها سعيدة بانتهاء علاقة أنهكتها
أحمد الأبيض: احتفال المرأة علامة على أنها سعيدة بانتهاء علاقة أنهكتها

كما يرى اختصاصيون ومحللون أن هذا النوع من الحفلات يخفي وراءه نوعاً من أنواع محاولات تخفيف العبء النفسي لتجربة قاسية. وتحدثت الكاتبة تارا آيزنهارد المختصة في العلاقات في مقال لها بأن “الطلاق هو فرصة للتعلم والشفاء والنمو”، وشجعت في الأثناء متابعيها على القيام بشيء ما، سواء كان “حفلاً أو تجمعاً بسيطاً”، حيث أنه حسب رأيها “تساعد إقامة حفل المطلقين على بداية جديدة وهم يشعرون بدعم الأسرة والأصدقاء”.

فيما تتعارض آراء مختصين آخرين مع هذا الرأي باعتبار أن الاحتفال بنهاية العلاقة مع طرف ما يتعارض مع مشاعر الغضب والأذى والحزن المرتبطة عادة بالطلاق والتي من شأنها التأثير على النساء أكثر من الرجال. وأشار مختصون في ذلك إلى أن هذا النوع من السلوك قد يوفر شعوراً مؤقتاً بالانتقام لكنه لا يساعد في معالجة المشاعر السلبية.

وفاقمت حفلات الطلاق من مخاوف العديد من الجهات في المجتمعات العربية التي تشهد بلدانها ارتفاعاً مقلقاً في معدلات الطلاق ناهزت 500 حالة يومياً.

ووفق آخر إحصائيات لعام 2021، سجلت السعودية 7 حالات طلاق كل ساعة، أي بمعدل 162 حالة يومياً. فيما سجلت تونس 940 حالة طلاق شهرياً، أي بمعدل 4 حالات كل 3 ساعات. وبلغت حالات الطلاق فى الجزائر 64 ألف حالة سنوياً، أي بمعدل حالة كل 12 دقيقة. أما فى الأردن فقد وصلت حالات الطلاق إلى 14 ألفا سنويا.

وكانت السعودية من بين أكثر البلدان العربية التي انتشرت فيها مؤخراً حفلات الاحتفال بالطلاق، في مراسم شبيهة بحفلات الزفاف تناقلت مشاهد منها العديد من منصات التواصل الاجتماعي.

وتعليقاً على هذه الظاهرة قال حسن سفر عضو المجمع الفقهي الدولي وأستاذ السياسة الشرعية ونظم الحكم في جامعة الملك عبدالعزيز “حفلات الطلاق سنّة اجتماعية غير حميدة، ولا تليق بمقام من ينتمي إلى الإسلام عقيدةً وشريعةً ونظاماً”.

وأكد مستشارون نفسيون سعوديون أن حفلات الطلاق التي انتشرت في المملكة مجرد تعبير خاطئ عن الرغبة في الانتقام لمن تعرضت للإهانة في زواجها.

وشهدت كذلك مصر والعراق والإمارات وموريتانيا والعديد من المجتمعات العربية الأخرى انتشار الظاهرة ذاتها وسط تباين شديد في الآراء حولها.

مجرد تعبير خاطئ عن الرغبة في الانتقام لمن تعرضت للإهانة في زواجها
مجرد تعبير خاطئ عن الرغبة في الانتقام

وتسربت تقاليد الاحتفال بالطلاق شيئا فشيئا إلى المجتمعات الشرقية ولم يعد هذا الفعل أبغض الحلال عند الله، بل أصبحت تقام له الحفلات وتحجز له المطاعم وتجهز له قوالب الحلوى، ويُحتفل به في أجواء صاخبة تماما مثل ما يتم في أعياد الميلاد أو إثر الحصول على الشهادات الجامعية.

وفي شهر مارس من العام 2020 نشرت الممثلة التونسية لمياء العمري صورة عبر حسابها الشخصي على فيسبوك أعلنت من خلالها عن طلاقها.

وتمثلت الصورة في قالب حلوى يبدو أنها أعدته بنفسها لتعلن به عن طلاقها، حيث كتبت “مطلقة.. أشعر براحة كبيرة الحمد لله”.

وبعدها بشهرين أصبحت فداء الفتاة الفلسطينية من قطاع غزة حديث مواقع التواصل الاجتماعي بعد أن نشرت صورا لحفلة طلاق أقامتها للتعبير عن فرحتها الغامرة بالانفصال عن طليقها.

وانتشرت خلال الآونة الأخيرة بين الفتيات في العالم العربي حفلات الطلاق، حيث أصبحن يحولن الطلاق -وهو نهاية العِشرة- إلى سعادة والفشل إلى فرحة عارمة.

ويشكل فستان الفرح محور حفلة الطلاق، حيث ترتدي المطلقة الفستان وتقوم بتلطيخه بصلصة الطماطم أو تمزيقه بالمقص، كما أن الخيال والبحث عن المتعة من خلال الانتقام من الزوج بطريقة مضحكة هما سيدا الموقف، فمثلا يصنع الخباز كعكة كبيرة ويضع عليها صورة الزوجة وهي ممسكة برأس الزوج الخائف، أو تورتة عليها صورة الزوج وهو ملقى في سلة المهملات.

وتوازي هنا حفلة الطلاق في الشكل حفلة الزواج. فهي تخلص المطلقة من حالات الشعور باللوم ومعاتبتها لنفسها على القيام بحفلة الزواج في السابق أساسا.

ويشير خبراء علم الاجتماع إلى أن حفلات الطلاق ظاهرة جديدة على المجتمعات العربية، وربما صارت تنتشر اقتداء بالنماذج الغربية، مؤكدين على أن حفلة الطلاق تنتج عن المعاناة التي عاشتها السيدة أثناء حياتها الزوجية وما تعرضت له من الإساءة البدنية والنفسية.

ويعتبر علماء النفس أن الطلاق قد يصبح رحمة بالنسبة إلى الذين تحولت حياتهم الزوجية إلى جحيم جراء سوء التفاهم وسيل المشاكل اليومية التي قد تضر بعلاقة الزوجين.

وقال المختص في علم النفس التونسي أحمد الأبيض إن “الاحتفال بالطلاق إن حصل يدل على أن الشخص الذي قام بالفعل فشل في علاقته الزوجية وكان متأذيا منها، وعلى أن الطرف المحتفي كان متضررا متألما وحاسما في موقفه من الطرف الثاني”.

هذا النوع من الحفلات يخفي وراءه نوعاً من أنواع محاولات تخفيف العبء النفسي لتجربة قاسية، وهو فرصة للشفاء

وأضاف لـ”العرب” أن “المرأة في حالة الطلاق تعتد ثلاثة أشهر، أما في حالة الخلع فقد تعتد شهرا أو لا تعتد، وإن وصلت إلى الخلع فيعني ذلك أنها قطعت كل أواصر التواصل مع الآخر، ما يعني أن احتفالها يمكن أن يكون علامة على أنها سعيدة بانتهاء علاقة أنهكتها”.

وتقول فتون غازي الاختصاصية الاجتماعية الإماراتية إن “بعض الرجال لا يعترفون بالزواج والمودة والرحمة ويتعمدون الإساءة إلى الزوجة وظلمها والاندفاع في الغضب وعدم تحمل المسؤولية، ويحطّون من شأنها كما يعنفونها بكل السبل لإذلالها وتعذيبها”.

وأضافت “هناك من طلقت وهي مظلومة أو ندمت بعد طلاقها ولا تريد تذكر يوم طلاقها الذي يذكرها باللقب العالق في أذهان محيطها الاجتماعي، فمن حق أي طرف أن يسعد بطلاقه بعد علاقة قاسية مر بها، لكن هذا لا يعني إقامة حفلة”.

بدورها أكدت الدكتورة ياسمين الخالدي المستشارة الأسرية والتربوية والنفسية أن “حفلات الطلاق تتنافى مع العادات والتقاليد الإسلامية والعربية”.

وقالت الخالدي “إذا بحثنا عن سبب هذه السلوكيات الغريبة من قبل بعض النساء نجدها مشاعر نفسية متراكمة تكتنز الرغبة في الانتقام من السنوات التي عشنها خلال حياة زوجية فاشلة وتعبيرا نفسيا متناقضا، وعوضا عن الانكسار النفسي يحاولن أن يخرجن من أوضاعهن به”.

ويتزامن ذلك كله مع ارتفاع معدلات الطلاق ووصولها إلى أعدادٍ كبيرة، إذ بلغ عدد حالات الطلاق المُسجلة خلال عام 2021 بالعراق أكثر من 73 ألف حالة، أما في مصر فترصد أرقام الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء زيادة هائلة في عدد حالات الطلاق في البلاد خلال العام 2021، مقارنة بالعام الذي سبقه بلغت نسبتها 14.7 في المئة، ويشير الإحصاء الجديد إلى أن حالات الطلاق خلال العام 2021 سجلت ارتفاعا وصل إلى 254 ألفا و777 حالة، مقابل 222 ألفا و39 حالة في 2020.

17