طموح غير واقعي لتحويل رأس جدير إلى أكبر معبر بري في أفريقيا

مشروع الممر التجاري القاري التونسي – الليبي يصطدم بعدة صعوبات لوجستية بالإضافة إلى مشاكل أمنية ناتجة عن خلافات ليبية داخلية بشأن إدارة المعبر.
الاثنين 2024/07/08
الدبيبة انتزع مهمة التفتيش في المعبر من شرطة الحدود

تونس- تطمح تونس وليبيا، بدعم من الأمم المتحدة، إلى تحويل معبر رأس جدير الحدودي إلى أكبر معبر بري في أفريقيا. وهو ما يصطدم بعدة عراقيل جعلت مراقبين يصفون هذا الطموح بغير الواقعي.

ويعاني المعبر، الذي أجرت عليه ليبيا صيانة من جانبها فقط خلال الفترة الماضية، من عدة صعوبات لوجستية بالإضافة إلى مشاكل أمنية ناتجة عن خلافات ليبية داخلية لا تتوقف بشأن الجهة التي تدير المعبر وتتحكم فيه.

وشهد المعبر أزمة في نهاية مارس الماضي أدت إلى إغلاقه مدة دامت نحو ثلاثة أشهر. وأغلق المعبر في البداية بسبب اشتباكات أمنية بين ميليشيات ليبية تابعة للأمازيغ وقوات حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبدالحميد الدبيبة.

ولاحقا توصل الأمازيغ وحكومة الدبيبة إلى اتفاق، لكن ذلك لم يؤد إلى فتح المعبر. ويسيطر الغموض على التفاهمات في حين يرجح مراقبون اندلاع الاشتباكات من جديد بين الطرفين في أي لحظة، خاصة مع تشديد الحكومةِ الرقابةَ على التهريب، وهو ما يزعج الأمازيغ الذين يسيطرون على خطوط التهريب بين تونس وليبيا.

وانتزع الدبيبة مهمة التفتيش في المعبر من شرطة الحدود وكلف إدارة إنفاذ القانون بذلك، ما يعكس تشددا حيال التهريب وخاصة تهريب الوقود.

محمد صالح الجنادي: الحالة اللوجستية  للمعبر الآن لا تسمح  بذلك
محمد صالح الجنادي: الحالة اللوجستية  للمعبر الآن لا تسمح  بذلك

وضبطت دوريات أمنية ليبية السبت كميات من الوقود المهرب في مركبات للمسافرين عبر معبر رأس جدير الحدودي بين تونس وليبيا، بالإضافة إلى بضائع مختلفة كانت تمر سابقا دون مشاكل.

وقامت حكومة الدبيبة بصيانة المعبر من الجانب الليبي، وهو ما أدى إلى تأخر افتتاحه الذي لم يتم إلا في مطلع الشهر الحالي. ولم تشمل الصيانة سوى إضافة بعض البوابات.

وقال الخبير المالي والمصرفي  التونسي محمد صالح الجنادي إن ” معبر رأس جدير قديم وإمكانياته محدودة، ولاحظنا عندما تم غلقه تضخّم أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية والمهربة”.

وأضاف لـ”العرب”: “يحتاج المعبر إلى بنية تحتية متقدمة وبالخصوص سكك حديد لنقل البضائع، كما أن الحالة اللوجستية للمعبر الآن لا تسمح بذلك لأنه يفتقد إلى مراكز مراقبة بشرية وتجارية، ويصعب التعرف على نوعية البضائع بالمقارنة مع المعابر العالمية التي تعتمد في عملها على وسائل تقنية حديثة”.

وتابع الجنادي “المشروع الجديد لا بدّ أن يكون مبنيا على قوانين لوجستية واضحة مع تركيز بنوك للعمليات المالية والمصرفية، وهو الآن يفتقد إلى إقليم تجاري جمركي كبير”.

واعتبر الخبير الاقتصادي أنه “ربما تم التفكير في ربط خط إقليمي كامل بين دول شمال أفريقيا بالخط الصحراوي الداخلي”.

وكانت  وزيرة التجارة وتنمية الصادرات التونسية كلثوم بن رجب حرم القزاح قد ناقشت مع مسؤولة أممية تطورات مشروع الممر التجاري القاري الليبي – التونسي في اتجاه دول أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.

جاء ذلك خلال استقبال كلثوم بن رجب الأمينة التنفيذية المساعدة للجنة الاقتصادية لأفريقيا التابعة للأمم المتحدة حنان مرسي، والمدير الإقليمي لمنطقة شمال أفريقيا باللجنة آدم الحريكا، وفق ما نقلته وزارة التجارة التونسية في بيان لها السبت.

وتطرق اللقاء إلى مجالات التعاون وفرص الشراكة المتاحة بين تونس واللجنة الاقتصادية لأفريقيا، بالإضافة إلى مناقشة مشروع الممر التجاري القاري التونسي – الليبي في اتجاه دول أفريقيا جنوب الصحراء باعتباره من المشاريع النموذجية لتحقيق التكامل الاقتصادي والاندماج الإقليمي، والذي ستكون نقطة انطلاقه المنطقة الحرة للأنشطة التجارية واللوجستية ببن قردان (جنوب شرق تونس)  ومعبر رأس جدير الحدودي.

وبحسب بيان لوزارة التجارة التونسية سيكون “مشروع الممر التجاري أكبر معبر بري في القارة، والذي سيربط تونس وليبيا بـ5 من الدول الأفريقية غير الساحلية وهي تشاد والنيجر ومالي وبوركينا فاسو وأفريقيا الوسطى”.

وأكدت حنان مرسي ضرورة تعزيز التعاون بين تونس واللجنة الاقتصادية لأفريقيا، خاصة في الممرات التجارية البرية وتطوير سلاسل القيمة الإقليمية والأمن الغذائي.

وأشارت مرسي إلى استعداد اللجنة لتقديم كل الدعم في هذا الاتجاه قصد تعزيز الترابط في منطقة شمال أفريقيا والنهوض بالعلاقات الاقتصادية البينية.

وأوضحت ممثلة اللجنة الاقتصادية لأفريقيا أنه سيتم المزيد من التعمق في مناقشة ودراسة مجالات التعاون بين الجانبين، مبرزة أنه سيتم تحديد الأولويات في هذا الإطار والمتابعة الآنية للمشاريع المزمع إنجازها.

وكان قد تم الإعلان رسميا عن إحداث الممر التجاري القاري التونسي – الليبي نحو بلدان أفريقيا جنوب الصحراء في أغسطس 2023 إثر الاجتماع الوزاري المشترك التونسي – الليبي بين وزيرة التجارة وتنمية الصادرات في الحكومة التونسية ووزير الاقتصاد والتجارة بحكومة الوحدة الوطنية الليبية، حيث أكد الجانبان على أهمية وضرورة تأهيل وتطوير المعبر الحدودي رأس جدير وفقا للمعايير الدولية حتى يصبح بوابة تجارية لأفريقيا ووسيلة لتحقيق الاندماج والتكامل الاقتصادي، خاصة مع دول أفريقيا جنوب الصحراء، إضافة إلى إرساء شراكة فعالة ثلاثية الأبعاد تونسية – ليبية – أفريقية.

وسجل حجم المبادلات التجارية بين البلدين ارتفاعا مهما سنة 2022 حيث بلغ 3.027 مليار دينار (حوالي مليار دولار) مقابل 2.020 مليار دينار في سنة 2021.

ويسعى الطرفان التونسي والليبي إلى زيادة حجم التجارة البينية في السنوات القادمة ليبلغ 5 مليارات دينار، وذلك عبر إرساء جميع الآليات الكفيلة بذلك.

1