طنجة تحتفي بكاتبها الأثير محمد شكري

اللقاء قدم تأملات في مسار حياة محمد شكري المضطربة وتأثير قسوة طفولته التي صنعت منه الكاتب المؤثر.
الاثنين 2023/11/20
أعمال شكري حاضرة بقوة إلى اليوم

طنجة (المغرب) - احتضن فضاء رياض السلطان، مساء السبت، لقاء دردشة حول محمد شكري، بمناسبة الذكرى العشرين لرحيل هذا الروائي المغربي الاستثنائي.

وخصص اللقاء، الذي نظمته مؤسسة الثقافات الثلاث بتعاون مع فضاء رياض السلطان بحضور ثلة من الكتاب والمهتمين والمولعين بالفنون والآداب، لتقديم الأعمال الرئيسية لمحمد شكري وحياته الفريدة والاستثنائية، وصدى كتاباته في إسبانيا، من خلال مشاركة الكاتبة روسيو روخاس – ماركوس، مؤلفة السيرة الذاتية بعنوان “محمد شكري، جوع الكتابة”.

وتناول اللقاء عددا من محطات مبدع رواية “الخبز الحافي” ذات الصيت العالمي ونظرته إلى الحياة وتفاصيله الروائية الواقعية وحضوره المتميز في الكتابة الأدبية العربية التي أغنتها روايات شكري العديدة منها “مجنون الورد” و”السوق الداخلي” و”غواية الشحرور الأبيض” و”مسرحية السعادة”. كما تميز اللقاء بقراءة شذرات من النص المسرحي “رجل الخبز الحافي” للكاتب المسرحي المغربي الزبير بن بوشتى.

الذكرى العشرين لرحيل هذا الروائي المغربي الاستثنائي
الذكرى العشرين لرحيل هذا الروائي المغربي الاستثنائي

بهذه المناسبة، قالت روسيو روخاس – ماركوس، في تصريح لها، إن هذا اللقاء يخلد الذكرى العشرين لرحيل محمد شكري، مبرزة أعمال هذا “الكاتب الشغوف بالكلمات والذي ترك بصمة لا تمحى في الأدب المغربي”. وأوضحت أن “كتابي عبارة عن سيرة ذاتية لشكري، يقدم تأملات في مسار حياته المضطربة وتأثير قسوة طفولته، التي صنعت هذا الكاتب، والذي لا تزال أعماله حتى يومنا هذا مترجمة بالكامل إلى الإسبانية”.

من جانبه، أكد مدير فضاء رياض السلطان، الزبير بن بوشتى أن هذا اللقاء كان فرصة لتقديم الكاتبة الإسبانية روسيو روخاس – ماركوس للجمهور المغربي، من خلال تسليط الضوء على كتابها المخصص لأعمال وحياة الراحل محمد شكري.

وتابع أن في هذا الفضاء الثقافي، تم الاحتفاء بمحمد شكري من خلال الإبداع الأدبي والمسرحي، لاسيما عبر قراءة بعض المقتطفات من المسرحية الناجحة “رجل الخبز الحافي”، التي صدرت عام 2013 بمناسبة الذكرى العاشرة لرحيله. وفي ما يتعلق بالشراكة بين مؤسسة الثقافات الثلاث والفضاء الثقافي والفني لرياض السلطان، أبرز السيد بن بوشتى أهمية هذا التحالف الثقافي، وهو الأول من نوعه والذي سيتم إثراؤه مستقبلا بالمزيد من الأنشطة.

يذكر أن روسيو روخاس – ماركوس، المولودة عام 1970، هي أستاذة بجامعة بإشبيلية، وحائزة على دكتوراه في الأدب وعلم الجمال، كما فازت بجائزة مانويل ألكانتارا للشعر سنة 2020. من إصداراتها “طنجة، الوطن الثاني” (2018)، “المدينة الدولية” (2019) و”متآمرو طنجة” (2019). ومحمد شكري، كاتب مغربي ناطق بالعربية، ولد سنة 1935 بالقرب من الناظور، في السابعة من عمره، انتقل مع والديه إلى طنجة، وخلال مراهقته، عاش حياة بوهيمية حيث أعال نفسه من خلال القيام بجميع أنواع الأعمال الصغيرة.

تبدو تجربة محمد شكري في الكتابة وفي الحياة متفردة ومليئة بالمفارقات، كما تكشف عن ذلك سيرته الحافلة بالكثير من الشقاء. طفولته تحمل جانبا كبيرا من ذلك. فقد اضطر شكري إلى ترك مسقط رأسه بالريف بالشمال المغربي المهدد حينها بالمجاعة، ليهاجر رفقة عائلته، قبل أن يقفل السابعة من عمره، إلى طنجة. هناك كانت تنتظره حياة أقسى، اضطر معها إلى مزاولة الكثير من الأعمال، محروما بذلك من فرصة التعليم. وظل بذلك أميا إلى سن العشرين، ليتمكن بعد ذلك من تعلم القراءة والكتابة بشكل عصامي وليلتحق بمدرسة المعلمين بمدينة تطوان، ثم بممارسة التعليم قبل أن يتقاعد استثنائيا.

نصوص محمد شكري استطاعت أن تصل إلى القراء عبر العالم، من خلال العشرات من الترجمات إلى مختلف اللغات، بشكل يضعه ضمن الكتاب العرب الأكثر تداولا على المستوى العالمي

كان دخول شكري مجال الكتابة محفوفا بالكثير من العفوية وبشيء من الصدفة، حيث يعتبر تعرفه على الكاتب المغربي محمد الصباغ سببا لتفكيره في الكتابة، رغبة منه في البحث عن تقدير مشابه للتقدير الخاص الذي كان يحظى به الصباغ. ولذلك نشر شكري خلال سنة 1960 نصوصا قصيرة بجريدة العلم المغربية منها “جدول حبي”، مع صورة قلَّد فيها أحمد شوقي واضعا يديه على حنكيه، كما يحكي شكري نفسه، ليضفي على نفسه شيئا من الأهمية.

 غير أن شكري استطاع بذكائه وبموهبته الفريدة أن يخرج من حدود الصدفة، ليكتب نصوصا ستجد طريقها إلى منابر من بينها “الآداب”، بينما فتح ظهور الجزء الأول من سيرته الذاتية “الخبز الحافي” سنة 1972 مترجما إلى الإنجليزية، ثم إلى الفرنسية قبل أن يظهر بالعربية سنة 1983، أفقا أوسع لتكريس تجربة شكري الإبداعية.

وإذا كان صدور الخبز الحافي وقرار منعه قد منحا لشكري بعدا عالميا، فإنه ظل يرفض اختزال حضوره الإبداعي إلى تجربة مدينة لهذا العمل. وبالفعل، استطاع شكري أن يراكم عددا من الأعمال، حيث أصدر مجموعتين قصصيتين، هما “مجنون الورد”، و”الخيمة”. وعلى مستوى الرواية، ظهرت لشكري نصوص “السوق الداخلي” و”زمن الأخطاء”، و”وجوه”. كما صدرت له مسرحيته “السعادة”. وذلك بالإضافة إلى أعماله عن جون جونيه وتينيسي وليامزوبول بولز.

استطاعت نصوص محمد شكري أن تصل إلى القراء عبر العالم، من خلال العشرات من الترجمات إلى مختلف اللغات، بشكل يضعه ضمن الكتاب العرب الأكثر تداولا على المستوى العالمي. ويبدو أن المغرب يحتاج إلى الكثير من الحظ لكي ينجب كاتبا بحجمه. هو الذي دخل الكتابة هروبا من أسرته الصغيرة ليرحل عن العالم تاركا خلفه أسرة بحجم العالم.

12