طهران تفعل أدوات الضغط على دمشق استباقا لأي تحولات

تحاول إيران تفادي أي مفاجآت غير سارة لها في الساحة السورية في ظل التحولات الجارية في علاقة دمشق بمحيطها الإقليمي والعربي، وذلك عبر تفعيل عدد من أوراق الضغط والتي لا تخلو من ابتزاز لنظام الرئيس بشار الأسد.
دمشق- تثير التحولات الطارئة في علاقة دمشق بمحيطها الإقليمي، وأيضا ما يتردد عن اتصالات تجري خلف الكواليس بين نظام الرئيس بشار الأسد وعدد من العواصم الغربية، قلق إيران، التي تخشى من تداعيات تلك التحولات على نفوذها في سوريا، والذي يتجاوز البعدين العسكري والسياسي إلى الاقتصادي وحتى الثقافي والاجتماعي.
وعمّق موقف دمشق المحايد حيال التطورات الإقليمية في علاقة بالحرب الدائرة في قطاع غزة، فضلا عما ظهر من مؤشرات على إمكانية تطبيع دمشق لعلاقتها مع أنقرة، وتحسن علاقتها مع محيطها العربي ولاسيما مع دول الخليج، من هواجس طهران.
وعمدت إيران في الفترة الأخيرة إلى تفعيل بعض الأدوات والأوراق لغاية الضغط على الأسد من أجل ضمان مصالحها ومكتسباتها التي جنتها خلال الحرب السورية.
وتتخذ طهران من ديون دمشق المتراكمة ورقة ضغط رئيسية للمساومة. وفي بداية الشهر الجاري وقبل انتهاء ولايته المؤقتة أرسل الرئيس الإيراني بالوكالة محمد مخبر مشروع اتفاقية محدثة للتعاون الاقتصادي الإستراتيجي طويل الأمد بين إيران وسوريا إلى مجلس الشورى لاستكمال الإجراءات القانونية بشأنه.
وبحسب موقع الإذاعة والتلفزيون الرسمي الإيراني، فقد اقتصر مشروع الاتفاقية الذي تمت الموافقة عليه من قبل مجلس الوزراء في يونيو الماضي، على ديباجة وخمسة بنود.
وينص المشروع على ضمان تنفيذ أحد أقدم اتفاقيات التعاون الاقتصادي الموقعة بين الجانبين في عام 2015، وإيجاد الحلول المناسبة لتسديد الديون الناجمة عنها.
وهذه من المرات النادرة التي تكشف فيها طهران عن تفاصيل الاتفاقيات المبرمة مع دمشق، حيث اعتمدت في السابق على سياسة التكتم في ما يتعلق بالاتفاقيات السابقة.
وتعد اتفاقية 2015 أحد أقدم الاتفاقيات التي ثبتت دعائم النفوذ الاقتصادي الإيراني في سوريا، وخضعت الاتفاقية لتحديثات خلال الأعوام 2017 و2019 و2023 مع زيارة الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي إلى دمشق.
وتنص المادة الثانية من مشروع الاتفاقية المعروضة حاليا على مجلس الشورى الإيراني على تشكيل مجموعة عمل تضم مسؤولين من كلا الجانبين لمتابعة تنفيذ المشاريع والعقود وفصل المشكلات المحتملة المتعلقة بها.
وتتكون مجموعة العمل من ممثلين من وزارة الخارجية ونائب الرئيس ووزارة الاقتصاد والطرق والتنمية.
وتشير الفقرة الثانية من المادة الخامسة من مشروع القانون إلى أن مدة الاتفاقية هي 20 عاما ويمكن تمديدها حتى تفي سوريا بالتزاماتها وتسدد خطوط ائتمان طهران إلى دمشق.
وتنص المادة الخامسة أيضا على أنه في حال انتهاء صلاحية الاتفاقية فإن ذلك لن يؤثر على المشاريع المنفذة حتى نهاية تنفيذها. كما يشير المشروع المعروض إلى ضرورة تنفيذ اتفاقية للتجارة الحرة موقعة بين البلدين منذ عام 2011، وكانت مرت بالعديد من التعرجات خلال السنوات الماضية.
وتنص الاتفاقية على ضرورة منح تراخيص الإنتاج والتوزيع في ما يتعلق بالمنتجات الصيدلانية والطبية للبلدين، إذا كانت مسجلة في القائمة الصيدلانية الرسمية لكل منهما.
واتفق الطرفان على تشكيل فريق فني يتكون من ممثلين عن الجهات المعنية من الجانبين مهمته تحديد وتوثيق ديون الجمهورية العربية السورية لجمهورية إيران الإسلامية الناتجة عن الاتفاقيات المالية والاقتصادية المشتركة الموقعة بين الطرفين، والاتفاق على تحديد حجم الديون المذكورة واقتراح آليات سدادها.
اقرأ أيضا:
وأعلن الجانب الإيراني في المشروع عن رغبته في الاستثمار في إنشاء موانئ بحرية لتصدير الفوسفات وتوسيع ودعم فرص التبادل التجاري بين البلدين.
وبحسب المشروع، الذي نشر موقع تلفزيون سوريا، تفاصيل دقيقة عنه، سيتم عرض موقع وقدرات ونوع الاستثمار على الجانب السوري للنظر فيه، وسيعلن الجانب السوري رأيه للجانب الإيراني خلال ثلاثة أشهر بعد تقديم الاقتراح.
وكان الطرفان اتفقا على مراجعة واتخاذ القرار خلال ستة أشهر من توقيع مشروع الاتفاقية بشأن إنشاء مصانع مشتركة للإسمنت بطاقة إنتاجية سنوية قدرها 5 ملايين طن لكل منهما في ريف دمشق وحلب وإصدار التصاريح اللازمة لإنشاء محطة كهرباء وتخصيص الأرض لكل مصنع، وتنفيذ مخططات بناء ما لا يقل عن 30 ألف وحدة سكنية من مخططات المؤسسة العامة للإسكان في كافة المحافظات السورية مع إعطاء الأولوية لدمشق وضواحي دمشق وحلب وحمص من قبل القطاع الخاص الإيراني بعد الاتفاق على آليات التمويل والتنفيذ.
واتفق الطرفان على وضع خطط المشاريع ذات الأولوية المتعلقة بإعادة الإعمار والمناطق قيد التطوير والمناسبة والمعرضة للاستثمار، وتنفيذ مشروع خطوط أنابيب لنقل النفط الإيراني إلى سوريا عبر أراضي العراق، وتنفيذ الاتفاقيات الموقعة بشأن مشروع خطوط أنابيب لنقل الغاز الإيراني إلى البحر المتوسط عبر أراضي العراق وسوريا.
وأكد الطرفان على ضرورة تقديم تسهيلات تزيل عوائق الشركات الإيرانية، على أن تتعهد حكومة نظام الأسد باتخاذ الإجراءات اللازمة لحل كافة المشكلات وإزالة العوائق المتبقية أمام الشركات الإيرانية العاملة في سوريا خلال مدة أقصاها 6 أشهر بعد توقيع الاتفاق.
ويشدد مشروع الاتفاقية على ضرورة أن تتخذ الحكومة السورية الإجراءات اللازمة لإزالة العوائق والقيود المتعلقة بمشاركة الشركات الإيرانية في مشاريع إعادة إعمار سوريا.
وأكد الطرفان أهمية تعزيز التعاون في مجال بحث إمكانية الربط البري والسكك الحديدية عبر ثلاثة ممرات اتصال تربط إيران بالموانئ السورية عبر العراق بالتعاون مع بغداد.
◄ مشروع اتفاقية بين إيران وسوريا لمدة عشرين عاما ويمكن تمديدها حتى تفي الحكومة السورية بالتزاماتها المالية لطهران
ويرى مراقبون أن مشروع الاتفاقية المعروض من شأنه أن يعزز النفوذ الإيراني على الاقتصاد السوري، وأن ما طرح يعكس رغبة في المزيد من إخضاع دمشق وابتزازها.
وكانت منظمة “مجاهدي خلق” الإيرانية المعارضة كشفت عن وثيقة تتضمن حجم الديون الإيرانية على دمشق ما بين عامي 2013 و2022 والتي بلغت عشرة مليارات دولار.
وأظهرت وثيقة سرية أخرى أن إيران تطالب الحكومة السورية بـ”الفوائد” المترتبة على تأخرها عن سداد الديون بين عامي 2013 و2019، و2019 وما يليه.
وانخرطت إيران في الحرب السورية منذ العام 2013 بناء على طلب من الرئيس بشار الأسد، الذي كان يخشى من انفلات الوضع الميداني، بعد التقدم الذي بدأت تحققه فصائل المعارضة في عدد من أنحاء البلاد.
وأرسلت طهران مستشارين عسكريين من الحرس الثوري الإيراني، وميليشيات من العراق ولبنان وأفغانستان وباكستان، في محاولة لإسناد دمشق.
وتريد إيران اليوم قطف ثمار تدخلها لإنقاذ نظام الأسد، وهي ترى أن محاولات الأخير لكسر جدار العزلة الذي طوقه منذ اندلاع الأزمة في العام 2011، قد تكون له أثمان باهظة على وجودها في سوريا، وهذا ما يدفعها إلى الاستنفار وتفعيل كل أدوات الضغط على الرئيس السوري.