طنجة السينمائي يبحث تمويل صناعة السينما بالمغرب بين الآليات والآفاق المستقبلية

طنجة (المغرب) - نظم المهرجان الوطني للفيلم بطنجة في دورته الرابعة والعشرين، الخميس، مائدة مستديرة بقاعة طنجيس تحت عنوان “تمويل صناعة السينما بالمغرب: الآليات والآفاق المستقبلية”، ويعد هذا الحدث واحدا من أبرز الفعاليات في هذه الدورة، حيث جمع تحت سقف واحد نخبة من المتخصصين في مجال السينما، بما في ذلك المنتجون والمخرجون، إضافة إلى ممثلي المؤسسات المعنية بالدعم الثقافي في المغرب، كما كانت المائدة المستديرة فرصة حقيقية لتبادل الأفكار والخبرات حول القضايا المتعلقة بتمويل الصناعة السينمائية، وهو موضوع يكتسب أهمية متزايدة في ظل التحديات الاقتصادية الراهنة.
وأشار العديد من المتدخلين إلى أن الصناعة السينمائية في المغرب تواجه تحديات كبيرة تتعلق بضعف الموارد المالية وارتفاع تكاليف الإنتاج، فالمنتجون والمخرجون شددوا على أن هذه العقبات تعرقل تحقيق رؤى إبداعية متميزة في عالم السينما، وبالرغم من الدعم الحكومي الذي توفره الدولة من خلال المركز السينمائي المغربي، إلا أن هذا الدعم لا يكفي لتغطية احتياجات المشاريع الكبرى التي قد تتطلب استثمارات ضخمة، بينما كانت هناك دعوات واضحة إلى البحث عن حلول مبتكرة لتمويل الإنتاجات السينمائية.
ويعتبر أحد المحاور الأساسية التي تمت مناقشتها في المائدة المستديرة تنويع مصادر التمويل، حيث شدد المتدخلون على أن الاعتماد الكلي على الدعم الحكومي لم يعد كافيا لضمان استمرارية الإنتاج السينمائي، وقد طُرحت فكرة تعزيز الشراكات مع القطاع الخاص خاصة مع الشركات والمؤسسات التي يمكن أن تستثمر في القطاع السينمائي كجزء من إستراتيجيات المسؤولية الاجتماعية، كما تمت الإشارة إلى الشراكات الدولية كآلية فعالة للحصول على تمويل إضافي، من خلال التعاون مع مؤسسات تمويلية دولية أو الحصول على منح من جهات داعمة للفن والثقافة على المستوى العالمي.
وناقش المشاركون أيضا سياسات الدعم الحكومي الموجهة لصناعة السينما، حيث تمت الدعوة إلى إعادة النظر في هذه السياسات لتحسين فعاليتها وزيادة جاذبيتها للمستثمرين، وأكد المنتجون أن الحوافز الضريبية التي تقدمها الدولة لصالح المستثمرين في القطاع السينمائي يمكن أن تشجع المزيد من الجهات على ضخ استثمارات أكبر في هذا المجال، كما تمت الدعوة إلى تبسيط الإجراءات الإدارية البيروقراطية التي تعيق أحيانا استفادة المشاريع السينمائية من التمويلات المتاحة، وذلك لضمان سرعة وسلاسة تنفيذ المشاريع.
وكانت الرؤية الإستراتيجية لدعم صناعة السينما من بين المحاور التي أُثيرت خلال النقاشات، حيث أكد المتحدثون أهمية وضع خطة بعيدة المدى تسعى إلى تحقيق استدامة في الإنتاج السينمائي وتعزيز مكانة المغرب كوجهة لصناعة السينما في المنطقة. هذه الرؤية تتطلب جهودا متكاملة من الحكومة والقطاع الخاص والمؤسسات الثقافية لضمان توفر التمويل اللازم واستثمار البنية التحتية المتاحة.
وتطرق المشاركون إلى الآفاق المستقبلية لصناعة السينما في المغرب، حيث أشار العديد منهم إلى ضرورة تحسين جودة الإنتاج السينمائي بما يتماشى مع المعايير الدولية، وذلك من خلال الاستثمار في التدريب وتطوير المهارات التقنية والفنية للعاملين في هذا المجال، وإلى أهمية التركيز على التوزيع والتسويق كجزء أساسي من العملية السينمائية لضمان وصول الأفلام المغربية إلى جماهير أوسع.
وفي سياق الحديث عن تمويل صناعة السينما بالمغرب، برزت قضية تدخل المصالح وعلاقات الواسطة كأحد التحديات الكبرى التي تواجه صناع الأفلام، حيث أشار المتدخلون في المائدة المستديرة إلى أن توزيع دعم مشاريع الأفلام غالبا ما يتأثر بتداخل المصالح الشخصية والعلاقات غير الشفافة، ما يؤدي إلى توجيه هذا الدعم إلى مشاريع معينة دون الاعتماد على معايير موضوعية عادلة، بدلا من أن تكون عملية صرف الدعم مبنية على تقييم جودة السيناريوهات والإبداع الفني، ويتم في بعض الأحيان توجيه التمويلات لصالح منتجين أو مخرجين تربطهم علاقات خاصة مع بعض الأطراف المؤثرة، سواء من داخل المركز السينمائي المغربي أو من خارجه، وهذه الظاهرة لا تضر فقط بمبدأ تكافؤ الفرص بل تعرقل تطوير الصناعة السينمائية، حيث تذهب التمويلات إلى مشاريع قد لا تستحق الدعم في حين تهمش أعمال أخرى ذات جودة وإبداع عاليين.
◙ الآفاق المستقبلية لصناعة السينما في المغرب تتطلب تحسين جودة الإنتاج السينمائي من خلال الاستثمار في التدريب وتطوير مهارات العاملين في القطاع
وناقش المتدخلون ما وصفوه بعرقلة بعض صناع الأفلام انتقاما لحسابات شخصية، وهذه العرقلة تأخذ أشكالا متعددة، من ضمنها عدم منح الرخص اللازمة لتصوير أو توزيع الأفلام بشكل غير مبرر، ما يؤدي إلى تعطيل المشاريع وتأخيرها أو إيقافها تماما. وأشار بعض المتدخلين إلى أن هذه القرارات لا تعتمد دائما على تقييم جودة الأعمال السينمائية أو احترام المعايير الفنية والمهنية، بل تأتي كنوع من الانتقام الشخصي أو تصفية الحسابات مع بعض المخرجين أو المنتجين الذين قد تكون لهم مواقف ناقدة تجاه بعض الشخصيات أو السياسات في الوسط السينمائي، وهذه الممارسات تساهم في تكريس عدم الشفافية وتزيد من الإحباط بين صناع السينما الذين يسعون إلى تطوير أعمالهم بناءً على الجدارة الفنية والإبداعية، مما ينعكس سلبا على الصناعة ككل ويضعف فرص النهوض بها في المستقبل.
وتعد ضرورة إدخال القطاع الخاص في إنتاج الأفلام السينمائية أمرا حيويا لتطوير الصناعة السينمائية بالمغرب، فالاعتماد الكلي على الدعم الحكومي والمصادر التقليدية للتمويل لم يعد كافيا لمواكبة التطورات السريعة في صناعة السينما عالميا، ودخول القطاع الخاص من شأنه أن يضخ موارد إضافية ويحفز الاستثمارات الكبيرة، ما يساعد على تمويل مشاريع طموحة توفر فرصا أكبر للإبداع والابتكار، كما يمكن للقطاع الخاص أن يقدم الدعم ليس فقط من خلال التمويل المباشر، بل أيضا من خلال رعاية الفعاليات السينمائية وتسهيل توزيع الأفلام وتسويقها.
ويتوقع أهل الاختصاص أن مشاركة القطاع الخاص بتمويل ودعم الأعمال السينمائية من شأنها أن تفتح الباب أمام شراكات جديدة تساهم في دمج صناعة السينما في عجلة الاقتصاد المغربي، حيث يمكن أن تصبح الأفلام المغربية أداة لتعزيز الهوية الثقافية والترويج للسياحة من خلال عرض المغرب كوجهة تصوير عالمية، كما أن انخراط القطاع الخاص يمكن أن يدعم الابتكار الرقمي في السينما، من خلال الاستثمار في تقنيات الإنتاج الحديثة والمنصات الرقمية.
ويتوقع أهل الاختصاص أن مشاركة القطاع الخاص بتمويل ودعم الأعمال السينمائية من شأنها أن تفتح الباب أمام شراكات جديدة تساهم في دمج صناعة السينما في عجلة الاقتصاد المغربي، حيث يمكن أن تصبح الأفلام المغربية أداة لتعزيز الهوية الثقافية والترويج للسياحة من خلال عرض المغرب كوجهة تصوير عالمية، كما أن انخراط القطاع الخاص يمكن أن يدعم الابتكار الرقمي في السينما، من خلال الاستثمار في تقنيات الإنتاج الحديثة والمنصات الرقمية.