طوني فرنجية فارس جديد في حرب الموارنة على قيادة لبنان

أحدث التحركات التي لفتت إليه الأنظار كانت زيارته اللافتة إلى روسيا. الأمر الذي بدا وكأنه تطويب من الروس للزعيم الجديد لقطاع واسع من المسيحيين في لبنان.
وفي موسكو التقى طوني سليمان فرنجية، الذي قدم نفسه كعضو في التكتل الوطني، الممثل الخاص للرئيس الروسي للشرق الأوسط وبلدان أفريقيا ونائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف. كان ذلك اللقاء في مقر وزارة الخارجية الروسية وناقش الاثنان الأوضاع في لبنان، ومشكلة النازحين السوريين والمبادرات الروسية لإعادتهم إلى سوريا.
فرنجية الشاب من الوجوه الجديدة التي أفرزتها الانتخابات النيابية اللبنانية الأخيرة، وهو الذي يطلق عليه أنصاره ومحبوه لقب “البيك الصغير” لتمييزه عن والده رئيس تيار “المردة” الوزير والنائب السابق “سليمان بيك” فرنجية.
غير أن هذا “الشبل” الذي تجري السياسة في عروقه أثبت خلال فترة وجيزة حضوره السياسي والشعبي بشكل لافت. ولم يكن تخلّي فرنجية الأب عن مقعده النيابي سوى تمهيد لتوريث الزعامة لـ“البيك الصغير”، في خطوة تشبه إلى حد كبير ما أقدم عليه “البيك” الآخر وليد جنبلاط عندما سلّم نجله البكر تيمور “كوفية” الزعامة الجنبلاطية والدرزية، رغم أن التشابه في “التوريث” لا ينطبق على موقع فرنجية الابن داخل الطائفة المارونية مثلما هي الحال مع جنبلاط الابن داخل طائفة الموحدين الدروز.
وقد استطاع طوني فرنجية في السنوات الأخيرة أن يجتاز حواجز الألقاب، فكان ينخرط بتواضع مع أهالي مدينة زغرتا، مسقط رأسه، ويشاركهم جلساتهم واحتفالاتهم الأمر الذي شكّل له حالة شعبية كبيرة زادت من رصيده الذي ورثه بحكم انتمائه العائلي.
زغرتا الملعب الأول
فرنجية الذي ولد في زغرتا في العام 1987 يحمل إجازة جامعية في الاقتصاد من جامعة البلمند وماجستير في الاقتصاد المالي من جامعة “سيتي يونيفرسيتي” البريطانية وقدره المحتوم كان أن يصير وريث الزعامة الزغرتاوية العريقة.
التزم فرنجية منذ نعومة أظفاره السياسة العامة التي رسمها له والده ومن قبله جده لوالده الرئيس الراحل سليمان فرنجية، من حيث قربهم من سوريا وآل الأسد، فلم يخف يوماً اعتزازه بهذا الإرث لا بل راح يتحدث عنه وعن اعتزازه بالعلاقة التي تجمع والده برئيس النظام السوري، مشيراً في عدة أحاديث إلى قناعته بضرورة الحفاظ على هذه العلاقة والدفاع عن النظام السوري في وجه “الحملة العالمية التي تشن ضده”.
وقد حاول “بيك زغرتا” ترسيخ صورة ابنه البكر على أنه الوريث الشرعي والشعبي لزعامة العائلة ومنطقة زغرتا – أهدن من خلال دفع طوني إلى الانخراط أكثر مع أبناء المنطقة، رغم شعوره بـ”الخوف” إزاء احتمالات وجود نيات “ثأرية” قديمة قد تطاله.
وراح طوني أثناء التحضير لخوض الانتخابات النيابية الأخيرة التي أجريت بموجب قانون النسبية والتي جمعت أقضية زغرتا مع بشري والكورة والبترون، وهي منطقة تواجد تيار المردة الطبيعية في منطقة الشمال، يجول في مختلف قرى المنطقة مقدّما نفسه على أنه مرشح تياره إلى هذه الانتخابات، ما أكسبه نوعاً من التواصل المباشر مع ناسه وأبناء منطقته، خصوصاً أنه تميّز بـ”روح النكتة” والتواضع الكبير الذي أسقط هالة “الزعامة” التي تنفّر الناس عادة وتجعلهم يقفون على مسافة من “الزعيم”.
انتصارات إعلامية
برزت ملامح نضوج طوني السياسية منذ دخوله إلى أكاديمية المردة التي أنشأها والده لتحضير الكادرات السياسية القادرة على تلبية طموحات الشباب، فظهر نضجه وإلمامه بكافة المواضيع السياسية التي تدور على الساحة الداخلية في لبنان خلال المقابلة الإعلامية الأولى التي أجراها مع الإعلامي مارسيل غانم، فتمكن بلباقته ودبلوماسيته من الخروج “منتصراً” على غانم الذي غالباً ما يحرج ضيوفه بأسئلة محرجة، لم يكن وقعها على طوني بالسوء الذي كان يتوقعه البعض.
ولم يفوت زعيم “تيار المردة” فرصة إلا ودفع من خلالها نجله طوني للتعرف على الشخصيات السياسية الرئيسية والمؤثرة في البلاد، فأصبح وقبل فترة طويلة من الانتخابات النيابية على معرفة بمعظمهم، ويصنّفهم من دون إحراج في خانة الصديق أو الحليف، لكن بات واضحاً أن علاقته مع “التيار الوطني الحر” هي الأكثر تأزماً وتأثيراً في نفسه.
الاتصال اليتيم الذي حاول رئيس "التيار الوطني الحر" الوزير جبران باسيل إجراءه بفرنجية لتقديم التعزية، قوبل بالرفض من قبل الأخير وخصوصاً من نجله طوني الذي عبّر عن امتعاضه من السياسة الكيدية التي يمارسها باسيل مع كافة الفرقاء اللبنانيين وتحديداً مع "المردة"
وفي الأسبوع الماضي، منيت عائلة فرنجية بمصاب جلل تمثل في وفاة روبير فرنجية نجل الرئيس الراحل سليمان وعم سليمان الحفيد، فكانت زغرتا مقصداً للقادة اللبنانيين الذين حضروا لتقديم واجب التعزية بفقيد العائلة. لكن اللافت كان وقوف طوني إلى جانب والده يتقبل التعازي من نواب ووزراء حاليين وسابقين، إلا أن الاتصال اليتيم الذي حاول رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير جبران باسيل إجراءه بفرنجية لتقديم التعزية، قوبل بالرفض من قبل الأخير وخصوصاً من نجله الذي عبّر عن امتعاضه من السياسة الكيدية التي يمارسها باسيل مع كافة الفرقاء اللبنانيين وتحديداً مع “المردة”.
وكان والد طوني أحد المرشحين البارزين إلى الرئاسة اللبنانية، لكن وقوف “حزب الله” الحليف الطبيعي لفرنجية مع منافسه الرئيس ميشال عون، أفقد فرنجية الحظوظ التي ازدادت خلال فترة معينة بعدما أصبح محور مبادرة لإنهاء الفراغ الرئاسي أطلقها الرئيس سعد الحريري وحظيت بقبول وموافقة ضمنية من رئيس المجلس النيابي نبيه بري، وعلنية من رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، حتى أن الرئيس الفرنسي السابق فرنسوا هولاند أجرى اتصالاً بفرنجية اعتبر بمثابة تهنئة، لكن موقف القوات اللبنانية ورئيسها سمير جعجع أطاح بهذه المبادرة وعطّلت وصول “سليمان بيك” إلى قصر بعبدا.
الحق بالرئاسة
وينقل عن طوني وفي مجالسه الخاصة، حديثه عن أحقية والده بالرئاسة التي “لن تكون بعيدة عنه في المرة المقبلة”، ولا يعتبر أن تأييد “حزب الله” لعون أوجد شرخاً في علاقة التحالف الاستراتيجية المتينة بينه وبين “حزب الله”، كما أنه يؤيد فتح صفحة علاقة جديدة مع القوات اللبنانية قوامها “مصلحة البلد”، كما يحاول تمديد حضوره “المسيحي” من خلال إقامة علاقة شخصية وثيقة مع رئيس حزب “الكتائب” النائب سامي الجميل.
وكان لافتاً في إطلالة فرنجية الإعلامية حديثه عن العلاقة الخاصة التي تجمعه بسامي وتيمور جنبلاط ومعظم النواب الشباب الجدد الذين سيحاول أن يعمل معهم كما قال على طرح مشاريع “شبابية” أمام المجلس، لكي تكون مقدمة لإيجاد فرص عمل تحد من هجرة الجيل الطالع والكفؤ إلى بلاد الاغتراب.
طوني فرنجية نموذج عن الشباب اللبناني الذي عليه ستقع مسؤولية قيادة البلاد بعد “تقاعد” قيادات الصف الأول الحالي، وبالتأكيد يشكّل نموذجاً واعداً يعيد بعض الأمل إلى نفوس الشباب الذي كفر بقياداته التي أوصلت البلاد إلى حالة الخراب التي تعيشها.
وإذا دارت الدوائر ووصل سليمان فرنجية إلى قصر بعبدا، فستكون المرة الثانية التي يصل فيها أحد أبناء هذه العائلة إلى القصر الجمهوري ويكون نجله نائباً وربماً وزيراً كما كانت الحال مع الرئيس الراحل سليمان، ونجله طوني جد النائب الحالي، والذي كان وزيراً في حكومة الشباب التي ألفها الرئيس الراحل صائب سلام في مطلع عهد فرنجية في السبعينات من القرن الماضي.
يقول فرنجية في لقاء جمعه مع كوادره في المخيم السنوي لشباب المردة إن “المعضلة الأساسية تكمن في فقدان اللبناني ثقته بوطنه، ونحن لطالما عملنا وسنبقى لتغيير النهج السائد حيث تهيمن بعض الأحزاب على مختلف مفاصل الدولة”. ويشدد على أن “التحدي الأساسي هو إعادة الأمل إلى اللبنانيين عموما وإلى الشباب خصوصا”.
لكن الزعيم الشاب يضيف أن “مشكلتنا مع العهد تكمن في النهج الذي يتبعه وفي الاستنسابية في التعاطي مع المواطنين، وهذا يوصل البلد إلى الهلاك المحتم”.
وتبقى أزمة تشكيل الحكومة عالقة ما بين رئيس الحكومة المكلف ورئيس الجمهورية، الأمر الذي يعلق عليه فرنجية بالقول “نطالب بتشكيل الحكومة في أسرع وقت، وننتظر القرارات التي ستتخذها بعد التشكيل، والإصلاحات الجدية والضرورية، التي ستعتمدها، وإلا سيبقى البلد على حاله. الوضع الراهن في لبنان لا يمكن اختصاره بالفساد فقط بل هو نهج متكامل يؤدي إلى الحال التي هي عليها البلاد”.